الخميس 21 نيسان (أبريل) 2011

لبنان في مهب الرياح السورية

الخميس 21 نيسان (أبريل) 2011

ألقت التطورات الدراماتيكية المتسارعة على الساحة السورية منذ نحو أسبوعين بوطأتها الثقيلة على الساحة اللبنانية خلال الأيام القليلة الماضية، حتى كادت تحجب معها الموضوع الذي يفترض أن يكون الأهم بالنسبة للبنانيين وهو موضوع تأليف الحكومة العتيدة التي طال أمر تأليفها حتى بات الجميع في بيروت يتحدث وإن بخجل عن أزمة تأليف وشيكة الوقوع. ولم يكن تأثر الساحة اللبنانية بكل مكوناتها بالأحداث التي تشهدها سوريا أمراً اختيارياً أو عابراً، فمنذ اندلعت هذه الأحداث وأخذت شكلاً تصاعدياً، تحدث العديد من القيادات والقوى في لبنان بلغة أن ينجو لبنان من تداعيات ما هو حاصل، ومن تفاعلاتها على كل المستويات، وذلك نظراً لخصوصية العلاقة التاريخية بين البلدين وتداخل السياسة بالجغرافيا بالديموغرافيا.

عموماً لم يكن أحد في بيروت سواء في قوى الأكثرية أو في صفوف الأقلية يتوقع أن يتأثر لبنان بشكل أو بآخر بالأحداث العاصفة في سوريا، خصوصاً أن العلاقة بين دمشق وقوى أساسية في لبنان لم تكن طبيعية منذ حادث اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في فبراير/شباط عام 2005، بل إن هناك حقبة مديدة من العداء والاتهامات المتبادلة.

ولم يطل الأمر حتى برزت الى واجهة الأحداث ومن العاصمة السورية بالتحديد اتهامات رسمية سورية لأحد رموز تيار «المستقبل» النائب عن منطقة البقاع جمال الجراح بالضلوع في تمويل عمليات التخريب في سوريا، وبالطبع هبت على الأثر عاصفة من السجالات السياسية في بيروت، لا سيما بعد أن بادر تيار «المستقبل» إلى نفي هذه التهمة، فيما اعتبرت القوى الحليفة لسوريا أن هذا الأمر هو الحبة الأولى في سبحة اتهامات لشخصيات وقوى لبنانية ضالعة في أحداث سوريا ستظهر تباعاً.

وبالطبع أيضاً أخذت هذه القوى على تيار «المستقبل» أنه يزج لبنان في لعبة صراعات ومحاور المنطقة، وهي لعبة أكبر من حجم هذا البلد وقدراته، فيما هو يدعو إلى شعار «لبنان أولاً» أي مصلحة لبنان فوق كل اعتبار.

وعلى الأثر ماجت الساحة اللبنانية بسلسلة من التطورات إذ استدعى الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري وطلب منه الشروع بمهمة جلاء الموضوع، ووضعه في نصابه القانوني، فيما زار النائب الجراح رئيس مجلس النواب نبيه بري طالباً تدخله في الموضوع، وأكدت أوساط بري أنه ينتظر تكوين ملف حول القضية حتى يدعو هيئة مكتب مجلس النواب إلى الاجتماع ليبنى على الشيء مقتضاه، موضحةً أن بري نصح الجراح بالهدوء ما دام أنه يؤكد براءته من الاتهامات المساقة ضده من جانب دمشق.

وقد أخذ فريق تيار «المستقبل» على الاتهامات السورية بحق الجراح والتيار، انها اتهامات باطلة وليست مبنية إطلاقاً لا على وثائق ولا على مستندات وفق ما قاله رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة.

في غضون ذلك ظهر السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم أمام الإعلام ليؤكد أن الاتهامات السورية هي بمثابة إخبار وأنه على القضاء اللبناني المختص أن يشرع في تكوين ملف، وبالتالي البدء في إجراء التحقيقات اللازمة، وهو أمر رد عليه تيار «المستقبل» عبر أكثر من رمز من رموزه، معتبراً كلامه تدخلاً في الشؤون الداخلية اللبنانية. على هذا المنوال من التناقضات والتباينات السياسية حيال هذا الموضوع سارت التطورات السياسية وواكبتها على الأرض تحركات وأنشطة متعددة، فقد بدأت القوى اللبنانية والفلسطينية الحليفة لسوريا بإقامة مهرجانات ولقاءات ودعم وتضامن مع سوريا، معتبرةً أن هذا البلد مستهدف بمؤامرة خارجية لأنه يقف منذ زمن في وجه الهجمة «الإسرائيلية» والأمريكية، وكان أبرزها لقاء تضامنياً حاشداً في أحد فنادق العاصمة، إضافة إلى أنشطة مماثلة في المناطق.

وفي المقابل لفتت الأنظار حراك مناهضي النظام في سوريا، شرع به «حزب التحرير» الإسلامي الذي نال إجازة علم وخبر من وزارة الداخلية في لبنان عام 2006 إذ فجأة قرر هذا الحزب الذي يتمتع بوجود متواضع على الساحة السنية في لبنان، وان كان وجوداً قديماً، تنظيم تظاهرة داعمة للشعب السوري ومضادة للنظام في دمشق، وذلك في مدينة طرابلس في الشمال اللبناني. وقد أثارت هذه الخطوة المفاجئة لهذا الحزب الذي يعود تأسيسه إلى مطالع عقد الخمسينات من القرن الماضي، ضجة إعلامية وسياسية واسعة في لبنان انطلاقاً من عدة اعتبارات ووقائع أبرزها :

أن لبنان بفريقيه الأساسيين يسعى جاهداً للنأي بنفسه عن الأحداث في سوريا، بصرف النظر عن رهانات فريق من اللبنانيين على إسقاط النظام هناك، مبادرة فريق آخر إلى اشهار دعمه لهذا النظام، ورفض أي مؤامرة تحاك ضده. وعليه فإن ثمة من يرى أن هذه التظاهرة ستكون بوابة لمزيد من التناقضات والمشاكل في لبنان ليكون جزءاً من الأحداث السورية.

إن المكان الذي اختاره الحزب ليكون ميدان التظاهرة هو مدينة طرابلس التي لها اعتبارات خاصة وتنطوي على حساسيات وتناقضات عدة، فالمدينة على مقربة من الحدود السورية، وهي بالأصل ترتبط بعلاقات تاريخية على الساحل السوري حتى أنها تسمى طرابلس الشام. وفضلاً عن ذلك فإن المدينة التي تحوي كما هو معلوم شريحة واسعة من المعادين للنظام في سوريا، والموالين لتيار «المستقبل»، فإنها في المقابل تضم أيضاً بين طياتها حلفاء لسوريا ولنظامها هددوا مراراً وتكراراً بأنهم سيلجأون إلى تنظيم تحركات مضادة لتحرك «حزب التحرير»، وهذا الأمر أثار مخاوف واسعة لدى سكان طرابلس من أن يكون الأمر فاتحة صدامات وإشكالات تتحاشى طرابلس بلوغ مرحلتها، بعدما شهدت عام 2008 وطوال أشهر معارك مسلحة ودامية بين أنصار المعارضة آنذاك وأنصار تيار «المستقبل» وقوى 14 آذار، أدت الى سقوط عشرات القتلى والجرحى، وأُصيبت المدينة بشلل اقتصادي كبير، وقد بذلت جهود كبيرة لإجراء مصالحات بين الطرفين لوضع حد للتوتر الحاصل في قلب المدينة.

وبناءً على كل هذه المعطيات بُذلت في الأيام القليلة الماضية جهود رسمية وحزبية ومن فعاليات ومراجع دينية لثني «حزب التحرير» عن هذه الحركة لتجنيب المدينة المزيد من التوترات والقلاقل التي هي في غنى عنها. واللافت أنه حتى المعادين للنظام في سوريا لم يبدوا حماسة لمثل هذه التظاهرة التي من شأنها أن تسهم بشكل أكبر في انزلاق الساحة اللبنانية أكثر فأكثر نحو التأثر بأحداث سوريا. ومهما يكن من أمر، فالواضح أن الساحة اللبنانية ستبقى وإلى أجل غير مسمى وبالتحديد طالما الأحداث في سوريا آخذة هذا المنحى التصاعدي تحت وطأة التطورات في الساحة السورية، خصوصاً ان الأطراف الحليفة لسوريا تتحدث في أوساطها عن مزيد من الأسماء والشخصيات المرتبطة بتيار «المستقبل» والضالعة بشكل وآخر بأحداث الشغب في سوريا.

واللافت أن القوى الحليفة لسوريا تتعاطى مع السجال الحاصل والاتهامات السورية لخصومها من باب وكأنها حققت عليها ضربة سياسية أدّت بشكل أو بآخر إلى إرباك هذا الفريق الذي سبق له وأن تلقى ضربة سياسية كبرى من خلال إخراجه من الحكومة عند إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى. ومما لا شك فيه أن الساحة السياسية في بيروت تتفاعل مع الأحداث في سوريا من منطلقين مختلفين. ففيما يراهن الكثيرون في بيروت ضمناً على أمكانية أن تفضي الأحداث المتسارعة في كل سوريا الى توجيه ضربة للنظام السوري الحليفة لخصومها في لبنان والدعم المطلق لهؤلاء، فإن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط كان واضحاً في إبداء رأيه حول هذا الرهان، إذ قال صراحة إن المراهنة على الخلل في سوريا هو ضرب من الجنون.

[**سليمان وميقاتي*]

وفي كل الأحوال لم تستطع التطورات في سوريا وتداعياتها السريعة والقوية على الساحة اللبنانية أن تحجب كلياً موضوع الأزمة الحكومية عن الأنظار وعن الاهتمام. واللافت في هذا السياق أن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة المنتظرة نجيب ميقاتي ظهر فجأة أمام القصر الجمهوري في بعبدا وتبليغ الرأي العام اللبناني عبر الصحافيين المرابطين أمام القصر أنه يطلب مهلة أخرى لإستيلاد هذه الحكومة، مقدماً تبريراته النظرية لعملية التأخير هذه. واللافت أيضاً أن هذا الكلام للرئيس المكلف الذي أوحى بأن أمر التأليف لا يسير على ما يرام، أتى مباشرة بعد فترة من التفاؤل بقرب ولادة الحكومة سادت الأوساط السياسية المواكبة لعملية التأليف لدرجة أن بعض هؤلاء تحدث صراحة عن ساعات لولادة مراسيم تأليف الحكومة، لاسيما أن المعلومات التي سرت أفادت بأن كثيراً من العقد التي حالت دون تأليف الحكومة أخذت طريقها نحو الحل لا سيما عقدتي الأحجام والتوازنات من داخل هذه الحكومة وعقدة وزارة الداخلية التي يدور صراع حاد على من يمسكها بين رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وزعيم التيار الوطني الحر النائب العماد ميشال عون. وعليه فإن كلام ميقاتي الذي أفصح عن نيته إعطاء مزيد من الوقت لمزيد من المشاورات والاتصالات حول عملية التأليف المرتقبة فتح الباب أمام جملة وقائع ومعطيات أبرزها :

أن الرئيس المكلف ميقاتي لم ينجح حتى الآن في إيجاد قواسم مشتركة بينه وبين حلفائه الجدد والأكثرية الجديدة، إذ مازال يراهن على فرض تصور معين للحكومة شكلاً ومضموناً يراعي فيها الكثير من توجهاته ورؤاه السياسية وعلاقاته.

أن الحديث عن إمكان إيجاد صيغة تسوية للعلاقة المتوترة بين الرئيس سليمان والعماد عون، والتي تخفي في طياتها صراعاً على تصور مستقبل الوضع السياسي على الساحة المسيحية لم يكن حديثاً دقيقاً.

وفي كل الأحوال فتح كلام الرئيس ميقاتي الأخير أمام قصر بعبدا الباب مجدداً أمام دور أكبر يقوم به العصب الأساسي لفريق الأكثرية الجديدة في «حزب الله» للقيام بمحاولة جادة وحثيثة بغية تدوير الرؤيا وإيجاد قاعدة تفاهمات بين كل أفرقاء الأكثرية الجديدة تسهم في ولادة الحكومة.

وبناءً على هذا الأمر كان لافتاً أن تتكثف الاتصالات بين ممثل الحزب والرئيس ميقاتي من جهة وبين العماد عون من جهة اخرى في محاولة لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر وسعياً الى ابتكار حلول للعقد المستعصية. وأفادت المعلومات ان من بين الأفكار الجديدة التي تم تداولها إجراء مداورة بين الوزارات بحيث تجري عملية خلط واسعة لأوراق التشكيلة الحكومية على قاعدة تبادل الحقائب.

وبفعل هذه الوساطة الجديدة سرت في بيروت معادلة فحواها أن حسم الأمور سيكون خلال الاسبوع الجاري، فإما أن يتم الاتفاق على تصور نهائي لشكل الحكومة، فتكون ولادتها وشيكة أو تؤجل الأمور إلى ما بعد نهاية الأسبوع الحالي، حيث يفترض أن تبدأ مرحلة جديدة من الاتصالات وتداول الأفكار والعروض.

اما الحدث الثالث الذي ألقى أيضاً بظلاله على الساحة اللبنانية فكان اللقاء الرباعي المسيحي الذي رعاه البطريرك الماروني الجديد، وجمع الأقطاب المسيحيين الأربعة وهم العماد عون وحليفه زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية من جهة ورئيس حزب «الكتائب» الرئيس أمين الجميل وحليفه في قوى 14 آذار قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع من جهة أخرى.

وأهمية هذا اللقاء تنبثق من عدة وقائع :

الأول، أن المرجعية الدينية المارونية تبدأ رحلتها بالتأكيد لمن يعنيهم الأمر أنها على مسافة واحدة من كل الأفرقاء المسيحيين بعكس البطريرك السابق نصر الله بطرس صفير الذي لم يخف انحيازه التام الى تبني منطق وطروحات قوى 14 آذار وخصومته المطلقة لأطياف قوى 8 آذار.

الثاني، ان البطريرك الماروني يحقق في مطلع عهده بالسدة البطريركية ما عجز أياً من أسلافه على تحقيقه وهو الجمع بين النائب فرنجية وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع إذ من المعلوم أن ثمة تاريخاً مستحكماً من العداء بين الشخصين على قاعدة أن فرنجية يتهم جعجع مباشرة بالضلوع في حادث اغتيال والده الوزير السابق طوني فرنجية وشقيقته ووالدته في ما صار يعرف بمجزرة إهدن في صيف عام 1978.

الثالث، أن البطريركية المارونية الجديدة تبدأ عهدها بإنتهاج خط سياسي جديد على المستويين المسيحي والوطني عموماً، إذ إنها أعلنت رغبتها في إعادة وصل ما انقطع مع «حزب الله» وإحياء لجنة التنسيق المشتركة بينهما، وهذا الأمر إن تحقق من شأنه أن يفتح صفحة جديدة مختلفة تماماً في الحياة السياسية اللبنانية، وفي العلاقات بين مكونات الساحة اللبنانية.

- [**المصدر : صحيفة «الخليج» الاماراتية.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2178290

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178290 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40