الخميس 14 نيسان (أبريل) 2011

تراجع غولدستون لا يمحو الجرائم «الإسرائيلية»

الخميس 14 نيسان (أبريل) 2011

في مقالة نشرها في صحيفة «واشنطن بوست» 1/4، تراجع القاضي ريتشارد غولدستون، عن بعض ما جاء في تقريره عن الهجمة البربرية التي شنتها «إسرائيل» على قطاع غزة، أواخر سنة 2008 وأوائل 2009.

وكان قد أدان في تقريره تعمُّد «إسرائيل» قصف المدنيين، كما أدان «حماس» أيضاً، ولو بدرجة أقل. والآن، وبعد سحب «التهمة» ضد «إسرائيل»، تنفرد «حماس» بالإدانة.

ولعل ذلك أخطر ما في هذا التطور حتى الآن، إذ يجعل قطاع غزة مكشوفاً سياسياً ودبلوماسياً لهجمة بربرية «إسرائيلية» جديدة، قد لا يكون سقوط 19 شهيداً فلسطينياً حتى يوم الجمعة، 8/4، أسوأ بوادرها.

في موقع «أوروك نِتْ» (5/4/2011)، كتب جوناثان كوك، الكاتب والصحافي المقيم في مدينة الناصرة (فلسطين المحتلة 1948) : لم يُخفِ الزعماء «الإسرائيليون» ابتهاجهم بمقالة رأي نشرها يوم الجمعة الماضي في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، القاضي الجنوب إفريقي، ريتشارد غولدستون، ويعيد فيها النظر في ما توصّلت إليه تحقيقاته بتكليف من الأمم المتحدة، في هجوم «إسرائيل» على غزة أواخر سنة 2008.

ويضيف الكاتب، أن تقرير غولدستون، أجبر «إسرائيل» على مدى الشهور الثمانية عشر الماضية، على الوقوف موقف الدفاع، بعد أن توصّل إلى أن جيشها قد ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أثناء عملية «الرصاص المصهور» التي استغرقت ثلاثة أسابيع، وأدت إلى استشهاد نحو 1400 فلسطيني بينهم مئات من النساء والأطفال.

ويذكُر الكاتب أن ما كان يقلق المسؤولين «الإسرائيليين»، هو أن تقرير غولدستون، قد يمهد السبيل لإجراء محاكمات لجنود «إسرائيليين»، في محكمة الجنايات الدولية، في لاهاي، بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

وفي ما يشبه تراجعاً جزئياً عن بعض استنتاجاته ضد «إسرائيل»، كتب غولدستون في مقالته المذكورة، أنه كان سيكتب التقرير بطريقة مختلفة، لو تعاونت «إسرائيل» معه وقت إجراء التحقيق.

ويهوّن الكاتب من شأن تصريحات غولدستون الجديدة، ويقول إنّ «إسرائيل» تودّ بالتأكيد أن يفسر المراقبون تعليقات غولدستون الأخيرة، على أنها تبرئة لها. ولكن غولدستون، في واقع الأمر، طرح من المواساة لـ «إسرائيل»، أقل بكثير مما يدّعي أنصارها.

فاتهام الجنود «الإسرائيليين» بارتكاب جرائم حرب، كما ورد في التقرير، مايزال على حاله، وكذلك الأمرُ، مع انتقاد استخدامِ «إسرائيل» أسلحةً غير تقليدية مثل الفسفور الأبيض، وتدميرِ المملتكات على نطاق جماعي، واستخدامِ المدنيين دروعاً بشرية.

ويستغرب الكاتب اعتماد غولدستون في تعديل رأيه على تحقيقات «إسرائيل» العسكرية، على الرغم من عدم إعلان أي أدلة منها حتى الآن.

وينقل الكاتب عن رينا روزنبيرغ، مديرة مركز العدالة القانوني في «إسرائيل»، وهو منظمة مناصرَة دولية، تتولى مراقبة التحقيقات «الإسرائيلية» نيابة عن الجماعات القانونية الفلسطينية، قولها : إنّ «إسرائيل» سعت إلى تركيز النقاش برمته على ما إذا كانت قد قصدتْ قتل مدنيين، وكأن جريمة الحرب لا تعتمد إلاّ على القصديّة.

وأشارت روزنبيرغ، إلى أن هنالك معايير مهمة أخرى في القانون الدولي، لتخمين جرائم الحرب، ومن بينها الإهمال، والاستخفاف بسلامة المدنيين، واستخدام القوة دون تمييز.

ويشير الكاتب إلى استغراب المراقبين، من تغيير غولدستون رأيَه، حيث لم تظهر أي معلومات جديدة منذ نشر التقرير، تبرّر ذلك.

ويقول الكاتب إن توقيت مقالة غولدستون، يثير قلقاً إضافياً لدى جماعات حقوق الإنسان «الإسرائيلية» والفلسطينية، من احتمالِ رضوخِه لضغط سياسي.

ففي أواخر الشهر الماضي، كان مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، (الذي أنشأ لجنة تقصي الحقائق برئاسة غولدستون)، قد أوصى بأن تحيل الجمعية العامة للأمم المتحدة، تقرير غولدستون إلى مجلس الأمن - ويشكل ذلك، المرحلة الحاسمة في مسيرة التقرير نحو محكمة الجنايات الدولية.

ومن المتوقع أن تعترض الولايات المتحدة، التي تُصرّ باستمرار على معارضة تلك الإحالة، سبيل تقدم التقرير نحو محكمة الجنايات الدولية، وهذا مما يزيد في إحراج واشنطن بعد استخدامها الفيتو الأخير في مجلس الأمن، ضد قرار فلسطيني بشأن المستوطنات «الإسرائيلية».

ويقول الكاتب، إن مقالة غولدستون، زودت «إسرائيل» والولايات المتحدة بسلاح جديد للنيل من صدقية التقرير قبل أن يصل إلى مجلس الأمن.

وفي صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» (5/4/2011)، وضمن افتتاحية لها، اعتبرت الصحيفة غولدستون مخطئاً في تقريره، وقالت إن الاعتراف بالخطأ فضيلة (!!).

ولكنها لا تعتبر الأمر بهذه البساطة. فالتقرير الأصلي، يحتوي 575 صفحة من التفاصيل الدامغة : هجمات على مساجد، ومستشفيات، ومبانٍ سكنية، ومخيمات للاجئين. وقد قامت لجنة تقصي الحقائق بثلاث زيارات للمنطقة على مدى أربعة أشهر، وأجرت 188 مقابلة، واستعرضت 300 تقرير، واستمعت إلى شهادات، وعقدت جلسات استماع علنية. وفي الحالة تلو الأخرى، ادعى التقرير النهائي أن المدنيين الفلسطينيين قد استهدِفوا من قِبل «إسرائيل» في انتهاك لمجموعة من القوانين الدولية .. فهل يكفي تراجع غولدستون في مقالة مقتضبة لدرء كل هذه «التهم الباطلة» عن «إسرائيل»؟ كلاّ، بطبيعة الحال، ولذا فإن عليه أن يقدم تفسيراً أكثر تفصيلاً ... وإذا كان مؤمناً بتقديراته السابقة بصدق، ولكنه اقتنع بخطئها الآن، نتيجة للتحقيقات «الإسرائيلية»، فينبغي عليه أن يُطلع العالم على الحقائق التي جعلته يغيّر رأيه.

ورأت صحيفة «الغارديان» (6/4/2011) في افتتاحية لها، أن تراجع غولدستون لا يعني بطلان ما جاء في التقرير. فقد كان التقرير عمل لجنة جماعية، ما يزال أعضاؤها مؤمنين بما توصّوا إليه، عبر الحقيقات ومعاينة الواقع.

تقول الصحيفة، إنّ اثنين من ثلاثة أعضاء في لجنة غولدستون، يختلفون مع رئيسهم في تراجعه عن رأيه.

فقد قالت هينا جيلاني التي عملت في مهمة مماثلة لتقصي الحقائق في دارفور، إن شيئاً لم يغير جوهر التقرير الأصلي، وكذلك كان موقف زميلها، ديزموند ترافيرس، الخبير في التحقيقات الجنائية الدولية.

وتقول الصحيفة إن غولدستون انبتَّ عن زملائه في المهمة التي كانوا مكلفين بها. ولذا يستحق الأمر العودة إلى التقرير الأصلي.

وتقول الصحيفة إن الإدعاء الوحيد الذي تراجع عنه هو المتعلق بالهجوم على عائلة السموني الذي أودى بحياة 22 فرداً منها، بعد التجائهم إلى مبنى في حي الزيتون بناءً على تعليمات الجنود «الإسرائيليين». ولكن هنالك 35 حادثاً آخر، أجرى فريق غولدستون تحقيقات فيها. وقد وجد سبع حالات تم فيها إطلاق النار على مدنيين خرجوا من بيوتهم وهم يلوحون بأعلام بيضاء؛ وهجوماً مباشراً ومتعمداً على مستشفى، قد يرقى إلى مرتبة جريمة حرب؛ والعديد من الحوادث التي مُنعت فيها عربات الإسعاف من نقل جرحى إصاباتهم خطرة؛ وتسع هجمات على بنى تحتية مدنية ليس لها أي قيمة عسكرية، مثل مطاحن القمح، ومزارع الدواجن، وتمديدات الصرف الصحي وآبار المياه، وكل ذلك جزء من حملة لحرمان المدنيين من الضرورات الأساسية.

وتقول الفقرة الرئيسة في التقرير «تستنتج البعثة أن أداء القوات المسلحة «الإسرائيلية» يشكل انتهاكات خطرة لاتفاقية جنيف الرابعة، في ما يتعلق بعمليات القتل الطوعية، والتسبب عن عمد في معاناة كبيرة للسكان المدنيين. وفي ما يخص عائلة السموني، يذكر التقرير، أنه حتى لو كان الأمر ناجماً عن خطأ خاص بالعمليات، واستنتجت البعثة أن خطأ ما قد وقع، فإن ذلك لا ينفي “مسؤولية دولة «إسرائيل» عن هذا العمل الخاطئ.

وتقول الصحيفة، إن التقرير لم يدّع أن «إسرائيل» قد تعمدت قتل المدنيين. بل قال إن عملية الرصاص المصهور كانت «غير متناسبة عن عمد» وأنها هدفت إلى «المعاقبة والإذلال والترويع». وتقول الصحيفة إن هذه التهم تظل على حالها. ومما لا شك فيه أن الحرب غير المتناسبة كانت سياسة اتبعتها الدولة اليهودية.

وتضيف الصحيفة، إن قتل الرسول أسهل دائماً من التعامل مع الرسالة التي يحملها. وفي هذه المرة، كان للرسول شرف إطلاق النار على نفسه. ولكن ذلك لا يغير حقيقة ما حدث في غزة، ولا حقيقة ما سيجري عندما تندلع الحرب المقبلة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 4 / 2166096

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2166096 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010