السبت 30 نيسان (أبريل) 2011

ليس السؤال : ماذا حدث؟ السؤال : العرب إلى أين هم ذاهبون؟

السبت 30 نيسان (أبريل) 2011 par محمد الرطيان

(1)

لو خرج البوعزيزي من قبره، ونظر إلى المشهد العربي لأصابه الذهول مما يحدث - ومما حدث - ولقال باستغراب كبير : يا إلهي .. هل فعلت كل هذا؟! .. وسيدخل بعدها في غيبوبة طويلة من هول الصدمة!

سيقول التاريخ : البوعزيزي لم يشعل النار في جسده فقط .. بل أشعل المنطقة بأكملها، ولم يكتفِ بحرق جسده النحيل .. بل أحرق «أتخن» وأكبر الأنظمة.

سيقول التاريخ : البوعزيزي لم يكن يجر عربة الخضار .. بل كان يجر عربة التاريخ!

البوعزيزي هو (القشة التي قصمت ظهر البعير).. وفوق ظهر هذا البعير العربي كبر الحمل، وتراكمت عليه عقود من القهر والاستبداد، في ظل حكومات وأنظمة لم يقدم بعضها له ما يشفع لها بالاستمرار، وحرمته من أبسط حقوقه .. ووصل الأمر إلى رغيف الخبز والهواء المتاح للجميع .. فلم يعد يختلف الأمر : سواء مات مختنقاَ، أو جائعاً، أو متظاهراً وسط أحد الميادين.

تعالوا لنتخيّل اختلافا بسيطاً في المشهد :

يذهب البوعزيزي إلى قسم الشرطة، تستقبله الشرطية بابتسامة طيبة بدلاً من صفعه على وجهه ، يأمر المسؤول بإعادة عربة الخضار إليه .. انتهى المشهد.

ما الذي سيحدث؟.. هل ستشتعل الثورة وتمتد نيرانها إلى جهات عربية اخرى؟..

هل ستغيّر عربة التاريخ وجهتها باختلاف وجهة عربة خضار البوعزيزي؟

هل اختلاف أبطال المشهد (البوعزيزي عربة الخضار الشرطية) سيجعل المشهد يتغيّر تماماً؟

الحقيقة : أن عربة التاريخ لن توقفها ابتسامة الشرطية، ولطف المسئول الاستثنائي.

الحقيقة : أن الزمن تغيّر، وأدواته تغيّرت، ووسائل التعبير تغيّرت، وكبرت الفجوة بين الدولة العربية ومواطنيها. (هذا إذا اتفقنا أن الدولة العربية «دولة» ورعاياها «مواطنون» بما تعنيه الكلمة!).

الحقيقة : أنه ليس بإمكان أي أحد أن يقف في وجه السنن الكونية، ولا تستطيع كل الحُفر و(المطبات) التي تملأ الشوارع العربية أن تُوقف العربة أو تغيّر مسارها.

الحقيقة : أنه سيأتي (بو عزيزي) آخر - وباسم مختلف - ليشعل الشرارة الأولى، والتي ستمتد نارها لشوارع عربية اخرى مترعة بالنفط القابل للاشتعال!

الحقيقة : أن البعير العربي تنازل عن صفته الشهيرة «الصبر» واستعاد إحدى صفاته «الشجاعة».

(2)

ولكن .. رغم كل ما حدث - وما يحدث الآن - سيكون من الرفاهية الفكرية أن نردد - في هذه اللحظة التاريخية - أسئلة مثل : ما الذي حدث؟ .. وكيف حدث؟.. فالسؤال الأهم - من وجهة نظري المتواضعة - إلى أين العرب ذاهبون؟.. ما حدث - وما يحدث الآن - إلى أين سيأخذهم؟ .. هل سيستبدلون المشهد بمشهد آخر شبيه له، مع اختلاف أسماء أبطال المشهد الجديد؟! .. هل سيضعون في عربة التاريخ كل خيباتهم التاريخية والثقافية ويحملونها معهم إلى المستقبل؟.. أم أنهم سيذهبون باتجاه دولة القانون، ومجتمع مدني حر يتساوى فيه الناس، ويحصلون على كافة حقوقهم، ويؤدون كافة واجباتهم، في «دولة» حقيقة .. دولة تحترم مواطنها وتهابه .. دولة مهمتها الأولى حماية هذا المواطن العربي وتوفير سبل العيش الكريم له.

دولة حقيقية .. لا دول تحكم بعضها «عصابات» تُسمي نفسها حكومات!

(3)

«إلى أين العرب ذاهبون»؟

أطرح هذا السؤال، وعيني على «مصر» تحديداً..

وقلبي مُعلّق في «ميدان التحرير»..

وأخاف .. أخاف أن يقوم أحد اللصوص بسرقة «عربة التاريخ» أو تحطيم عجلاتها!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2178631

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

48 من الزوار الآن

2178631 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 49


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40