الخميس 21 نيسان (أبريل) 2011

صهيونيون وليسوا يهوداً

الخميس 21 نيسان (أبريل) 2011 par د. فايز رشيد

أثارت مقالتي المعنونة بـ (هل كل يهودي صهيوني؟)، جدلاً كبيراً بين العديد من المثقفين، فمنهم من اعتبرني (ارتكبت خطأ)، ومن وجهة نظره أن خيطاً واهياً يربط ما بين اليهودية والصهيونية. وللصدفة جاءت انتخابات نقابة الأطباء في اليوم التالي لصدور المقالة، الأمر الذي دعا كثيرين لتوجيه أسئلة لي، البعض اتفق مع ما طرحت، والبعض خالفني الرأي، وانا احترم وجهة النظر المخالفة لمعتقداتي، والباب مفتوح أمام هؤلاء للتعبير عن وجهات (وجهة) نظرهم بوسائل عديدة، كما أن البعض سألني عن سبب عدم تطرقي إلى الصهانية من غير اليهود، ومن وحي هذه المسألة الأخيرة كانت كتابة هذه الكلمات.

بداية، فإن الصهيونية هي تيار سياسي تصل في حد كبير إلى الأيديولوجيا، وهي ما دامت كذلك، فبالضرورة يعتنقها كثيرون من غير اليهود. ولعل ما يسمى بـ (الصهيونية المسيحية) هو خير معبر عن هؤلاء (فقادة الحركة المسيحية الأصولية يؤمنون بأن لليهود حقاً تاريخياً ولاهوتياً وقانونياً في الأرض المسماة «إسرائيل»... وأن الله يتعامل مع الأمم حسبما تتعامل هذه الأمم مع إسرائيل... وأن الوقوف ضد «إسرائيل» هو وقوف ضد الله... د.يوسف الحسن (البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي - الصهيوني). الصهيونية استغلت هذه الاعتقادات لتصنع من جزء كبير من مسيحيي الولايات المتحدة ودول العالم الاخرى، جيشاً/جيوشاً تعمل على تأييدها. و«إسرائيل» من خلال كنائس، مدارس، جامعات، جمعيات، منظمات، فضائيات، إذاعات، بنوك، مؤسسات، مؤسسات مالية، تصب كلها في خدمة إسرائيل، وأعضاء هذا الاتجاه في الحركة المسيحية يعدون بالملايين. أصحاب هذا الاتجاه يقدمون الدعم لـ «إسرائيل» أكثر مما تقدم التجمعات الصهيونية إليها. وخير ممثل على أصحاب هذه الاتجاه، القس : جيري فولويل، الذي يسمى في الولايات المتحدة (زعيم الأغلبية الأخلاقية)، والذي لا يتحرج من الإعلان عن صهيونيته فيقول : «إنني صهيوني، وأؤمن نظرياً ونبوءةً وسياسياً بأن أرض فلسطين والأردن هي للشعب «الإسرائيلي»، ولا أحبذ أن تتخذ «إسرائيل» أي قرار بإعادة أرض لجيرانها العرب، فإذا لم تكن «إسرائيل» موجودة، فإن المصالح الغربية ستكون مهددة من قبل العرب، ولذلك فلا بد ان تكون «إسرائيل» قوية».
ينطبق هذا القول أيضاً على التجمعات العالمية الموالية لـ «إسرائيل»، من خلفيات سياسية اقتصادية، تجارية، مالية، تصنيعية عسكرية (لها مصلحة مباشرة في الحروب التي تشنها «إسرائيل» وبالتالي فهذه تروج لسلعها التسليحية). هذا بالطبع إضافة إلى أصحاب وجهات النظر الإمبريالية/الاستعمارية، التي تتطابق في أهدافها مع ما تطرحه الحركة الصهيونية، فهناك جذور لتحالف قديم ما بين الحركة الصهيونية منذ نشأتها، والحركات الاستعمارية، ترسمن (أصبح رسمياً) هذا التحالف في اتفاقية كمبل - بنرمان في عام 1908 حين اتفقت دول أوروبية عديدة، على إنشاء قوة صديقة للاستعمار في فلسطين، حيث تكون معادية لسكان المنطقة، قوة تمنع التواصل والوحدة بين شطري الوطن العربي في آسيا وأفريقيا. تطورت الرسمنة في سايكس بيكو، وعد بلفور، الانتداب البريطاني، ومنذ ذلك التاريخ حتى هذه اللحظة.

على صعيد العالم النامي، حاولت «إسرائيل» ومن ورائها الحركة الصهيونية، التي طرحت نفسها كحركة تحرر وطني، مع استغلال بروز الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية التأثير على كثير من الأنظمة العالمثالثية، من خلال ضغوطات عديدة من جهة، ومن جهة أخرى استغلال مصالح هذه الدول في تأييد السياسات «الإسرائيلية»، ولذلك شهدنا تغلغلاً «إسرائيلياً» صهيونياً في العديد من هذه الدول.

مع بروز حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبروز الناصرية، ومؤتمر باندونغ، وتشكيل دول عدم الانحياز، وظهور حركة التحرر الوطنية العربية، وفي ما بعد الفلسطينية، بدأت الأضاليل والأساطير الصهيونية والعدوانية «الإسرائيلية» في التكشف للعالم شيئاً فشيئاً، وساهم في ذلك وقوف الدولة الصهيونية إلى جانب أنظمة الدكتاتورية والعدوان والظاهرة الاستعمارية عموماً، لذا ابتدأت التأثيرات الصهيونية في الانحسار على هذا الصعيد، وصولاً لقرار الأمم المتحدة رقم (3379) في دورتها الثلاثين عام 1975، الذي أدانت فيه الصهيونية باعتبارها (شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري). ومعروفة ظروف إلغاء هذا القرار بعد الانهيار السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية.

أيضاً على الصعيد الحديث فإن الصهيونية وقفت وراء مؤسسات أخرى وحركات كثيرة كي تدور في فلكها مثلاً، الحركة الماسونية.

من ناحية ثانية، فلكي يكون المرء صهيونياً، فليس بالضرورة أن يعتنق المعتقدات الأيديولوجية الصهيونية، فممارسة السياسات والأفكار التي تصب في المصلحة «الإسرائيلية»، هي صهيونية، والتطبيع مع «إسرائيل» يصب في خدمة الحركة الصهيونية، كذلك فان التنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، هو صهيونية.

ما زلت أذكر أنه في العدوان الصهيوني على لبنان في عام 2008، هناك البعض ممن تمنى انتصار «إسرائيل» على «حزب الله»، كي ينكسر الخطر الشيعي على المنطقة العربية. أصحاب مثل هذه الاتجاه يعتبرون خدماً للحركة الصهيونية. عملاء «إسرائيل» هم أيضا صهاينة، وعلى ذلك قِس.

ليس المقصود من هذه المقالة تعظيم دور الحركة الصهيونية على صعيد العالم، وإنما إلقاء الضوء على هذا الدور، وعلى القوى المساندة للحركة الصهيونية من غير اليهود، فما دمنا ننفي أن كل يهودي صهيوني، فنؤكد أيضاً وجود الصهاينة من غير اليهود.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 32 / 2178538

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2178538 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40