الأحد 17 نيسان (أبريل) 2011

عودة إلى «التحريك»... وأخرى إلى «التكاذب»!

الأحد 17 نيسان (أبريل) 2011 par عبداللطيف مهنا

يريد الغرب، في سياق مواجهته للتحولات العربية، حراكاً ما على صعيد ما يطلق عليه «العملية السلمية» لتصفية القضية الفلسطينية. حراكاً، ولا بأس إن كان جعجعة بلا طحن. المهم هو العودة لطحن كلام من نوع أحبولة حل الدولتين. وما يسرّع في هذا المراد هو الاستعداد لموعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو المكان الوحيد الذي من الممكن أن يطرح فيه العرب مسألة إعلان الدولة من طرف واحد، أو ما يجري التلويح به في رام الله.

نحن هنا لن نناقش مدى قيمة هذا الإعلان، إن كتب له ذلك في ظل موازين القوى القائم على الأرض إقليمياً ودولياً، لا سيما وأن قرارات الجمعية العامة هي غير ملزمة، وسبق وأن اتخذت منها قرارات وقرارات بشأن القضية ظلت حبيسة نصوصها، كما أن الاستقلال أو إعلانه فلسطينياً قد سبق وأن أعلن في مؤتمر قصر الصنبور الجزائري قبل عقدين ونيف، فمن عاد يتذكره؟

الحراك المنشود بدت اسطوانته تدور كاشفة بسهولة عن أشكاله ومضامينه وحدوده. هنا لا جديد، المهم هو الإيهام بالحراك وليترك الباقي لنتنياهو... قيل أن هناك خطة أوروبية «لتحريك العملية السياسية» طرحت في إطار مضافة رباعية بلير سارعت الولايات المتحدة إلى إفشالها. وبعد إيقاف الأوروبيين عند حدهم، تعهدت هيلاري كلنتون بتحريكها!

ولكي تظل حكاية التحريك شاغلاً لمن يأملون تحريكاً، تم الإعلان عن نية أوباما عرض ما دعى بمبادئه لتحريكها. «الإسرائيليون» تحركوا ربما للإيهام بجدية التحريك الأميركي. سارع نتنياهو لإبلاغ مركز حزب «الليكود» بأنه تلقى دعوة لإلقاء خطاب في عش الصهاينة الأميركي الكونغرس، وأنه سوف يعلن هناك بأن لا تنازلات، و«أن «إسرائيل» ستصمد ولن تخضع للإملاءات». وبغض النظر عن انتفاء وجود من يملي عليه، ولا ما يجبره على تنازل، أو على أن يتخلى عن ما يحتله ويهوّده، فالمفارقة هي في أن مثل هكذا كلام كان المفترض سماعه من العرب وليس من نتنياهو!
بالمقابل ما الذي يجري على صعيد الساحة الفلسطينية. هناك حاله هي أقرب إلى العبثية أو بعض من فصول مسرح اللامعقول تتجاذب أدواره أطراف الساحة وكل له فيه نصيب. شعبياً تعالت الأصوات مستعيرة واحداً من شعارات الحالة الانتفاضية الثورية العربية مع تحويرة، «الشعب يريد إنهاء الانقسام». بالمقابل سارع طرفا السلطة في رام الله وغزة إلى العودة لطحن ذات الكلام عن ضرورة مصالحة طرفيها أو تحقيق الوحدة الوطنية، أو إنهاء هذا «الانقسام». وبغض النظر عن كون أن المشترك الوحيد بين الطرفين هو رفع شعار ضرورة «إنهاء الانقسام»، أو، وإذا ما بحثنا فيما وراء سطور المطحون من القول، واقتربنا من النوايا، فنحن لا نجد أكثر من ما كان، أو الذي لا يبدو أنه سيكون سواه :

طرف، إلى جانب شعوره باليتم الإقليمي جراء التحوّلات العربية، تقطعت به سبل تسوية قد ذهب بعيداً في متاهاتها ولا يملك عودة عن ما أوغل فيه من تنازلات، وهو يعلم علم اليقين أن شركائه في «العملية السلمية» ورعاتها لن يسمحوا له بالانفكاك منها، وعليه، لا بأس من اللعب في الوقت الضائع، وأقله أنه يجد في ذلك سبباً من أسباب الاستمرارية.

أما الطرف الآخر فيقارب المسـألة من باب ممارسة التقية، حيث لا يريد بأن يصوّر وكأنما هو لا يريد إنهاءً لـ «حالة الانقسام» هذه، ولأنه يعلم أن إنهائها أو قيام «حكومة الوحدة الوطنية»، أو ما جرى ذكره خلال الفترة الأخيرة، لن يكون مسموحاً به إلا على أساس برنامج أوسلو، بمعنى التحاقه المستحيل ببرنامج الطرف الآخر... وربما هو يراوح مكانه انتظاراً لما تسفر عنه حالة التحولات العربية، لاسيما المصرية التي لم تصل بعد للحظة فتح معبر رفح، والتي تنشغل الآن بأولوياتها الوطنية ولم تتعداها بعد إلى القومية، أو المأمول منها والذي لا يجب ظلمها بمطالبتها إسراعاً في تحقيقه...

للأسف، نحن في الساحة الفلسطينية وبدلاً من الارتفاع إلى مستوى هذه الحالة العربية الثورية وما تشهده الأمة من تحوّل، نشهد، ومن أسف، عودة إلى خطاب تكاذب اعتادته هذه الساحة خلال حقبة ما يدعى «الانقسام» بين طرفي سلطة أوسلو. هناك لغو مستطاب حول الحوار الوطني، والوحدة الوطنية، أو «إنهاء الانقسام»، لا يلبث أن تتبعه حفلات هجاء متبادلة، وهكذا... نحن إزاء كلام حق يحول دون مصداقيته واقع موضوعي... لماذا توصيف هذا بالتكاذب؟

لأنه لا من حوار وطني حقيقي ولا من وحدة وطنية منشودة، أو «إنهاء للانقسام» في حكم الممكن، إلا على أساس برنامج حد أدنى وطني متفق عليه من جميع الفلسطينيين أرضاً وشتاتاً، يرتكز إلى المسلمات وينطلق من الثوابت الوطنية الفلسطينية، ويستند إلى نهج المقاومة، أو ورفض الإملاءات والعودة عن التنازلات وحتى ليس الكف عنها... أو هذا، الذي توحّد عليه الشعب الفلسطيني وهجره فلسطينيو التسوية وتركوه إلى نتنياهو يصدح به في عش صهاينة الكونغرس... ليس من حالة انقسام في الساحة الفلسطينية، وإنما هي حالة فرز موضوعية بين تيارين نقيضين، مساوم ومقاوم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2166047

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2166047 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010