الخميس 5 أيار (مايو) 2011

إطار صورة الثورة العربية وقلبها

الخميس 5 أيار (مايو) 2011 par د. علي محمد فخرو

تجلٍّيات الثورة العربية التي تجتاح الوطن العربي تحتاج إلى أن تصبح مشروعاً يؤمن به الشعب العربي وعلى الأخص طلائعه الشبابية الثورية. بناء المشروع سيساهم في تجنب الثورة الوقوع في مصائد الإنحراف أو السًّرقة أو النكوص أو الإنقسامات العبثية. وهو مشروع يجب أن تتكاتف جهود الشباب مع جهود مفكرٍّي الأمة وقادتها السياسًّيين الثوريين لبلورته شيئاً فشيئاً.

في اعتقادي إننا يجب أن نسعى لوضع إطار فكري شعوري روحي لصورة نرسمها داخل ذلك الإطار.

إما الإطار فهو إيجاد قطيعة عميقة أبدية مع تاريخ الاستبداد الذي عاشته الأمة عبر عشرات القرون الماضية. تلك القطيعة ستعني الرفض التام، غير المتصالح قط، غير المبرٍّر قط، مع كل فكر أو قول أو ممارسة أو إرث شعبي أو عادات وسلوكيات سمحت في الماضي بوجود كل أنواع الاستبداد والعبودية والخضوع في الحياة العربية. لن يكون هناك مكان في الثقافة العربية الجديدة مكان لتفسير قرآني خاطئ أو انتهازي نفعي، لحديث نبوي موضوع ومدسوس، لتوجيه أو فهم فقهي لا يصلح لزماننا، لبيت شعري يتكسًّب الرزق، لأقوال مأثورة تمجًّد الطاعة العمياء.. لن يكون لذلك ولغيره مكان إن ارتبط بتمجيد أو تبرير أيٍّ نوع من الإستبداد.

ضمن ذلك الإطار المعيد لكرامة الإنسان العربي، المذكٍّر دوماً بالدفاع عنها، يمكن رسم صورة المنطلقات والأهداف والمشاريع التفصيلية والممارسات المطلوبة لهذه الثورة المباركة التي تعيشها الأمة الآن وستعيشها لسنين طويلة قادمة، وذلك على النحو التالي :

أولاَ : من المفروض أن يضمٍّ ذلك الإطار كل عناصر المشروع النهضوي العربي الذي تكوًّن عبر قرنين من الزُّمن في شكل مساهمات فكرية من قبل مئات المفكرين وفي شكل ممارسات وأحداث مرّت في حياة هذه الأمة، وعلى الأخص في القرن الماضي.

ثانياً : لكن في مركز القلب من ذلك المشروع النهضوي يجب أن تكون الديمقراطية المتًّصفة بصفتين ملازمتين هما الشمول والعدالة. ديمقراطية شاملة بمعنى أنها لن تكون ديمقراطية سياسية فقط وإنما أيضاً ديمقراطية اقتصادية واجتماعية وثقافية وإعلامية.

في السياسة دستور عقدي، حريًّات التعبير والتنظيم والتجمُّع، فصل شديد للسلطات، تبادل دوري لسلطة الحكم، صوت واحد متساوٍ لكل مواطن، دولة قانون يجبُّ العلاقات القبلية والمذهبية والحزبية، اشراك تام للمرأة في الحقوق والواجبات والفرص، رفض تام لأية شرعية للحكم لا تكون دستورية ديمقراطية توافقية.

في الاقتصاد توزيع عادل للثروة ورفض تام لأيُّ تساكن بين الفقر المدقع والغنى الفاحش.

اقتصاد غير ريعي يوزع الثروة حسب الولاءات والاستزلام النفعي، يجعل ثروات الوطن الطبيعية ملكاً للمجتمع وليس لسلطة الحكم، إنتاجي - معرفي مرتبط بالجهد والإبداع، وطني وقومي قبل أن يكون عولميا تابعا للخارج. إقتصاد محكوم بمبادئ العدالة الاجتماعية ومضاد للتوحش الرأسمالي.

في الإجتماع والثقافة والإعلام يرفض النظام البطركي الذي يحكم الأسرة ومؤسسات المجتمع، يثور على الألقاب والحركات الجسدية التي تًغرٍزٌ مكونات المجتمع مابين سادة وعبيد، جماعات عالية وأخرى وضيعة.

ديمقراطية ليس فيها ألقاب الحزب القائد أو الزُّعيم الملهم الأوحد، أو الرئيس أب العائلة، أو ألقاب الفخامة والعطوفة والسعادة والفضيلة. وهي تنأى بنفسها عن تكفير المواطنين أو الهيمنة على ضمائرهم ونواياهم، وتشجٍّع التعددية الثقافية واللغوية.

هذه الديمقراطية الشاملة العادلة ستكمٍّل وتتناغم مع مكونات المشروعات النهضوي العربي الأخرى وهي الوحدة العربية والاستقلال الوطني والقومي والتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والتجديد الحضاري.

ديمقراطية لن يُضحًّي بها قط باسم أي من مكونات المشروع النهضوي ولن تكون في مؤخٌّرة ذلك المشروع، بل في مقدًّمته تقوده وتحكمه.

إذا كان العالم قد فهم الديمقراطية (دون إعطائها أية صفة تحميها وتسمو بها) على أنها سيرورة لها بداية وليس لها نهاية، فلتكن مناسبة الثورة العربية الجديدة دفع الديمقراطية نحو الأعلى، نحو الاقتراب من صورتها الإنسانية النبيلة، وهذا يمكن أن يكون عطاء العرب للعالم خلال القرن الواحد والعشرين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165358

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165358 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010