السبت 30 نيسان (أبريل) 2011

انتفاضة في وجه نظام الطوائف

السبت 30 نيسان (أبريل) 2011 par د. عبد العزيز المقالح

لم يعد الإعلام العربي، والمرئي منه خاصة، موضوعياً ومحايداً في تناوله لما يحدث في الوطن العربي من متغيرات ومن ردود فعل للشارع الذي نطق بعد صمت طويل. ولا يشك أحد في أن غياب الموضوعية في وسائل الإعلام عامة والمرئي منها خاصة، يجعل هذه الوسائل تفقد صدقها وقدرتها على إيصال الرسالة المطلوبة منها، ويجعل القارئ أو المشاهد يحول نظره عنها بحثاً عن الحقيقة أو ما يقرب منها في وسائل أخرى تحرص أن تكون على درجة عالية من المهنية، والمحافظة على قدر من الموضوعية في ما تتناوله أو تنقله عن هذا الذي يجري في أغلب الأقطار العربية، ليكون القارئ والمشاهد على وعي حقيقي بتلك المجريات بعيداً عن التهوين والتهويل، وبعيداً عن الإثارة التي تعد بحق أسوأ ما سقط فيه هذا المستوى من الإعلام.

وما كان بالنسبة لي مهماً ولافتاً تجاهل معظم وسائل الإعلام العربية المرئية التي لا تكف عن الصراخ في وجوه المشاهدين على مدار الساعة، هو ما حدث في لبنان من المسيرات الشعبية التي خرجت استجابة لما يحدث في بقية الأقطار العربية من تظاهرات وثورات تطالب بالحرية والكرامة والإصلاح، ولا أبالغ إذا ما قلت إن مطالب المسيرات اللبنانية التي تجاهلها الإعلام العربي كانت من أهم المطالب الوطنية والقومية التي يؤرق غيابها واقع الوطن العربي، ليس في لبنان وحده، وإنما في سائر الأقاليم العربية التي تحاول أن تخفي أمراضها أو تغطيها بشعارات واختلافات قانونية لا تمسّ جذور المشكلات ولا تقترب من أساس الداء.

لقد تمحورت شعارات المسيرات اللبنانية على شأن واحد وعظيم، ذلك هو إلغاء الانقسام الطائفي بإلغاء الطائفة السياسية وإيجاد الدولة المدنية الديمقراطية التي تقوم على العدالة والمواطنة المتساوية، لا على استئثار فئة أو على المحاصصة الطائفية وتفتيت الوطن وتقسيم الولاءات ودفع الأقطار العربية الصغيرة أو الكبيرة إلى أن تتحول إلى دويلات صغيرة أو كانتونات صغيرة لا ترى إلا بالمجهر، ولا تحقق سوى أهداف الأعداء الذين يحلمون منذ وقت طويل بأنظمة تتوزعها الانتماءات الطائفية والولاءات الضيقة، عرقية كانت أم مذهبية، مناطقية أو قبلية، لما سيترتب عليها من إضعاف الانتماء الوطني والقومي وتفتيت للثورات والإمكانات المشتركة.

لقد جعلتني المسيرات اللبنانية بأهدافها النبيلة والواقعية أصرخ من الأعماق : هذا هو لبنان، لبنان المعلم، لبنان الذي احتضن أفكار الوحدة والعروبة منذ قرنين، وأدرك علماؤه وعقلاؤه المعنى الكبير وراء توحيد الكيان العربي لمواجهة الأطماع الخارجية والارتقاء بالأقاليم العربية علمياً واقتصادياً وثقافياً. ونبذ كل ما يعوق أسباب التطور من خلافات سياسية وطائفية تشد المجتمعات إلى الخلف، بدلاً عن السير بها نحو التقدم والانعتاق من قبضة التراكمات المسيئة إلى وحدة المواطنين والرامية إلى تفتيت جهودهم والعبث بمقدراتهم، وقد أعادت الانتفاضة الشعبية الأخيرة للأشقاء في لبنان في وجه الطائفة السياسية صورة لبنان العربي كما أراده مفكروه ومبدعوه، وكانت تلك الانتفاضة التي تم تجاهلها إعلامياً بمنزلة برنامج يطرحه لبنان بكل محبة وصفاء على كل الانتفاضات والثورات العربية الراهنة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 64 / 2165829

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165829 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010