الثلاثاء 26 نيسان (أبريل) 2011

كفى تحايلاً على حقوق الشعب الفلسطيني واستخفافاً بعقول أبنائه

الثلاثاء 26 نيسان (أبريل) 2011 par د. انيس مصطفى القاسم


1ـ مرة أخرى يبدأ مسلسل التحايل على حقوق الشعب الفلسطيني والاستخفاف بعقول أبنائه. فبعد انكشاف ما كان مستوراً في المفاوضات مع الجانب «الاسرائيلي»، أعلن كبير المفاوضين الفلسطينيين استقالته من هذا المنصب. إلا أنه استمر في عضويته للجنة التنفيذية وواصل نشاطه، كما فعل أمين سر اللجنة التنفيذية عندما فاوض «الاسرائيليين» وتخلى عن حق العودة بالتوقيع في احتفال رسمي على ما أصبح يسمى وثيقة جنيف. في الحالتين كان يجب ان تستقيل اللجنة التنفيذية بكاملها لأنها مسؤولة مسؤولية فردية وتضامنية عما وقع، ومع ذلك لا اللجنة استقالت أو اقيلت ولا استقال العضو المعني أو اقيل.

هذان مثالان فقط، ووقع انقسام استمر سنوات، ومفاوضات مباشرة وغير مباشرة وقطيعة وضياع في الظاهر والحقيقة خافية، ومع ذلك بقي المجلس الوطني الفلسطيني مغيباً ولا مساءلة أو محاسبة أو سحب ثقة، ولا انتخاب للجنة تنفيذية جديدة تكون اكفأ في القيام بواجباتها. وها هي اللجنة التنفيذية والسلطة الوطنية تهيئان الاجواء لخطوات في غاية الأهمية، مثل الذهاب لمجلس الأمن للحصول على اعتراف بدولة فلسطينية ظاهرياً في حدود 1967 وواقعياً غير ذلك، وإعداد دستور للدولة الوليدة، والاستفتاء عليه، من دون أن يمر على المجلس الوطني لتقوم لجانه المختصة والمجلس بكامل اعضائه بتمحيص النصوص والتدقيق فيها لاكتشاف ما قد تحتويه من مطبات سُرِّبَتْ اليه من هنا أو هناك، والتعامل معها، والتأكد من استيفاء شروط الاستفتاء السليم، قبل طرحه للاستفتاء. ويتحمل رئيس المجلس الوطني ومكتب رئاسة المجلس واللجنة التنفيذية والمجلس المركزي المسؤولية الكاملة عن الوصول الى هذا الوضع المتدهور الذي أسلم القرار لفرد او مجموعة ضيقة ثبت عجزها وتقصيرها.

وتتحمله كذلك جميع الفصائل وقواعدها الشعبية، وخاصة فتح، لأنها لم تتحرك في ما سبق بفاعلية لدرء الخطر، واذا هي لم تحرك الشارع الفلسطيني الآن لتصحيح الاوضاع بالعودة الى الشرعية الفلسطينية وترحيل من اوصلوا القضية الى هذا المأزق.

2ـ فجأة هبت رياح الثورة في الوطن العربي فأطاحت بأقوى حليف لـ «اسرائيل» وللرئيس الفلسطيني المنتهية مدته، رئيس مصر ونظامه، ودق جرس الانذار لكل من يتحدى ارادة الشعوب في التغيير واسترداد الحقوق. ارتبكت الامور، خاصة في الساحات «الاسرائيلية» والامريكية والفلسطينية الرسمية، واصبح لا بد من التحرك قبل أن يصل المجهول الذي حتماً سيكون غير ما مضى، في الساحة المؤثرة والمتأثرة، الساحة الفلسطينية. إزاء هذا الوضع، فجأة أيضاً يتحرك الرئيس الفلسطيني، وليس «الاسرائيلي» او الامريكي، بتبني خطوتين : الاولى اعلان استعداده لزيارة غزة، ليس للإصرار على «حماس» للتوقيع على وثيقة المصالحة بالصيغة التي اعدها الوسيط المصري سابقاً كما فعلت «فتح» من قبل، وانما لتشكيل حكومة تكنوقراط يرضى بها الجميع. أما الخطوة الثانية فكانت دعوة لجنة الدستور لاستعادة نشاطها.

3ـ لا ندري من أشار على الرئيس الفلسطيني لاتخاذ الخطوتين المذكورتين. ولكن لا نستبعد أنهما مرتبطتان بالموعد المضروب لاعلان قيام دولة فلسطين وفقاً لمخطط رئيس وزراء سلطة رام الله، وبالذهاب للاعتراف بهذه الدولة لمجلس الأمن، حيث الفيتو والشروط الامريكية، بدلا من الجمعية العامة، حيث التأييد للحقوق الفلسطينية. وتنفيذ هذه الخطة يتطلب وجود حكومة فلسطينية واحدة، فجاء الاستعداد لزيارة غزة والتخلي عن بحث المصالحة، والاكتفاء بتشكيل حكومة تكنوقراط تحقق المطلوب، وهو استبعاد «حماس» من موقع القرار والشرعية كحكومة، واستمرار الالتزام بما سبق من تفاهمات واتفاقيات.

4ـ أما إحياء لجنة الدستور فالهدف منه، فيما نعتقد، ايجادُ أداة فلسطينية يمكن تضمينُها الشروطَ المطلوبةَ امريكيا/«اسرائيلياً» لاعتراف مجلس الامن بدولة فلسطين. وليس أقوى لذلك من استفتاء على دستورٍ عصريٍّ في مبادئه ونظامِ الحكمِ فيه ، ولكن يجري التلاعبُ ببعض نصوصه بحيث تَضْمن، عند التفسير والتطبيق، ما تريده «اسرائيل». بهذه الطريقة يُلزم الشعب الفلسطيني نفسه بنفسه، وتحصل «اسرائيل» على ما تريد، ويحصل الشعب الفلسطيني على اعتراف بدولته من مجلس الأمن في حدود عام 1967 كما يريد، ويعلن الشعب الفلسطيني في هذا الدستور انتهاء مطالبه، كما تريد «اسرائيل»، وتنتهي المشكلة. ولنا تجربة في هذا النوع من التلاعب بالنصوص الدستورية، حيث جرت محاولة لتوريطنا باستشارتنا في نصوص عادية مع إخفاء نصوص كان قد اضافها الامريكيون (اي «الاسرائيليون»).

ولكننا استطعنا التدخل، قبل وقوع الضرر، بمقال نشرناه بتاريخ 27 كانون الثاني/يناير 2003 عنوانه «مشروع الدستور الفلسطيني : هل هذا وقته؟» اعترضنا فيه من حيث المبدأ على توقيت اعداده والاستفتاء عليه في ظل الاحتلال. ومما جاء فيه «إنه لا يبدو أن هناك مبرراً منطقياً أو عملياً لهذا الاصرار على دستور في الظروف الراهنة الا إذا كان وراء هذه الخطوة هدف لا نعرفه، وفي هذه الحالة يجب على القيادة الفلسطينية اعلانه بوضوح ليكون تحت النظر والنقاش، ويقتنع المواطنون بضرورة هذه الخطوة».

وأوقِفَت المحاولة في ذلك الوقت. ونحن ننبه لهذا، خاصة أن النصوص الملغومة قد تضاف قبيل الاستفتاء، بعد الانتهاء من المشاورات الروتينية والاطمئنان على سلامة النصوص نتيجة لثقة الناس فيمن وضعوها أو قيل إنهم استشيروا بشأنها، وتكون قد أخفيت عنهم.

5ـ وسابقة الاستفتاء على معاهدة السلام الساداتية مع «اسرائيل» مثال بارز على امكانية وكيفية التحايل على ارادة الشعب عن طريق استفتاء ظاهره سليم، ولا تُكتَشفُ عوراته الا عند التدقيق. ولتجنب ذلك باستغلال جهل الشعب عامة في فهم النصوص القانونية، فإن ما عرض على الاستفتاء لم يعرض مسبقا على مجلس الشعب، كما أن الدستور الفلسطيني المقترح لن يعرض اولا على المجلس الوطني للتدقيق فيه قبل الاستفتاء.

6ـ إننا ما زلنا عند رأينا من أنه لا يوجد اي مبرر منطقي أو عملي لاستئناف النشاط في اعداد هذا الدستور، وإذا كانت قد جدت أسباب جدية تستدعي من الآن إعداد دستور لن ينفذ الا بعد قيام الدولة الفلسطينية وانتهاء الاحتلال فإن من حق الشعب الفلسطيني أن يعرف هذه الاسباب وأن تناقشها مؤسساته الدستورية ويقتنع بها، خاصة أن أمورا كثيرة قد جرت منذ عام 2003 حتى اليوم، وكلها لا تدعو الى الاطمئنان.

7ـ لنأخذ نصا يتكرر في الدساتير، وخاصة دساتير الدول الناشئة، وهو أن الدولة تعترف وتلتزم بالاتفاقيات والالتزامات التي ارتبطت بها قبل قيامها، والرئيس الفلسطيني يصر على التمسك بكل الاتفاقيات والتفاهمات التي تمت، فيكون نص كهذا مستجيبا لطلبه في تطبيقه بالنسبة للشعب الفلسطيني، وهو في العادة، نص في غاية البراءة ولا يثير استغرابا ولا يلفت النظر لأنه لن يشير الى «اسرائيل» أو اية دولة أخرى، ولكنه في غاية الخطورة بالنسبة للشعب الفلسطيني عند التفسير والتطبيق. مثلا القيادة الفلسطينية (والمبادرة العربية) تريد اعترافا بدولة فلسطين في حدود عام 1967، مع أن الرئيس الامريكي الابله جورج دبليو بوش قد كشف بان هذه خدعة كبرى، وانه لا رجوع الى تلك الحدود، حيث أن المفاوضين الفلسطينيين ومعهم العرب قد وافقوا على ادخال تعديلات «طفيفة» على الحدود، كما وافقواعلى تبادل للاراضي وعلى شروط هذا التبادل بان تكون الاراضي المتبادلة متساوية في المساحة والقيمة. بناء على هذا أصبح تعديل الحدود وتبادل الاراضي بديلا ممكنا للعودة الى حدود عام 1967، وطبقته الادارة الامريكية في رسالة التطمينات التي ارسلها بوش لرئيس الوزراء «الاسرائيلي» شارون بشأن ضم الكتل الاستيطانية لـ «اسرائيل».

8ـ بعد استفتاء يوافق فيه الشعب على الدستور المقترح طمعا في الحصول على دولة، يأتي الوقت لتعيين حدود الدولة الوليدة، وهذه قضية ستخص الطرفين فقط : دولة «اسرائيل» ودولة فلسطين. في هذه اللحظة ستشير «اسرائيل» الى المادة هذه الواردة في الدستور الفلسطيني وتصر على احترامها وتطبيقها بشأن الحدود، وذلك بادخال تعديلات «طفيفة» عليها وباجراء تبادل للاراضي بالمعايير التي سبق الاتفاق عليها، حيث أن إزالة المستوطنات وهدم الجدار امران مستحيلان من الناحية العملية على الأقل.. وتطبيقا لذلك فإنها تعتبر حدودها الجدار الذي شيدته، وأنها على استعداد لمبادلة للاراضي تساوي في المساحة والقيمة ما ضمته من اراض، بما في ذلك القدس بأكملها، وأنها تسهيلا للاتفاق، مستعدة لدفع ثمن هذه الاراضي وفقا لمساحتها وقيمتها بدلا من إضاعة الوقت في التفاوض حول اختيار الاراضي التي ستجري مبادلتها. هذا هو الموقف الذي من المنتظر ان تتبناه انسجاما مع النظرية الصهيونية التي توجب استرداد فلسطين بكاملها. ماذا سيكون الرد وقد وافق المفاوض الفلسطيني على ادخال الوطن في سوق العقارات؟ لا يكون هناك جدوى من الرفض لأن «اسرائيل» تحوز بالفعل وتعمل على حيازة كل الاراضي التي تريدها، في حين أن الجانب الفلسطيني لا يحوز شبرا واحدا من بديلها، ولا يستطيع حيازة اي شبر الا بموافقة «اسرائيل». وسينتهي الأمر إما بالتسليم للموقف «الاسرائيلي» وقبض الثمن مقابل الوطن، أو رفضه واستئناف النضال بعد التخلي المتعمد عنه. وتطبق القاعدة ذاتها على حق العودة الذي تخلت عنه وثيقة جنيف. كما ستطبق على التفاهمات الاخرى التي لا يعلم الشعب الفلسطيني شيئا عنها. وفي جميع هذه الحالات يكون الخطا في جانب الشعب الفلسطيني اذا هو اخل بما هو متفق عليه، وعليه أن يتحمل النتائج.

9ـ ولا بد من الاضافة بأن «اسرائيل» ستطالب، بتنفيذ ما جرى الالتزام به، وميزة ورود النص في الدستور أنه يكتسب قوة الالزام به عن طريق الاستفتاء. هذه نتيجة الاعتماد على الفهلوة وذرابة اللسان والسرية والمفاوضات، بدلا من التمسك بالشرعية وسلاح القانون والفهم والتحليل الدقيقين. والمخرج الفلسطيني الممكن والصعب ليس مزيدا من التمسك بجميع التفاهمات والاتفاقيات، وإنما التحلل منها جميعا لسبب قانوني واضح، وهو عدم التزام الطرف الآخر به، ولسبب واقعي هو انها جميعها جاءت ضد المصلحة الوطنية الفلسطينية.

10ـ وختاما إننا ندعو الى رفض مناورة إحياء لجنة الدستور، فوجود دستور ليس ضرورة قانونية للاعتراف بدولة فلسطين، وقد اعترفت بها الدول من غير دستور، وننبه الى الحيطة من أية مناورة أخرى، ونكرر الحاحنا والحاح غيرنا على عقد دورة مساءلة ومحاسبة وثقة من جانب المجلس الوطني الفلسطيني، ونطالب بألا يُستفتى على أي موضوع الا بعد أن يُعرض على المجلس الوطني بلجانه وكامل اعضائه وموافقته.

وأخيرا، يا شباب فلسطين، أما آنَ لهؤلاء «الفرسان» أن يُرَحَّلوا؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 64 / 2182008

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

65 من الزوار الآن

2182008 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 65


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40