الاثنين 18 نيسان (أبريل) 2011

مجلة «تايم» الأميركية : شخصية بشار الأسد الحقيقة القاسية وراء قناع التواضع والتفاعل المتأني مع المطالب الإصلاحية

الاثنين 18 نيسان (أبريل) 2011

نشرت مجلة «تايم» الأميركية تحقيقاً حول شخصية الرئيس بشار الأسد التي تجلت جوانبها خلال الاضطرابات الحالية في سوريا، وكتبت رانيا أبو زيد : «تلقت صورة الرئيس السوري بشار الأسد كرئيس متواضع بتوجهات إصلاحية وقريب من شعبه ومتفهم لاحتياجاتهم، ضربة قوية بعد شهر من الإجراءات الأمنية القاسية ضد حركة احتجاج مدنية ناشئة تطلب مزيداً من الحريات امتدت ببطء في أرجاء البلاد. وكان رد فعل الرئيس الطويل القامة ذي العينين الزرقاوين والأب لثلاثة أبناء، مزيجاً نوعياً من الإجراءات الناعمة والمشددة، فوعد بالإصلاح في الوقت الذي أطلق فيه قواته الأمنية في الشوارع لسحق المعارضة.

قال الرئيس يوم السبت إن قانون الطوارئ المعمول به منذ 48 عاماً سيرفع الأسبوع المقبل، وهو تنازل كبير للمتظاهرين، لكنه حذر في الوقت نفسه من أن أعمال «التخريب» لا يمكن التسامح معها. كان ذلك بمثابة خطابه الثاني لشعبه منذ اندلاع الاحتجاجات قبل شهر، وكان أكثر تصالحية من خطابه السابق. واعترف بأن الاقتصاد كان «المشكلة الأولى في البلاد»، وأن نظامه يجب أن يتحمل مسؤولية أكبر تجاه شعبه. وقال : «العالم يتغير بسرعة من حولنا وعلينا مواكبة هذه التطورات. علينا أن نركز على مطالب الشعب وتطلعاته وإلا فسيكون هناك إحساس بالغضب».

وأعرب الأسد عن الحزن بسبب الخسائر في الأرواح خلال التظاهرات. وأضاف : «نحن ندعو لهم بالرحمة، سواء كانوا من القوات المسلحة أم الشرطة أم المواطنين العاديين. والتحقيقات جارية لمعرفة المسؤولين ومحاسبتهم». وجاء الخطاب بعد يوم واحد من اتساع نطاق الاحتجاجات في أنحاء سوريا، بما في ذلك العاصمة دمشق.

ويقول المعارضون للأسد إن مظهره الشعبوي هو مجرد قناع وأن طبيب العيون البالغ 45 عاماً كان دائماً أكثر شبها بوالده المخيف الذي سبقه، حافظ الأسد. وشكلت عملية مجزرة حماة الأكثر شهرة التي ارتكبها حافظ الأسد عام 1982 رادعاً استمر لعدة عقود لأي شخص يمكن أن يجرؤ على تحدي نظام البعث السوري. ولكن هل يمكن أن يكون هذا التوصيف للرئيس السوري الشاب دقيقاً؟.

أيمن عبد النور، وهو أحد زملاء الدراسة الجامعية للأسد - يقول إن الوصف ليس دقيقاً. وهو يتذكر الأسد الإبن على أنه شخص يتحدث بهدوء، ومتواضع ومستمع متيقظ لا يشعر بالغرور لكونه ابن الرئيس. كانا صديقين شابين بعثيين وقعا في شبكة «إدمان السياسة»، التقيا عام 1984 في حرم جامعة دمشق، حين كان الأسد يدرس الطب وعبد النور يدرس الهندسة.

وبالنسبة الى عبد النور، هناك شخصيتان مختلفتان لبشار الأسد : إحداهما الرجل الدافئ الودود والمتفاعل، والثانية هي شخصية الرئيس، شخص لا يمت بصلة لشخصية بشار الأولى، وحتى زوجته وأولاده واخوه لا يعنون شيئاً بالنسبة إليه. عندئذ يصبح رئيس الجمهورية السورية بميراثها الممتد لـ «7 آلاف سنة» - حسب قول عبد النور.

ويضيف : «بشخصيته الثانية فهو مستعد لاتخاذ كل الإجراءات التي يرى من الضروري القيام بها من دون عاطفة، وبقلب جامد المشاعر».

لم يكن من المفترض أن يصبح بشار الأسد رئيساً. وأصبح وريث والده في ما يبدو بعد وفاة أخيه الأكبر باسل في حادث سيارة عام 1994. وأجبرت المأساة بشار على ترك دراسة طب العيون في لندن والعودة للوطن بسرعة. ويقول الصناعي خالد المحجوب الذي عرف العائلة منذ كان باسل معه في المدرسة إن وفاة أخيه غيرته. وقال : «لقد شعر بالمسؤولية، كان دوماً يتسم بالمسؤولية في تصرفاته، لكن بعد وفاة باسل أصبح لديه مسؤولية مع سلطة».

ويوافق المحجوب على أن بشار يملك صلابة معينة، لكنه يقول إنها مجرد انعكاس عن عبء المسؤولية التي يحملها. وقال : «حين يكون هناك اجتماع مهم، يصبح جديا للغاية، أما خلال وجبات العشاء فهو مرح، ويتقبل النقد. إنه شخص لطيف».

ولم يتحدث المحجوب إلى بشار خلال الشهر الماضي، لكنه يقول إنهما ناقشا الاضطرابات التي أسقطت رئيسي تونس ومصر وتهدد الرؤساء العرب الآخرين الآن، بمن فيهم الأسد. وقال : «في أعماقه أظن أنه تؤذيه مشاهدة هذه الدماء في سوريا، أنا أعلم ذلك. لقد تحدثنا عن ذلك عدة مرات، وعما كان يحدث في مصر والعنف هناك».

ان الأمر المهم الذي يجب معرفته عن الأسد، كما يقول محجوب، هو «انه لا يتأثر بالأزمات في قراراته، وانما يعمل بناءً على الأهمية، وليس الاستعجال، ويستخدم في ذلك تفكيره البراغماتي والنقدي الواضح جداً».

ومع ذلك، فقد اتسم عهده في الرئاسة بالأزمات منذ تداعيات احداث 11 ايلول (سبتمبر) على العالم العربي والإسلامي، والحرب على العراق في 2003، واغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 2005 (ما ادى الى انسحاب القوات السورية من لبنان والى فترة عزلة اقليمية ودولية مطولة خرجت منها سوريا الآن)، وكذلك الحرب «الإسرائيلية» على لبنان في 2006.

يقول برايان جيه ديفيز، سفير كندا لدى سوريا من 2003 الى 2006، ان الأسد ليس رئيساً «مبتكراً» يقدم على مجازفات او يتصرف بتسرع. وكتب على مدونة البروفيسور جوشوا لانديس الواسعة النفوذ «سيريا كومينت» : «انه (الأسد) لن يذعن قط بسهولة لأي شيء تحت الضغط». وقال ديفيز انه لم يكن من المفاجىء ان الأسد «لم يعرض أي شيء» في خطابه الذي طال انتظاره في مجلس الشعب يوم 30 آذار (مارس). وكان ذلك اول بيان علني له منذ بدء الاحتجاجات وخيب امل كثيرين كانوا ينتظرون منه ان يعلن اصلاحات واسعة النطاق. وبدلاً من ذلك القى باللوم على متآمرين اجانب وعلى القنوات الإعلامية الفضائية في تشجيع المظاهرات. وكتب ديفيز : «لقد اتخذ عدداً من القرارات التي لم تكن بالضرورة في مصلحة سوريا بدلاً من ان يذعن للي الذراع من الخارج (ويمكن رؤية خطابه في ذلك الضوء)».

بقي الأسد الى حد كبير مختفياً عن الأنظار خلال الأزمة، وهو ما يذكر بطبيعة والده الذي كان ميالاً الى الانزواء. ويتناقض هذا مع شخصيته العامة كرجل عادي يأكل في مطاعم دمشق مع عائلته الصغيرة ويتجول في الأسواق. ويقول محجوب ان هذا يعود الى كون الأسد ليس «سياسياً تكتيكياً بالمفرق. انه لا يحب التكلم من اجل إثارة الإعجاب، وانما يحب التكلم لينجز». ويقدم عبد النور تفسيراً مختلفاً. ويقول ان الأسد هو الوجه العلني لنظام الحكم، وكلما قل عدد الناس الذين يرونه الآن، قلت ارجحية ربطهم له بالقلاقل. ويضيف : «اذا فقد الأسد صورته، والإحترام الذي ما زال لدى الناس نحوه، فان النظام يكون انتهى».

اما الآن فان عبد النور لا تربطه بالأسد أي علاقة، سواء كانت شخصية او سياسية. وبقي الإثنان صديقين حميمين لعقود من الزمن بعد التخرج من الجامعة، يتناولان الطعام مع العائلة ويحضران سوية حفلات اعياد الميلاد. وقد ظل الأمر على حاله لسنوات قليلة بعد ان ورث الأسد منصب الرئاسة عقب وفاة والده في العام 2000. وارتقى عبد النور في مراتب الحزب الحاكم لينضم الى مجموعة الـ 500 من الأعضاء المدنيين في مؤتمر انصار البعث (فيما خصصت المقاعد الـ 600 الأخرى لضباط الجيش والاستخبارات)، قبل ان ينشق على النظام ويتحول الى احد كبار منتقديه، ويتولى تحرير موقع «كلنا شركاء» all4syria.org المستقل من مأمنه في دبي.

وقال ان زمرة العاملين في الاستخبارات، وهم جزء من «الحرس القديم» للنظام، أبعدوا كثيرين ممن كانوا اصدقاء ومعارف للرئيس الشاب. «فالوضع لم يقتصر عليّ شخصياً، بل شمل كثيرين من اصدقائه. كان علينا ان نبتعد، اذ قال لنا ذلك بعض الأشرار الذين لا يزالون في مناصبهم، ولذا فانني لا استطيع ان اتحدث عنهم». إلا ان الأسد نفى علناً ان تكون عناصر النظام تحجبه عن الأصدقاء.

غير ان من الواضح ان عبد النور لا يزال حزيناً تجاه رجل كان معجباً به ذات يوم، وقال مرات عدة في صيغة الحاضر اثناء حديثه مع «تايم» : «انه صديق عزيز على قلبي». وبالنسبة الى ما ستنتهي اليه الأزمة السورية قال ان على الأسد الإنسان ان يغلب نفسه على الأسد الرئيس وان «عليه ان يستمع الى صوت الشعب والى ضميره قبل ان يتصرف كرئيس، لأن ذلك سيدله الى ما عليه ان يفعله».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165447

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165447 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010