الأربعاء 19 أيار (مايو) 2010

نجاح إيراني جديد وإرباك أمريكي واضح

الأربعاء 19 أيار (مايو) 2010 par زياد أبو شاويش

منذ بدء الأزمة النووية المفتعلة بخصوص الملف الإيراني والولايات المتحدة وإسرائيل تحاولان وضع الجمهورية الإسلامية تحت البند السابع لاستخدامها ورقة للمساومة في تعطيل الدور الإيراني المزعج وخاصة في منطقة الخليج والعراق، وقد بذلتا جهداً خارقاً لتوريط هيئة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة في ذلك وضد مصلحة إيران وحقها في امتلاك الطاقة النووية السلمية.

هناك عدة أوجه للأزمة تراها إيران بدقة ويعرفها خصومها الغربيون بوضوح كذلك، ومن بين تلك الوجوه بخلاف التوظيف السياسي والأمني موضوع التهديد الوجودي المزعوم لدولة الكيان الصهيوني، وهو تهديد ليس هناك ما يؤكده، ويستخدم كذريعة لتبرير عدوان عسكري مدمر للمنشآت النووية الإيرانية على أقل تقدير، وتستخدمه إسرائيل ولوبياتها في دول الغرب لمحاصرة إيران وتضييق الخناق عليها.

إن محاولات هذا الغرب لفصم العلاقة بين سورية وإيران تجيء في هذا السياق، تماماً كمحاولات أمريكا حشد أكبر جبهة عربية ضد إيران بحجة التهديد الذي يمثله مشروعها النووي لدول النفط العربية.

مرت أزمة ملف إيران النووي بعدة مراحل بين شد وجذب، فمرة يتصاعد التوتر والتهديدات إلى درجة تحديد ساعة الصفر في الهجوم المتوقع على إيران، وأخرى تنفرج الأمور وتتجه نحو صيغ يمكنها أن تكون مقبولة من كافة الفرقاء.

الشيء الملفت للانتباه ويدعو حقاً للإعجاب هو قدرة إيران الهائلة على لعب أوراقها والاستفادة منها بالكامل، كما بمرونة قيادتها وحكمتها قياساً بحماقة الولايات المتحدة وأسلوبها غير الشرعي في مقاربة الأزمة وتحديد سبل حلها. وقد تجلى هذا في عدة فترات سابقة حيث لوحظ أن القيادة الإيرانية تمسك جيداً بخيوط الأزمة وتعرف كل جوانبها وتقوم بتحريك هذه الخيوط بحنكة وفي الوقت المناسب، كما بقدرتها على التقدم والتراجع في الوقت المناسب الأمر الذي أحبط الكثير من خطط وتكتيكات الغرب لمحاصرة إيران أو أخذ غطاء دولي وشرعي للعدوان عليها.

بكل تأكيد لو كان أمر المعركة مع إيران سهلاً ونتائجه مضمونة لما تأخرت أمريكا وإسرائيل دقيقة واحدة عن شن العدوان عليها وطي الملف بالقوة، لكن المشكلة عويصة وتحتاج لمجموعة من المعطيات والظروف لم تتوفر وليس مرجحاً أن تتوفر قريباً لكي يكون بمقدور الغرب ضرب إيران أو محاصرتها كلياً. وحتى يكون الأمر واضحاً فيما يخص حساسية الوضع الإيراني وصعوبة التعامل مع النفوذ الإيراني في المنطقة لابد أن نشير إلى مسألتين هامتين: الأولى أن إيران تقع في منطقة تعتبر احتياطي العالم من الطاقة وخصوصاً النفط والغاز وهذا يجعلها شريكة في إدارة أعمال المنطقة شاءت أمريكا أو أبت وفي نفس الوقت تقع على حدود أفغانستان التي تحتلها أمريكا وتملك فيها أوراقاً لا يستهان بها. والثاني أن إيران تملك قاعدة تكنولوجية وتسليحية تمكنها من تهديد كل طرق المواصلات العالمية الرئيسية المرتبطة بتصدير النفط، كما تمكنها من تغيير المعادلة في العراق بما يهدد كل المصالح الغربية ويجهز على نتائج الغزو الأمريكي الذي كلف الخزينة الأمريكية حوالي تريليون دولار حتى الآن، بخلاف تهديد أرواح جنود الاحتلال الأمريكي سواء مباشرة أو عبر فتاوي تصدرها المراجع الشيعية في العراق وإيران.

الخطوة التي تحركتها إيران نحو البرازيل وتركيا وهما العضوان غير الدائمين حالياً في مجلس الأمن الدولي كانت خطوة تكتيكية بارعة وفاجأت الإدارة الأمريكية بسرعة إنجازها و بتفاصيلها التي أعلنت على الملأ، حيث قبلت تركيا أن يتم التبادل على أراضيها كما قبلت البرازيل أن تبادل اليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب بغيره عالي التخصيب مما تملكه على أن يتم ذلك خلال شهر وبكمية تصل إلى ألف ومائتي كيلوغرام.

أمريكا قامت خلال الفترة الماضية وبثقل واضح من الرئيس أوباما ومن خارجيته باستمالة كل من روسيا والصين باتجاه فرض عقوبات نوعية وشديدة على إيران كما حشدت دولاً غربية مستعدة أساساً للوقوف ضد إيران كفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من أجل تشديد العقوبات والحصار على الجمهورية الإسلامية، وكان واضحاً أن الأمور تتجه نحو التصعيد وتتعالى صيحات الحرب من تل أبيب رغم أنها لا تخيف إيران وليست جدية على حد قول الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، لكن هذا الجو ومأزق الولايات المتحدة في أفغانستان وجمود عملية السلام في المنطقة، ومعطيات أخرى جعلت الإيرانيين يأخذون الأمور على محمل الجد ومن ثم يبدون مرونة منطقية ومقبولة وبغطاء دولي مهم من أجل نزع المبادرة من يد أمريكا وهكذا كان حين خطت خطوتها التي أعلن عنها تحت رعاية رؤساء الدول الثلاثة يوم الأحد الموافق 16 / 5 والتي كان يجب أن تتم منذ مدة لولا العراقيل الأمريكية والرغبة الإيرانية في التأخير.

في المقابل أصدرت أمريكا تصريحات مختلفة ومرتبكة حول ضرورة توفر الغطاء الشرعي للاتفاق الإيراني التركي البرازيلي من هيئة الطاقة الذرية الدولية، وتصريحات أخرى عن غموض الاتفاق والحاجة للوقت من أجل دراسته دون أن تنسى تأكيد استمرار العقوبات والسعي لتشديدها على إيران، وفي المقابل نددت تل أبيب بالاتفاق وحذرت كلا الدولتين ( تركيا والبرازيل ) من تلاعب إيران بهما وأنهما ضحية تدليس إيراني عليهما...هكذا؟

الإرباك الأمريكي والتشنج الصهيوني يشيران إلى فوز جديد ومستحق لإيران، وقدرتها على تبريد ملفها النووي في الوقت المناسب، لكن ذلك لا يعني سوى نهاية جولة ربما تعقبها جولات أكثر سخونة حيث لا يزال التوتر قائماً وشبح الحرب يخيم في أجواء المنطقة، وحيث لا يزال التحشيد ضد إيران وحلفائها متواصلاً، وحين تواتيهم الفرصة لن يترددوا كثيراً في الهجوم ومن هنا الانتباه للخطوات الأمريكية اللاحقة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2182071

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2182071 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40