الخميس 21 نيسان (أبريل) 2011

اليمنيون في انتظار «النجدة الخارجية»

الخميس 21 نيسان (أبريل) 2011

التحركات الخارجية الهادفة إلى تطويق انفجار «القنبلة» التي توقع الرئيس علي عبدالله صالح انفجارها في أي لحظة، في مقابلة أجرتها معه مؤخراً إحدى الفضائيات العربية، بدأت تأخذ حيزاً كبيراً من اهتمامات اليمنيين في الداخل والخارج، بخاصة أن الأحداث في البلاد صارت تتسارع بشكل كبير ومخيف في آن واحد، بخاصة في جهة المواجهات المستمرة بين النظام والمطالبين بإسقاطه ورحيل كافة رموزه، وبدأت هذه المواجهات تفرز شيئاً فشيئاً حالة من الاصطفاف السياسي والمجتمعي والقبلي والديني وحتى العسكري، وصار الانقسام في المجتمع يشكل عامل قلق للداخل والخارج.

ربما كانت المبادرة التي تتبناها دول مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة اليمنية، وأعلنت عنها في العاشر من شهر إبريل/ نيسان الجاري، واحدة من مفاتيح الحلول السلمية التي تسعى كافة الأطراف إلى ترجمتها على أرض الواقع لمعالجة الأزمة التي اتخذت في الآونة الأخيرة مساراً سلبياً تمثل في مواجهات محدودة بين وحدات عسكرية تابعة للأمن المركزي والحرس الجمهوري اللذين يقبض عليهما الرئيس صالح عن طريق نجله أحمد وابن شقيقه يحي محمد صالح وأخرى تابعة للفرقة الأولى مدرع التي يتزعمها اللواء علي محسن الأحمر، والذي أعلن عن تأييده لثورة الشباب قبل أسابيع، وقلب معادلة سياسية وعسكرية وقبلية كانت عصية على التفتيت إلى فترة قريبة.

[**لماذا الخارج؟*]

في واحد من المظاهر السلبية التي أفرزتها الأزمة اليمنية تمثل في أن كافة أطرافها أقنعت المواطنين في الداخل وأصدقاء اليمن في الخارج أن الحل لن يكون داخلياً أبداً، فانعدام الثقة بين هذه الأطراف دفع بالآخرين إلى التحرك لإنقاذ بلد يمكن أن يسير إلى تفتت، بخاصة مع روح العصبية القبلية التي تشكل عاملاً من عوامل الخوف من انزلاق الأوضاع في البلاد إلى ما هو أسوأ، يعزّز ذلك توافر السلاح في أيدي اليمنيين بشكل لافت وخطر، لهذا تداعى المحبون لليمن من أشقاء وأصدقاء، سواء كانوا في المحيط الإقليمي أم في بقية أمصار العالم، بخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ مواقف سريعة قبل فوات الأوان والتسريع حل يرضي الأطراف كافة وإقناع الجميع بتقديم تنازلات مؤلمة، لكنها ستكون لمصلحة اليمن ككل.

موافقة أطراف الأزمة، باستثناء شباب ساحات التغيير، بالتدخل الخارجي مرده إلى معرفة الطرفين الرئيسين في الأزمة ببعضهما، فالمعارضة تدرك جيداً أن الحوار في الداخل لم يعد مجدياً وسلسلة المبادرات التي أعلنها الرئيس علي عبدالله صالح في الآونة الأخيرة لا تحقق الحد الأدنى من المطالب التي ترغب فيها، والمتمثلة في إحداث إصلاحات سياسية عميقة في المجتمع تتحول فيها الدولة إلى ضامن حقيقي يكون الجميع مشاركاً فيها، وعلى الرغم من المبادرات التي أعلن عنها صالح في أكثر من مناسبة، بخاصة بعد ثورتي تونس ومصر، إلا أن المعارضة ترى أن هذه المبادرات عبارة عن محاولات لتهدئة الشارع الغاضب، وترى أن الوقت قد أزف من أجل حصول التغيير الذي كانت تناضل من أجله منذ سنوات طوال.

أما السلطة فإنها تشكّ في نوايا المعارضة، وتخشى أن تتحول التنازلات التي تقدمها من وقت لآخر إلى عامل إضعاف لها فتبدأ بفقدان السيطرة على الوضع بأكمله، وبدت مؤشرات ذلك بعد مجزرة «جمعة الكرامة» في الثامن عشر من شهر مارس/ آذار الماضي والتي ذهب ضحيتها 52 من الشباب المعتصم في ساحة التغيير بصنعاء، عندما تدفق سيل من الاستقالات من الوزراء والسفراء والدبلوماسيين وأعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام، بدا للوهلة الأولى أن النظام بدأ يفقد مشروعيته، قبل أن يعود الرئيس صالح إلى إعادة ضبط إيقاع الأحداث لتبقى في حدودها الدنيا عوضاً عن الانهيار الشامل، مستغلاً بعض الأخطاء التي وقعت فيها المعارضة، بخاصة تلك التي أشارت إلى أنها ستزحف إلى قصر الرئاسة وستعمل على إخراج الرئيس من غرفة نومه، وهو ما أكسب صالح بعض التعاطف، خاصة في أوساط القبائل التي رأت في مثل هذه التهديدات إساءة لا تقبلها القيم القبلية.

وسط هذه الأجواء، وفي ظل انعدام الثقة بين السلطة والمعارضة كان هناك صوت الشباب الثائر في ساحات التغيير الذي ظل موقفه، منذ بدء ثورته وحتى اليوم، عامل ضغط على الطرفين، فالسلطة ترى فيه عاملاً مهدداً لوجودها وبقائها، بينما ترى المعارضة أن تجاوز صوت الشباب يسحب من تحت قدميها الرصيد الشعبي الذي تتمتع به، لهذا فإنها تحرص على أن تبقى على خط متواز مع خطاب الشباب الثائر.

وتبدو حسابات الخارج مختلفة عن حسابات الداخل، فهو يرى في عدم استقرار اليمن مشكلة تهدد استقرار المنطقة والعالم بأسره، لهذا فإن الدول التي هي على تماس مع الأزمة اليمنية، مثل الجيران، بخاصة المملكة العربية السعودية والتي تعد اليمن حديقتها الخلفية تتأثر بما يحدث فيه سلباً وإيجاباً وأن الحل يجب أن يكون سريعاً، والأصدقاء الأبعد مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين يرتبطون جميعاً بعلاقات وثيقة ومصالح كبيرة، بالذات الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد الحرب على «الإرهاب» واحدة من القضايا التي تشغلها في مثل هذا الظرف، والتي ترى أن تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية يتمدد أكثر وأكثر في اليمن تعتقد أن استمرار الأزمة يأخذ مساراً مخيفاً، وترى ضرورة حل الأزمة في البلاد حتى لا يتحول التنظيم إلى شوكة في حلق الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل.

من هنا جاء اهتمام الخارج باليمن ومشاكل اليمنيين بشكل لافت خلال الفترة القليلة الماضية، وهي المشاكل التي بدت عصية على أطراف الأزمة في الداخل، لهذا رأينا الكثير من المقترحات الغربية والأمريكية في الآونة الأخيرة وجميعها تهدف إلى إيجاد مخرج سلمي، وربما كان الموقف الأوروبي متقدماً على الموقف الأمريكي في الحالة اليمنية، حيث لم تظهر واشنطن حتى الآن ضغطاً كبيراً، علنياً على الأقل، ضد النظام والرئيس صالح بدرجة رئيسة، وذلك يعود إلى القلق الأمريكي من المشروع البديل في حالة غياب صالح، بخاصة أن ملامح هذا البديل يبدو لها أكثر قرباً من خط الإخوان المسلمين، وقد استغل الرئيس صالح هذه المخاوف لدى الأمريكيين والغرب عموماً، مؤكداً أن البديل المقبل سيكون نسخة ثانية من طالبان، زاد من ذلك أن اللواء علي محسن الأحمر، المنشق عن الجيش محسوب على حركة الإخوان المسلمين، مع أن المعارضة قدمت ضمانات للأمريكيين بأن اليمن سيكون في حال أفضل في ظل رحيل النظام القائم، الذي نجح في ابتزاز الأمريكيين والغرب في موضوع القاعدة.

[**حسابات مختلفة*]

تتقاطع حسابات السلطة والمعارضة والشباب الثائر في ساحات التغيير ومصالح الدول الإقليمية والغربية في الشأن اليمني، وترى هذه الأطراف أن أي إخلال بهذه الحسابات والمصالح يمكن أن يجعل البلد تنزلق إلى دروب حرب أهلية شديدة التعقيد، وتخشى الأطراف كافة من «كلفة ثقيلة» في حال إهمال الشأن اليمني، واضعين نصب أعينهم النموذج الليبي القائم اليوم على الأرض، فعلى الرغم من مرور نحو شهرين على اندلاع المواجهات في ليبيا، فإن الحرب الأهلية بدأت تطغى على المشهد، أما في الحالة اليمنية، فإن الانقسام السياسي والقبلي والديني والعسكري يرفع من منسوب الخوف والقلق لدى الجميع بشكل أكبر مما هو موجود في ليبيا، وكلما تراجعت الحلول السياسية كلما تقدمت الحلول العسكرية إلى الأمام أكثر. وبعد إعلان دول مجلس التعاون الخليجي لمبادرتها بشكل رسمي في العاشر من شهر إبريل/ نيسان الجاري، دخلت كافة أطراف الأزمة في خلافات تفسيرية لمضامين المبادرة، بين مرحب ومتحفظ ومعارض، فالسلطة رحبت بالمبادرة، لكنها اشترطت أن تبقى «في الإطار الدستوري»، بمعنى آخر نسف المبادرة من جذورها، بخاصة وأن التظاهرات التي خرجت لتأييد الرئيس فيما أسميت «جمعة الحوار» رفضت التنازل عن حق بقاء الرئيس علي عبدالله صالح حتى نهاية ولايته الرئاسية المنتهية في سبتمبر/ أيلول من عام 2013، مؤكدة تمسكها بهذا الحق.

أما الطرف الثاني في المعادلة السياسية، والمتمثل في المعارضة فإنها، وإن لم تعلن صراحة رفضها للمبادرة، إلا أنها أبدت تحفظات على البند الأول فيها والمتمثل ب «نقل صلاحيات الرئيس علي عبدالله صالح سلطاته إلى نائبه»، ورأت أنها أغفلت المطلب الرئيس للمعارضة وشباب ساحات التغيير والمتمثل بضرورة تنحي الرئيس علي عبدالله صالح الفوري، وهو مضمون المبادرة الخليجية الأولى التي سلمت إلى المعارضة من قبل دول مجلس التعاون في الثالث من شهر إبريل/ نيسان الجاري، وأعلن عنها رئيس الوزراء، وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جبر آل ثانٍ.

وجاء موقف شباب ساحة التغيير معارضاً بشكل مطلق للمبادرة التي يقولون إنها «تهدف إلى إنقاذ النظام من المساءلة والمحاكمة جراء عمليات القتل» التي استهدفت المعتصمين في أكثر من ساحة، بخاصة عدن، صنعاء، تعز وغيرها من المحافظات، حيث تجاوز عدد القتلى حاجز الـ 120، فيما كان عدد الجرحى بالآلاف.

ويقول بيان صادر عن اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية الشعبية إن «ما يقوم به نظام صالح من قتل وحشي يومي يؤكد صواب موقفنا الرافض لأي تفاهمات أو مبادرات مع القتلة»، ويرى البيان أن «ارتكاب مجازر جديدة لن تزيدنا إلا إصراراً على إسقاط نظام صالح وأبنائه ومحاكمتهم» معتبرة أن «أي ضمانات مزعومة تقدم لصالح وحاشيته ما هي إلا خيانة لمئات الشهداء الذين رووا بدمائهم شعلة الثورة».

ووسط هذه المواقف المتناقضة كثفت دول مجلس التعاون الخليجي من تحركاتها لإنقاذ مبادرتها، مدعومة بتأييد أمريكي وأوروبي عربي، ولهذا الغرض احتضنت العاصمة السعودية الرياض الأحد الماضي اجتماعاً ضم وزراء دول مجلس التعاون الخليجي والمعارضة المنضوية في إطار تكتل أحزاب اللقاء المشترك وشركائها في اللجنة التحضيرية العليا كرّس للاستماع إلى وجهة نظر المعارضة حيال بندين رئيسين في المبادرة الخليجية، يتمثل الأول في موضوع آلية نقل السلطة و«تزمين الرحيل»، ويتعلق البند الثاني في الضمانات التي يمكن أن تمنح للرئيس علي عبدالله صالح بما يتعلق بعدم ملاحقته قضائياً أو أي من المحسوبين على نظامه، بخاصة مع تزايد المطالب بضرورة محاكمته بسبب أعمال القتل التي تمت خلال التظاهرات الأخيرة، كما عقد الوزراء في وقت لاحق اجتماعاً لهم في أبوظبي لنفس الغرض.

وفي المحصلة الأخيرة فإن كافة الأطراف وجدت نفسها ملزمة بإيجاد مخرج حقيقي من الشروط والشروط المضادة، ذلك أن مراوحة الأزمة في مكانها يضيف إلى رصيد المواجهات العسكرية، وكلما تأخر الحل السياسي عطل جهود المصالحة السياسية وصلّب موقف شباب ساحات التغيير شيئاً فشيئاً، فمع مرور الوقت وتزايد اليأس من اقتراب الحل السلمي كلما زاد الأمور تعقيداً.

وإذا كان شباب ساحة التغيير والمعارضة يرون في كل تأخير إطالة في عمر النظام، فإن ذلك يصبّ في مصلحة النظام نفسه، إذ إن ذلك يتيح للرئيس علي عبدالله صالح إعادة ترتيب أوراقه من جديد، والتي لاشك في أنها تبعثرت كثيراً في الآونة الأخيرة، بخاصة مع انشقاق المؤسسة العسكرية التي لطالما ظل يتفاخر بوحدتها، ويقول عنها إنها صمام أمان الثورة والوحدة وإنها بمنزلة «الصخرة التي تتحطم عليها مؤامرات أعداء النظام»، كما أن صالح فقد تأييد قطاع واسع من رجال القبائل ورجال الدين، حتى من داخل حزبه، ومن وزراء ودبلوماسيين الذين أعلنوا استقالاتهم من مناصبهم، والذين كانوا إلى وقت قريب من أقرب المقربين إليه وشكلوا الإثنين الماضي كتلة «العدالة والبناء».

هذا الانشقاق الذي حصل في جسم النظام وبنيته أثر كثيراً في مساحة المناورة التي كان يلعب بها الرئيس صالح، فتماماً كملعب كرة القدم حينما كان صالح اللاعب الوحيد فيها إلى ما قبل أشهر قليلة، تحول الملعب اليوم لمصلحة كل اللاعبين، وبدت قدرة صالح على المناورة وتسديد الأهداف على الخصوم صعبة المنال، ويحتاج إلى حكم منحاز لمصلحته حتى يتمكن من اللعب براحة تامة، لكن الحكم اليوم في فمه صفارة يطلقها في وجه الرئيس وبقية اللاعبين في الملعب.

مع ذلك فإن السؤال الذي لا يزال يؤرق اليمنيين في الداخل والخارج على السواء هو : إلى متى يصمد الرهان على الحل السلمي؟، بل يمكن أخذ السؤال بشكل مقلوب: إلى متى يمكن أن تصمد المخاوف من اندلاع الحرب الأهلية؟

يبدو هذان السؤالان مشروعين في ظل المعطيات على أرض الواقع، فالأزمة السياسية والأمنية تتجذر يوماً بعد يوم، وفرقاء الحياة السياسية يفترقون في الحل ويقتربون من لحظة الانفجار شيئاً فشيئاً، والجميع يدرك أن «المنطقة الرمادية» لن تبقى على ما هي عليه حتى النهاية، ولابد من أن يتبين «الخيط الأبيض» من «الخيط الأسود»، أي لا بد من معرفة أي طريق سيفضي إليه حل الأزمة اليمنية، أإلى تغيير شامل يطلبه الشباب الثائر في مختلف ساحات التغيير تتبدل فيه كافة رموز النظام أم إلى تسوية سياسية لا تقنع الجميع، أم إلى حرب شاملة تقتلع وحدة البلاد وأمنها واستقرارها؟

كل طرف من أطراف الأزمة يراهن على ما يمتلكه من نقاط القوة، الشباب الثائر بقوتهم الشعبية مسنودون بمواقف سياسية واضحة من المعارضة والسلطة بما يقع تحت يديها من سلاح، لكن كافة الأطراف لا تلتفت إلى نقاط الضعف التي تمتلكها، والتي قد يدفع ثمنها غالياً الشعب اليمني كله، فعند اندلاع الحرب وتبيان «الخيط الأبيض» من «الخيط الأسود»، لن يكون بمقدور أي طرف من أطراف الأزمة أن يعيد التاريخ إلى الوراء حتى يتمكن من إعادة قراءة مفردات الأزمة ومواقف أطرافها من جديد، لذا فإن الجميع بانتظار «النجدة الخارجية» لإطفاء حرائق الداخل.

- **المصدر : صحيفة «الخليج» الاماراتية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2177619

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

29 من الزوار الآن

2177619 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 28


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40