الخميس 28 نيسان (أبريل) 2011

إنجازات بالانتظار للثورة المصرية

الخميس 28 نيسان (أبريل) 2011

يميل المزاج العام بين النخبة المصرية إلى القناعة بأن الثورة الشعبية التي اندلعت في يناير الماضي قد حققت النسبة الكبرى من أهدافها، وهي قناعة قد لا يبدو صداها واضحاً لدى رجل الشارع العادي، حيث الفارق أن الأخير لم يلحظ بعد آثاراً مباشرة في حياته اليومية يستطيع أن يقول بناء عليها إن الثورة قد حققت له أهدافه .. ينظر أهل النخبة إلى ما يجري في مصر من منظور سياسي ويخلصون إلى أن الثورة حققت جزءاً كبيراً من أهدافها، ويتلمس رجل الشارع آثاراً اقتصادية للثورة الشعبية، مرتقباً أن تغير من حياته .. ويبقى التماس العذر أن الثورة لا تزال في بداياتها وأن معوقات عدة حالت دون دوران عجلة التنمية بالشكل المطلوب حتى الآن، وفي المقدمة منها استمرار المظاهرات الفئوية ومحاولات الانقضاض على الثورة من قبل أنصار الحزب الوطني «المنحل».

عودة إلى ما تراه النخبة السياسية قد تحقق من أهداف الثورة، حيث في المقدمة من ذلك ما أنجزته الثورة في بداياتها من الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك وإجباره على التنحي وتسليم السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وما تلا ذلك من صدور قرارات منع من التصرف في الأموال والممتلكات ثم قرارات الحبس والإحالة إلى المحاكمة بحق رموز النظام السابق، وقد تدرج الأمر بدءاً من عدد من الوزراء ورجال الأعمال وصولاً إلى البيت الرئاسي وعلى قمته الرئيس السابق حسني مبارك، الذي صدر بحقه قرار بالحبس لمدة 15 يوماً وتم تجديده على ذمة التحقيقات في اتهامات بالفساد المالي والتورط في إصدار الأوامر بقتل المتظاهرين . . وقد بدأت الملاحقات بوزير الداخلية السابق حبيب العادلي والأربعة الكبار من مساعديه : اللواء إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة السابق، اللواء حسن عبدالرحمن رئيس جهاز أمن الدولة السابق، اللواء أحمد رمزي رئيس قطاع الأمن المركزي السابق، واللواء عدلي فايد مدير مصلحة الأمن العام، ويواجه هؤلاء اتهامات بقتل الشهداء، فيما يواجه الوزير إضافة إلى تلك التهمة اتهامات بالفساد المالي.

الملاحقات وقرارات الحبس أيضاً طالت أمين التنظيم السابق بالحزب الوطني رجل الأعمال الشهير أحمد عز ووزير السياحة السابق زهير جرانة، ووزير الإسكان السابق أحمد المغربي، ووزير الإعلام السابق أنس الفقي، وهؤلاء يواجهون اتهامات بالفساد المالي والتربح غير المشروع باستغلال النفوذ، ويواجه نفس الاتهامات أيضاً وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان، فيما قررت النيابة حبس وزير البترول السابق سامح فهمي وعدد من قيادات قطاع البترول على ذمة التحقيقات في المخالفات التي شابت عملية تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني، وتصاعدت الملاحقات وقرارات الحبس لتطال رئيس مجلس الشعب «البرلمان» السابق أحمد فتحي سرور، ورئيس مجلس الشورى السابق صفوت الشريف، ورئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق زكريا عزمي ورئيس الحكومة السابق أحمد نظيف، ثم وصلت إلى البيت الرئاسي لتطال نجلي الرئيس السابق علاء وجمال ومبارك، فيما لا يزال التحقيق مرتقباً مع زوجتيهما، وزوجة الرئيس السابق سوزان ثابت في اتهامات بتضخم الثروة عبر طرق غير مشروعة، وفيما بين حبس الوزراء والرئيس السابق طالت الملاحقات وقرارات الحبس عدداً من قيادات الحزب الوطني المنحل المتهمين بالتورط في الاعتداء على المتظاهرين في ميدان التحرير، فيما عرف بموقعة «الجمل»، وهم رجل الأعمال إبراهيم كامل وماجد الشربيني وعضوا البرلمان السابقان يوسف خطاب وعبد الناصر الجابري، كما امتدت إلى عدد من رجال الأعمال والمسؤولين السابقين بعدد من القطاعات الحكومية.

التحقيقات والمحاكمات ورغم ما ساد من اعتقاد لدى كثيرين من أنها جرت ببطء دفع البعض إلى إلقاء الاتهامات هنا وهناك في وجه القائمين على أمر البلاد، إلا أنه صارت هناك قناعة بأنها تعبر عن تحقيق واحد من أهم أهداف الثورة وهو إخضاع جميع المتورطين في الفساد إلى المساءلة والمحاكمة، إضافة إلى محاكمة المتورطين في قتل شهداء ثورة يناير والقصاص منهم.

[**حل «الوطني» و«أمن الدولة»*]

ولم تكن ملاحقة رموز الفساد قضائياً وحدها ما تم إنجازه من أهداف ثورة يناير، فقد جرت في مياه نهر الحياة المصرية مياه كثيرة منذ 11 فبراير/ شباط 2011 «يوم إعلان تنحي مبارك»، حيث جرى إدخال تعديلات على عدد من مواد الدستور وتم الاستفتاء عليها وسط حالة من الجدل الواسع والاستقطاب السياسي الحاد، ثم قام المجلس العسكري بإصدار الإعلان الدستوري وتضمن 62 مادة، فيما اعتبر بمثابة شهادة الوفاة لدستور 1971 الذي كان إسقاطه واحدا من الشعارات التي رفعها ثوار يناير.

تواصلت الخطوات بعد ذلك على بطئها ليتم إدخال تعديلات على قانون الأحزاب السياسية جرى بمقتضاها التيسير من شروط تأسيس الأحزاب وإتاحة الفرصة أمام جميع المصريين الراغبين في تشكيل أحزاب مع التمسك بشروط رفض أن يتم تأسيس الأحزاب على أسس دينية أو أن تضم تشكيلات عسكرية، ليأتي بعد ذلك قرار حل جهاز أمن الدولة الذي عرف بممارساته المشينة طوال حكم الرئيس السابق حسني مبارك، حيث أحكم الجهاز قبضته على مختلف شؤون الحياة في مصر، وتدخل بشكل فج في مجريات الأمور في الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية والانتخابات البرلمانية والمحلية، إضافة إلى ملاحقة المعارضين والتجسس على حياتهم الشخصية وإيذائهم بدنياً ومعنوياً، والإمساك بخيوط التعيينات والترقيات في مختلف الوظائف بالقطاعات الحكومية والجامعات ووسائل الإعلام، وصارت موافقة الجهاز شرطا للوصول إلى تلك الوظائف أو لقيام حزب سياسي أو صدور وسيلة إعلامية. وقد كان الجهاز ومقراته بمختلف أنحاء الجمهورية هدفاً للمتظاهرين منذ الأيام الأولى للثورة حتى تحقق هدف حله، ومثله كان الحزب الوطني الذي حكم البلاد على مدى العقود الثلاثة الماضية، وإليه ينسب المصريون أفعال تخريب الحياة السياسية والتسبب في تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين وتراجع مكانة مصر على الساحتين الإقليمية والدولية عبر تبني نوابه وحكوماته تشريعات وممارسات انحازت لمصلحة رجال الأعمال على حساب الغالبية من أبناء الشعب المصري، كما صبت في اتجاه تقزيم دور مصر وحصره في التبعية للولايات المتحدة والكيان الصهيوني. ومثلما استهدف المتظاهرون مقرات أمن الدولة بالحصار، استهدفوا مقرات الحزب الوطني بالإحراق في أيام الثورة، وبالدعاوى القضائية فيما بعدها للمطالبة بحله، حتى تحقق ذلك وصدر الحكم القضائي بحل الحزب ومصادرة أمواله ومقراته لصالح الدولة، لينهي المصريون أسطورة الحزب الذي بدا أنه قد ألقى بخيوط قبضته على كافة مناحي الحياة في البلاد، وصار قياداته يتعاملون قرب نهايات حكم مبارك على أنه الحزب الذي لا يقهر، حتى أنهم لم يتوانوا عن تزوير الانتخابات البرلمانية الأخيرة بالكامل وإقصاء كافة أحزاب وقوى المعارضة منها.

[** تطهير الإعلام*]

ما تحقق من أهداف ثورة يناير امتد أيضاً إلى وسائل الإعلام الحكومية، حيث صدرت وبعد طول ترقب قرارات بتغيير رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف الحكومية، وتغيير قيادات قطاع الإذاعة والتلفزيون، حيث كان الإعلام واحداً من أهم أسلحة نظام الرئيس السابق في خداع الشعب المصري والترويج لمنجزات وهمية والتغطية على معاناة الشعب المصري، في ظل السيطرة الكاملة للحزب الوطني على كافة وسائل الإعلام، وكان مطلب تغيير قياداتها واحداً من أهم مطالب ثوار يناير، خاصة أن الإعلام الحكومي سعى إلى تشويه الثورة والدفاع عن النظام السابق، وحين انقلب على مواقفه بعد انتصار الثورة ازداد موقف القائمين عليه سوءاً، خاصة وقد بدت محاولاتهم لتغيير جلودهم مكشوفة، فكان التمسك بتغييرهم حتى تم للثوار ما أرادوا.

واستمرت الخطوات لتصل في الأيام الأخيرة إلى تغيير 22 محافظاً من بين محافظات الجمهورية الـ 27، ورغم ما أحاط بعدد من هؤلاء من جدل فإن خطوة التغيير كانت في مقدمة مطالب الثوار والقوى السياسية لما للمحافظين من ارتباط واضح بالحزب الوطني الذي اختارهم لمواقعهم وغالبيتهم أعضاء به.

[** أهداف مرتقبة*]

ما تحقق للثورة المصرية حتى الآن كثير ومع ذلك يتبقى أن هناك أهدافاً لم تتحقق وتتمسك بها الأحزاب والقوى السياسية وائتلافات الثورة، وهم يرون أن انتصار الثورة لا يزال ينقصه تحقيق تلك الأهداف التي يأتي في مقدمتها تغيير رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، خاصة أن غالبيتهم من المحسوبين على الحزب الوطني «المنحل»، وتشهد العديد من الجامعات المصرية مظاهرات احتجاجية واسعة ضد استمرار هؤلاء في مناصبهم، وكان من أبرز تلك الاحتجاجات الاعتصام المستمر لطلاب كلية الإعلام ضد استمرار عميد الكلية الدكتور سامي عبد العزيز في موقعه رغم كونه واحداً من رموز الحزب الوطني، وتعتبر الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني أن استمرار قيادات الجامعات في مواقعها يعني استمرار ممارسات النظام القديم في واحد من أهم قطاعات المجتمع وهو الجامعات بما من شأنه أن يدعم محاولات الانقضاض على مكتسبات الثورة.

وإلى جانب الجامعات تتبقى أيضاً المجالس المحلية المنتشرة على مستوى الجمهورية، وتضم في عضويتها الآلاف من أعضاء الحزب الوطني «المنحل» وهي مجالس تشكلت على أثر انتخابات جرت في عهد النظام السائد وشهدت تدخلات واسعة النطاق ضد قوى المعارضة وانتهت إلى حصد الحزب الوطني مقاعدها لصالح مرشحيه، كما تواجه تلك المجالس اتهامات بتفشي الفساد والرشوة ودعم الثورة المضادة لثورة يناير وتدعيم المظاهرات الفئوية لتعطيل عجلة الإنتاج ونشر الاضطرابات في مختلف أنحاء البلاد.

لا تتوقف المطالب عند تطهير الجامعات والمجالس المحلية، لكنها تمتد أيضاً إلى المطالبة بدستور جديد وإقرار إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة بالقائمة النسبية لضمان تمثيل مختلف القوى السياسية وعدم سيطرة تيار بعينه على المجالس التشريعية، ورغم حل الحزب الوطني بقرار قضائي فإن المخاوف لا تزال موجودة من عودة فلوله وأنصاره في أية انتخابات مقبلة، ما دفع الكثيرين إلى رفع مطلب تجميد النشاط السياسي لأعضاء الحزب المنحل لمدة عام على الأقل، وفيما تظهر وعود من جانب المجلس العسكري وحكومة الدكتور عصام شرف بتلبية المطالب الخاصة بالجامعات والمجالس المحلية، فإنه لا يبدو واضحاً حتى الآن أن هناك قراراً يمكن أن يتخذ بشأن مطلب تجميد النشاط السياسي لأعضاء الوطني.

ما تبقى من أهداف للثورة دفع أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسن نافعة إلى أن يكتب مشيراً إلى أن معسكر المناهضة للثورة مازال قوياً ومتجذراً في تربة المجتمع المصري على الرغم من الضربات القوية التي تلقاها حتى الآن، بدءاً بإسقاط رأس النظام ومعظم رموزه ثم حبسهم على ذمة التحقيق تمهيداً لمحاكمتهم وانتهاء بحل الحزب الوطني ومصادرة أملاكه لصالح الدولة، لافتاً إلى أن النظام السابق كان قد تمكن على امتداد السنوات الثلاثين السابقة، خاصة منذ ظهور مشروع توريث السلطة، من إقامة شبكة واسعة وممتدة من المصالح شملت : أجهزة أمن الدولة، التي أخذت على عاتقها مهمة حماية النظام ورعاية مشروع التوريث، ومجموعة رجال الأعمال التي تعهدت بتقديم الدعم المالي لمشروع التوريث في مقابل إطلاق يدها في توظيف وإدارة موارد الدولة لخدمة مصالحها الخاصة، والقيادات الرئيسة في الجهاز الإداري للدولة، خاصة مفاصله الرئيسة ممثلة في الجامعات وأجهزة الإعلام ومراكز البحوث والمجالس المحلية وغيرها.

ويقول نافعة إنه للوهلة الأولى قد يبدو معسكر القوى المضادة للثورة في موقف الدفاع، إن لم يكن قد استسلم للهزيمة بالفعل خاصة بعد حل الحزب الوطني وتقديم رئيسه ومعظم رموزه للمحاكمة، «غير أن هذا الانطباع ليس صحيحاً فضلاً عن كونه خادعا، فالثورة المصرية العظيمة لم تقم لإزاحة أشخاص أو لإجهاض مشروع توريث السلطة المهين لكرامة المصريين، ولكنها قامت للقضاء على نظام كبلها بالأغلال وأدارها بالفساد والاستبداد ليحول دون نهضتها وانطلاقها وتبوؤ المكانة الإقليمية والدولية التي تليق بها»، ويضيف أستاذ العلوم السياسية : «إذا كانت رموز الصف الأول لهذا النظام قد سقطت، فلا تزال رموز أخرى قابعة في الصفوف الأولى جاهزة ومستعدة لأداء نفس الدور وممارسة نفس السياسات، وهذا ما يفسر مشاعر القلق الكبيرة التي انتابت جموع المصريين، وليس فقط جماهير قنا أو الإسكندرية أو الدقهلية أو غيرها، إزاء حركة المحافظين الأخيرة».

ويرى نافعة أن ما جرى من خطوات في الفترة الماضية يدفع الشعب المصري إلى أن يدرك، يقيناً، أن المؤسسة العسكرية تتفهم مطالب الثورة وتعمل بالفعل على تبنيها، ولكن في الحدود التي لا تخل بالاستقرار الذي تعتبره جزءاً من مسؤوليتها، معتبراً أن المشكلة بين ما تحقق وما لم يتحقق بعد، لم تعد تتعلق بشكوك حول النوايا بقدر ما تتعلق باختلافات مشروعة في الرؤى حول الأولويات والسياسات ووسائل وسبل وضعها موضع التنفيذ، مؤكداً أن المرحلة المقبلة تقتضي تغييراً جذرياً في آليات العمل، ومقترحاً أن يتم إلى جانب الانشغال بترتيبات الانتخابات البرلمانية وإصدار الدستور الجديد استكمال ذلك بتفصيلات أخرى، يمكن أن يكون من بينها إصدار قانون جديد للحكم المحلي، وإجراء انتخابات للمجالس المحلية في نهاية يونيو/ حزيران المقبل، تعقبها انتخابات للمحافظين في منتصف أو نهاية يوليو. تموز، بما من شأنه أن يخفف من حدة الاحتقان الراهن في الحياة السياسية المصرية.

- **المصدر : صحيفة «الخليج» الاماراتية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165775

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165775 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010