الاثنين 18 نيسان (أبريل) 2011

اللاجئون في غزة في ضوء عمليات «الأونروا»

الاثنين 18 نيسان (أبريل) 2011 par ناهض زقوت

لجأ إلى قطاع غزة في عام 1948 نحو (150 إلى 200) ألف لاجئ، لينضموا إلى جانب السكان الأصليين البالغ عددهم آنذاك (80) ألف نسمة، وسكن هؤلاء في المساجد والمدارس والكنائس، أو لدى المعارف والأقارب، وفي ثكنات سابقة للجيش البريطاني، وحتى في الأرض العراء، إلى أن عملت جمعية الأصدقاء الأميركية (الكويكرز) على البدء في عام 1949 بإنشاء المخيمات في مناطق وجودها الآن، وأعطيت أسماء المدن المجاورة لها، وقد قامت الجمعية المذكورة بتوزيع الخيام على اللاجئين، واستمرت في الإشراف على مخيماتهم حتى تشكلت وكالة الغوث الدولية (الأونروا) وباشرت عملها في عام 1950، فعملت على إسكان اللاجئين في بيوت من الحجر بدلا من الخيام وزودتهم بالمواد اللازمة لإقامتها حسب حجم كل أسرة وحاجتها في ذلك الوقت. وقد بنت وكالة الغوث في ذلك الحين (1950 ـ 1951) حوالى (48 ألفا) وحدة سكنية في ثمانية مخيمات، توزعت كالتالي: رفح، خان يونس، دير البلح، المغازي، البريج، النصيرات، الشاطئ، جباليا، على مساحة قطاع غزة البالغة 360 كيلومترا مربعا، ويمثل قطاع غزة الشريط الساحلي من فلسطين التاريخية، وهو شريط ضيق محصور ما بين البحر المتوسط والأراضي المحتلة عام 48، يبلغ طوله نحو 40 كم وعرضه من (6 ـ 12كم)، ضعيف الموارد والإمكانيات، والبنية الاقتصادية.

ويشكل اللاجئون الغالبية العظمى من سكان القطاع (ثلثا السكان)، البالغ عددهم في إحصاء 2009 نحو مليون ونصف المليون نسمة، من بينهم (1,106,195) من اللاجئين، بينهم (502,747) يقيمون في المخيمات. ويشكل قطاع غزة أعلى نسبة سكانية في العالم من حيث الزيادة الطبيعية (3,5%)، وكذلك من حيث الساكنين في الكيلو متر المربع. مثلا مخيم الشاطئ مساحته (0,747 كم2) يعيش فيه (80,000) لاجئ، ومخيم جباليا مساحته (1,403 كم2) يعيش فيه (108,000) لاجئ.

ومنذ إنشاء المخيمات لم تتوسع مساحتها، ولم يجر عليها أي هيكلة أو تخطيط ديموغرافي وسكني سواء من وكالة الغوث أو من السلطة الوطنية بما يتلائم مع الزيادة السكانية المتراكمة في مساحة محدودة. فقد تزايد اللاجئون في قطاع غزة منذ عام 1995 من (683,560) إلى (1,090932) في عام 2009، أي نحو (407,372) لاجئا جديدا، بالإضافة إلى الذين عادوا مع السلطة وأقاموا في القطاع باعتبار أن أغلبهم من اللاجئين.

لذلك تعاني مخيمات قطاع غزة تضخماً هائلاً في عدد السكان، ما يؤثر في أوضاعهم المعيشية والسكنية، في ظل محدودية المساحة والموارد، فما زالت معظم العائلات تعيش في بيوت صغيرة مكونة الغالب من غرفة واحدة أو غرفتين وبالحد الأدنى ثلاثة غرف، وتؤوي من 9ـ12 فردا، أما الأثاث فهو في الغالب يقتصر على بعض الفرشات الأرضية والأغطية وأدوات المطبخ، ومعظم بيوت المخيمات قديمة وآيلة للسقوط (نحو 3000 بيت بحسب «الأونروا»)، علاوة على الظروف غير الصحية أو الملائمة للعيش داخل البيوت جراء الرطوبة وقلة التهوية. ومعظم البيوت لا تحوى مرافق صحية جيدة، كما أن هذه البيوت لا توفر الحماية الكافية من حر الصيف أو برد الشتاء، ما يزيد من مخاطر الأمراض، ناهيك عن الشوارع الضيقة ومياه المجارى التي تعم الشوارع، والأسواق الملتصقة بالمساكن، وانعدام أماكن اللعب للأطفال.

وقد حاولت «الأونروا» العمل على تحسين بعض البيوت بإعادة بنائها، إذ تشير تقديراتها إلى أن نحو (6700) بيت تحتاج إلى إعادة بناء. كما عملت على رصف الطرق، وتحسين وضع المرافق الصحية، وشبكة المياه، إلا أنها كانت دائما تصطدم بإجراءات الاحتلال المعطلة لإدخال المواد اللازمة للبناء، خاصة بعد فوز حركة «حماس» بالانتخابات وفرض حصار خانق على القطاع.

[**الأوضاع التعليمية*]

يمثل التعليم لأبناء المخيمات رأس المال المستثمر بعد أن فقدوا الأرض، فاتجهوا بشكل كبير نحو التعليم، ووصلوا به إلى أعلى المستويات.

ويعد التعليم أحد البرامج الأساسية لوكالة الغوث، وتبلغ ميزانيته في القطاع (134.927) ألف دولار، وهي أعلى ميزانية تقدمها «الأونروا» في مناطق عملياتها الخمس، وقد اعتمد اللاجئون في التعليم على مدارس «الأونروا» في المرحلتين الابتدائية والإعدادية داخل المخيمات وخارجها، أما الثانوية فتشرف عليها الحكومة. وتتوزع ميزانية التعليم (إحصاء 2009) على (228) مدرسة ابتدائية وإعدادية، يدرس فيها نحو (206.114) طالبا وطالبة، بالاضافة إلى مراكز التدريب المهني.

وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها اللاجئون في القطاع، إلا أنها لم تؤثر على العملية التعليمية لديهم، فمعدلات الالتحاق بالمدرسة ومتابعة الدراسة، ما زالت في مستواها العالي، ونسبة التسرب من المدارس ضعيفة جدا. وما زال مستوى التعليم في مدارس وكالة الغوث أفضل من المدارس الحكومية، من حيث المتابعة والإشراف الإداريين الصارمين من قبل إدارة الوكالة.

ومع ذلك، يواجه الطلاب والطالبات العديد من المشكلات، أهمها الكثافة داخل الصفوف، فنتيجة للزيادة المضطردة لعدد الطلاب والطالبات، زادت حدة الاكتظاظ في مدارس «الأونروا»، حيث بلغ معدل عددهم في الصف الواحد خلال السنوات 2008ـ 2009 بين 47-50 طالبا وطالبة، وهي أعلى نسبة من نوعها في الأقاليم الخمسة لعمليات «الأونروا». كذلك، ما زالت نحو 90% من مدارس «الأونروا» تعمل بنظام الفترتين، كما تقوم باستئجار المدارس الحكومية لفترة ما بعد الظهر لكي يدرس بها الطلبة، وتبقى الحاجة ماسة لبناء المزيد من المدارس لكي تستوعب الزيادة الطبيعية في عدد الطلاب والطالبات. وتحاول» الأونروا» جاهدة العمل على تحسين البنية الأساسية التعليمية، وبناء مدارس جديدة، إلا أنها تواجه دائما بعقبة الاحتلال الذي يمنع دخول مواد البناء الأساسية إلى قطاع غزة.

أما بالنسبة لمراكز التدريب المهني، فيوجد في القطاع مركزان تابعين لوكالة الغوث، يوفران التدريب المهني والتقني لما يزيد عن (1500) من المتدربين والمتدربات، وتقدم هذه المراكز عددا من الدورات التدريبية المهنية لمدة سنتين، في أشغال الكهرباء، والبناء، والميكانيكا، إضافة إلى دورات شبه فنية، لمدة سنتين في العلاج الطبيعي والإلكترونيات الصناعية، والأعمال التجارية والمكتبية، والترتيبات مستمرة لتنظيم دورات جديدة مستحدثة في الرسم المعماري، والفندقة والإيواء، ومراقبة الأبنية وغيرها بما يلبي الحاجة المحلية المتنامية للعمال المهرة في قطاع البناء. وقد أثر الإغلاق والحصار ومنع التنقل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، على الطلاب المتدربين، حيث واجه المتدربون صعوبات كبرى في الحصول على تصاريح من السلطات «الإسرائيلية» للالتحاق بمراكز التدريب التابعة لوكالة الغوث في الضفة، ولطالما أفاد طلاب غزة من مرافق التدريب في الضفة، لأن عددا من أماكن التدريب في مركز غزة للتدريب غير كافية لتلبية الحاجات المحلية.

[**الأوضاع الصحية*]

ليس ثمة شك في سوء الأوضاع الصحية للمخيمات، حيث تزداد الأوضاع سوءا يوما بعد يوم نتيجة الكثافة السكانية المتزايدة إلى جانب تناقص الخدمات المقدمة من الجهات الرسمية، ومن جهة أخرى تساهم الحالة العامة للمخيمات بشكل مباشر في تردي الوضع الصحي عند اللاجئين، حيث الأزقة الضيقة والمياه العادمة التي تمر بين الطرقات يعبث بها الأطفال، ما يسبب انتشار الأوبئة والأمراض.

لقد أولت «الأونروا» اهتماما بالغا بالشؤون الصحية العامة للاجئين منذ أن تولت مهمة رعايتهم، ووصلت ميزانية الصحة في عام 2009 إلى 29,967 دولارا، وهي ميزانية ضعيفة بالنسبة للحالات المرضية، إذ بلغ عدد زيارات المرضى من اللاجئين عام 2009، لمراكز الصحة التابعة لوكالة الغوث نحو 4,325,465 لاجئا، أي ما يعادل 3 أضعاف عدد اللاجئين المسجلين، وهذا يثير القلق بشأن قلة عدد المراكز الصحية المخصصة للعلاج والتي لم تتجاوز (20) مركزا، بالإضافة إلى بعض المراكز التخصصية والمختبرات، كما أن إجمالي عدد موظفي الصحة العاملين في المراكز بلغ (1274) موظفا، موزعين على هذه المراكز، وهذا من شأنه أن يؤثر على تقديم الخدمات الصحية لهذه الزيارات المرضية الكبيرة من اللاجئين.

ونظرا للتزايد المستمر والطلب الملح على خدمات «الأونروا» الصحية، ورغم التحسينات والتطويرات الكبرى في توسيع مرافق الرعاية الأولية، فقد استمرت على الترتيب الخاص بتشغيل العيادات فترة مسائية في معظم مرافقها، وهو ترتيب بدأ كإجراء مؤقت في عام 1992 لمواجهة عبء العمل على الموظفين والحاجة لذلك. وتقوم «الأونروا» كذلك بتقديم خدمات الاستشفاء من خلال ترتيب تعاقدي مع مستشفى غير حكومي أو حكومي لمعالجة اللاجئين، أو عبر مساعدات مالية لتغطية نفقات علاجية في مستشفيات القطاع العام.

وقد عملت وكالة الغوث على إقامة علاقة وثيقة مع السلطة الفلسطينية، التي تولت المسؤولية عن نظام الرعاية الصحية والعامة في القطاع في عام 1994، بعد أن قامت بإجراء مسح شامل لمرافق الرعاية الصحية الأولية، التي تديرها السلطة الوطنية، بهدف تحديد احتياجاتها من التطوير والترميم، وقدمت الدعم اللوجستي لتسهيل عمل موظفي منظمة الصحة العالمية ومستشاريها الذين يزورون القطاع لتقييم الاحتياجات، ومساعدة السلطة في إعداد برنامجها الصحي الوطني، وقامت «الأونروا» بتزويد مستشفى الشفاء الذي تديره السلطة بتجهيزات طبية لتطويره، واشترت مواد طبية بمبالغ أخرى لمرافق صحية مختلفة في قطاع غزة.

وفي إطار مشروع خاص، تواصل «الأونروا» تقديم الخدمات الصحية للمدارس، وهناك طواقم للصحة المدرسة تقوم بإجراء الفحوصات وتطعيم الأطفال في مدارس الوكالة والسلطة، كما تقدم وجبات غذائية لطلاب وطالبات المدارس في المرحلة الابتدائية.

وضمن سياسية تطوير البنية الأساسية للنظام الصحي، قامت «الأونروا» ببناء وتجهيز مراكز صحية إضافية في مخيم الشاطئ وتل السلطان، وبناء عيادة جديدة لرعاية صحة الأم والطفل في منطقة الفاخورة في جباليا، وعيادة طب الأسنان في مخيم المغازي، وقد تم إنجاز أعمال الترميم والتطوير للمراكز الصحية في رفح وخان يونس. كما افتتحت كلية تمريض في غزة عام 1994، وتم تزويدها بالتجهيزات اللازمة، وتقوم هذه الكلية بتنفيذ برنامج تعليم التمريض للنساء مدته ثلاث سنوات، وتدرس فيها نحو (50) طالبة، إضافة إلى عدد من الطالبات اللاتي أنهين فيها برنامج تعليم القبالة (الداية) لمدة عامين. وتعمل «الأونروا» على تطوير برنامج الكلية، والإعداد لبناء كلية جديدة للتمريض والعلوم الصحية تكون في النهاية ملحقة بمستشفى الشفاء. وبالإضافة لذلك، أنهت وكالة الغوث بناء مستشفى عام (المستشفى الأوروبي) ويضم (232) سريرا ما بين مدينة رفح وخان يونس على الطريق الشرقية، بتبرع من الاتحاد الأوروبي.

[**ماذا لو عاد الفلسطينيون إلى ديارهم؟*]

لنتخيل أن اللاجئين الفلسطينيين عـادوا الى فلـسطين بموجب القرار 194... فكيف سـتكون صورة فلـسطين حينذاك؟ وكيف ستبدو بألوانـها المتعددة والمخـتلفة والمتباينة؟ هـل ستـزهو بتـعددهـا أم ستـتصادم لاختلافها؟

الأرجح أن فلسطين ستكون دولة نادرة، ربما لا تشبهها أي دولة أخرى في العالم. فإذا تركنا جانباً اليهود، فإن الفلسطينيين أنفسهم سيكونون مثل برج بابل لكن، من دون بلبلة. وسنجد فلسطينيين ولدوا في تونس لأب من غزة وأم سورية على سبيل المثال. وسيكون فيها فلسطينيون ولدوا في لبنان لفلسطينيين من الضفة الغربية وأمهات من الأردن. والمؤكد اننا سنلتقي فلسطينيين من الدانمارك ولدوا لآباء لاجئين الى لبنان. وهؤلاء بدورهم تزوجوا دانماركيات، وأنجبوا دانماركيين فلسطينيين. والراجح أن موظفي الحدود في دولة فلسطين سيرتبكون كثيراً في كل يوم أمام ذلك الفيض الكبير من جوازات السفر ذات الألوان المختلفة والبلدان الكثيرة، ولن يكون في إمكانهم أن يعيقوا هذا الجواز أو ذاك بأي ذريعة، لأن حامليه هم من أصول فلسطينية ولهم حق العودة الفورية.

ولعلنا لا نبالغ في الخيال أيضاً فيما لو جلسنا الى إحدى طاولات المقاهي في رام الله، فهناك سنسمع لهجات العالم كله تقريباً من تشيلي الى أوكرانيا. وفي دوائر الحكومة ستكون الشهادات الجامعية متحفاً يحتوي جميع ضروب الشهادات والوثائق والدبلومات.

أما النساء، فسوف يصبغن المدن الفلسطينية كلها بألوان زاهية، وستتحول أحياء هذه المدن الى معارض جميلة لفنون اللباس والأزياء. وسيكون فتيان فلسطين وشبانها على تواصل يومي مع أصدقائهم بل مع أقربائهم في كل مدينة من مدن العالم العربي وآسيا وأوروبا وأميركا وافريقيا. وستصدح من بين أصابعهم موسيقى الشعوب الراعشة بلا استثناء. وسيكون للفلسطينيين المقيمين في فلسطين أخوال وخالات وأبناء خؤولة في القاهرة وعمان وتونس ودمشق وبيروت ونيقوسيا وصنعاء والجزائر والسودان، علاوة على قارات العالم كلها.

هذه هي فلسطين المقبلة التي نتطلع إليها، لا فلسطين المنغلقة، الأحادية، التي يضيق صدرها بالرأي الآخر. إنها فلسطين التي تزهو بالألوان كلها لا بالأسود وحده، أو بالأخضر وحده... فلسطين كما صاغتها الحركة الوطنية الفلسطينية منذ سنة 1968 فصاعداً، دولة ديموقراطية علمانية عربية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 32 / 2178037

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2178037 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40