صحافة العدو : التطورات السورية تقضّ مضاجع «إسرائيل»

الاوروبيون يوجهون عيونهم نحو الولايات المتحدة. لديها القدرات ـ في هذه الحالة القنابل ـ ولكن نيتها مغايرة، على ما يبدو، عن نية الاوروبيين، وهي لا تسارع الى العودة للمشاركة في المعركة، او كبديل تزويد بريطانيا وفرنسا بما ينقصهما. النتيجة: تعميق الازمة دون حل في الافق.

هذا المثال الاخير يجسد الوزن المركزي ـ الحاسم ـ لمفهومي «النية» و «القدرة» في ميدان المعركة في كل نزاع.

يجب أن يكون توافق بين المفهومين كي تخرج الدولة في صراع من أجل تحقيق نواياها. عندما تنفتح هوة بينهما ففي الغالب يستوجب تغيير في النوايا كي تكون متوافقة مع القدرات.

في الاسابيع الاخيرة يتركز الخطاب الجماهيري في «اسرائيل» على المساعي لمعرفة نوايا رئيس الوزراء في السياق الفلسطيني بشكل خاص وتجاه ما يجري على المستوى الاستراتيجي الواسع بشكل عام. هكذا في رام الله وفي واشنطن على حد سواء الجميع منشغلون بالخطوات وبالمخططات، التي معظمها منقطعة عن نطاق القدرات العملية للاطراف.

هذا خطأ جسيم خطأ كل لاعب يكون مطالبا بان يقدر على وجه حقيقي قدرته، وكل لاعب يكون مطالبا بتقدير القدرات الحقيقية لباقي اللاعبين. الاحتمال الوحيد لمنع أزمة عميقة حول السياق الفلسطيني يكمن في ترك الانشغال بالنوايا والانتقال السريع، الفوري، الى ميدان القدرات لكل لاعب ولاعب. فلنحلل قدرات اللاعبين، واحدا واحدا.

رئيس السلطة الفلسطينية لا يمكنه أن يحقق اتفاق سلام مع «اسرائيل». ليست لديه صلاحية قانونية للتوقيع عليه، فمدى تفويضه كرئيس للسلطة انتهى منذ زمن بعيد، وليس في وسعه اجراء انتخابات في السلطة بكل اجزائها. ليس له موطىء قدم في غزة، وحتى لو دفعت «اسرائيل» بحكم «حماس» الى الانهيار، فان ابو مازن لن يكون ضيفا مرغوبا فيه في غزة وليس لديه تفويض او قوى للسيطرة عليها. تنفيذ تسوية دائمة سيستغرق سنوات عديدة، وليس هناك في الافق، في هذه اللحظة، خليفة لابو مازن يكون قادرا على تنفيذ اتفاق يوقعه عليه. فلا قيمة للتوقيع على مثل هذه الوثيقة.

رئيس الوزراء «الاسرائيلي» لا يمكنه أن يحقق أغلبية في «اسرائيل» لاتفاق دائم، وليست لديه القدرة والقوة لتنفيذ مثل هذا الاتفاق على الارض. حجم المقاومة في المناطق المرشحة للاخلاء هي بشكل سيلزم بفرز قوات عسكرية وامنية كبرى جدا للمهمة؛ اجزاء كبيرة من وحدات الجيش «الاسرائيلي» ستؤمر بتنفيذ مهمات شديدة جدا حيال المستوطنين، وكثيرون وطيبون ومخلصون من بين الجنود سيكونون مطالبين بالتصدي شخصيا لمعاضل عسيرة. احد لا يمكنه ان يقدر بيقين كيف ستتدحرج الامور. مفهوم «شرخ في الشعب» من شأنه أن يرتدي شكلا مهددا بالذات في الجيش «الاسرائيلي» وهذا من شأنه أن يكون اكثر من قوة حكومة ذات سيادة على فرض اوامرها. لا يمكن لأي رئيس وزراء أن يأخذ على عاتقه مثل هذه المخاطرة.

ليس للرئيس الامريكي قدرة على فرض نواياه على الطرفين فجملة وسائل الاقناع، اللينة او الشديدة، لن تغير الواقع آنف الوصف. ليس في وسعه أن يخلق لكل واحد من الطرفين قدرات مختلفة على الارض: فلا يمكنه أن يخلق لابو مازن شرعية فلسطينية داخلية، قدرة على السيطرة على غزة وتوحيد الصفوف، ولا يمكنه أن يخلق لرئيس الوزراء قدرة على خلق اجماع وطني حول تنفيذ فوري لاتفاق دائم او قدرة حقيقية للحكومة لفرض ارادتها بالقوة.

وعليه، مطلوب من كل الاطراف ان يقدروا بشكل صادق وحقيقي قدراتهم وان يحاولوا خلق نوايا مشتركة قابلة للتنفيذ في المدى الزمني القصير نسبيا.