الخميس 14 نيسان (أبريل) 2011

حرب «إسرائيلية» على الذاكرة الفلسطينية

الخميس 14 نيسان (أبريل) 2011

تدعي «إسرائيل» أنها دولة ديمقراطية، ثم تشرّع قوانين تمييزية تستهدف «مواطنيها» الفلسطينيين. وأحدث هذه القوانين هو ما عرف باسم «قانون النكبة»، الذي يحاول منع الفلسطينيين حتى من تذكر نكبة 1948. وهذا ما اعتبره الصحافي والكاتب الفلسطيني رمزي بارود بمثابة حرب على الذاكرة الفلسطينية، وذلك في مقال كتبه في موقع «فلسطين كرونيكل» (يوميات فلسطين)، وجاء فيه :

يفتخر المواطنون الفلسطينيون في «إسرائيل» بواقع أن تماسكهم الجمعي كان دائماً أقوى من أية محاولة «إسرائيلية» لإخراجهم من سرد روايتهم المحقة للتاريخ. والآن يطلب منهم أن يكفوا عن إحياء النكبة نكبة فلسطين 1948 التي شهدت الاستيلاء الوحشي على الجزء الأكبر من فلسطين وإفراغه من سكانه من أجل بناء «المعجزة الإسرائيلية».

الفلسطينيون الذين يحملون الجنسية «الإسرائيلية»، الذين يقدر عددهم بخمس سكان «إسرائيل» اليوم، عانوا من معاملة مرعبة على مدى عقود. وبحكم كونهم مسلمين ومسيحيين، كان ينظر إليهم على أنهم شذوذ في ما كان يراد له أن يكون يوطوبيا يهودية خالصة تحكمها قوانين الديمقراطية. وهذه هي المعضلة التي لم تستطع «إسرائيل» أبداً حلها، حيث إن مواطني «إسرائيل» غير اليهود شكلوا عقبة كبرى أمام تلك الرؤية.

ومسألة ما الذي يجب عمله بشأن المواطنين الفلسطينيين في «إسرائيل» كانت دائماً تقلق الساسة «الإسرائيليين». فمن قوانين تمييزية، إلى استيلاء غير شرعي على أراضٍ فإلى العنف، فشل كل شيء في ردع الفلسطينيين عن المطالبة بالمساواة، وعن فضح التناقض الأخلاقي في ديمقراطية «إسرائيل» الانتقائية وتاريخها المشكوك فيه.

وفوق ذلك، فإن كل المحاولات لتحطيم الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال سن مجموعات قوانين مغايرة للفلسطينيين في «إسرائيل»، والقدس، والضفة الغربية وغزة، ولملايين آخرين في الشتات لم تستطع تشويه الإحساس الفطري بالتضامن والانتماء الذي تشعر به المجتمعات الفلسطينية تجاه بعضها بعضاً. وعندما يلتقي نشطاء فلسطينيون في القدس، أو الجزائر أو لندن، فإن المرء يعجز عن أن يستشف أية خطوط فاصلة، أو تفاصيل بطاقات هوية، أو أية أشكال يائسة أخرى من أشكال التصنيف التي تستخدمها «إسرائيل»، فعندما يلتقي فلسطينيون، تظهر بوضوح تفاهة القوانين التي تحاول «إسرائيل» من خلالها إحداث فرقة.

وقد قالت جمعية حقوق الإنسان «الإسرائيلية» في بيان أصدرته حديثاً إن «الساسة «الإسرائيليين» تجاهلوا مفهوماً أساسياً في الديمقراطية، وهذا البيان كان رداً على مصادقة البرلمان «الإسرائيلي» على مشروع قانون «يجيز للمحاكم إسقاط جنسية أي شخص يدينه القضاء بتهم التجسس، أو الخيانة، أو مساعدة أعداء «إسرائيل»». وهذا التعديل الأحدث لقانون المواطنة الصادر عام 1952 يستهدف السكان الفلسطينيين في «إسرائيل» مثله مثل سلسلة طويلة من مشروعات القوانين التي عرضت على الكنيست، التي تم إقرار العديد منها.

ومشروع القانون الجديد هذا، الذي أقر في 28 مارس/آذار، رعاه حزب «إسرائيل بيتنا» الذي يتزعمه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، ومعروف أن الشعار الرئيسي الذي رفعه ليبرمان خلال حملته الانتخابية عام 2009 كان «لا مواطنة من دون ولاء». ومشروع القانون الذي عرضه إنما هو تعبير عن هذا الشعار.

إلا أن مشروع القانون هذا ليس الوحيد الذي استهدف المواطنين الفلسطينيين في «إسرائيل». فقبل أيام فقط من إقرار مشروع قانون ليبرمان، كان الكنيست قد تبنى مشروع قانون آخر عرف باسم «مشروع قانون النكبة» وتبناه عضو الكنيست عن حزب «إسرائيل بيتنا» أليكس ميلر. وقد تم إقرار القانون في قراءته النهائية في 22 مارس/آذار. وهذا القانون يمكن تفسيره على أنه حرب على الذاكرة الجمعية للفلسطينيين، حيث إنه يستهدف أولئك الذين يعلنون عن تاريخ نكبة 1948 ويحيون ذكراها.

وكان رد جمال زحالقة، العضو العربي في الكنيست عن كتلة بلد «حزب التجمع الوطني الديمقراطي»، على إقرار مشروع القانون، هو تأكيده «نحن مستعدون للذهاب إلى السجن. قانون النكبة لن يوقف العرب، بل إننا سنكثف احتجاجاتنا». وقد حذر زحالقة من «ثورة مدنية» ضد مشروعات القوانين الأخيرة.

ومن جهتها، قالت حنين الزعبي، وهي أيضاً عضو في الكنيست عن كتلة بلد، في مقابلة مع موقع انتفاضة الكترونية «هذا قانون من نوع يستهدف التحكم في ذاكرتنا، التحكم في ذاكرتنا الجمعية. إنه قانون شديد الغباء يعاقب مشاعرنا. ويبدو أن تاريخ الضحية يهدد الدولة الصهيونية».

ربما يكون قانوناً غبياً، ولكنه قانون يعود في جذوره إلى الخوف التاريخي لـ «إسرائيل» من الذاكرة الفلسطينية. وفي الواقع، فإن محاولات طرد السكان الفلسطينيين أو إنقاص أعدادهم عنوة هي حجر الزاوية في التفكير الصهيوني من «الجدار الحديدي» الذي تصوره فلاديمير جابوتنسكي [*(1)*] عام 1923 الذي استهدف استبعاد «السكان المحليين» من مشروع «الاستعمار الصهيوني» في فلسطين وحتى أمنية يوري لوبراني في «تحويل السكان العرب إلى جماعة من الحطابين والنُدل». وهذا التفكير الذي يرتكز أساساً على تصوير فلسطين على أنها «أرض بلا شعب»، كثيراً ما يصطدم بواقع أن الشعب الفلسطيني أكثر صلابة من أن يقطع علاقته التاريخية، والفكرية، والشخصية جداً بأرضه. وهذا الثبات يكذب ويسخر من التوقع الخاطئ في عام 1948 لأول رئيس وزراء لـ «إسرائيل» ديفيد بن غوريون أن «كبار السن (من الفلسطينيين) سوف يموتون والشبان سوف ينسون».

ومع أن القوانين العنصرية والتمييزية طبعت الكنيست «الإسرائيلي» على مدى سنين، فإن الطبيعة المتعصبة الواضحة لهذه القوانين، والتواتر الذي كان يتم إقرارها به، يعكسان مدى الخوف داخل المشروع الصهيوني.

إن العقبة الكبرى أمام هذا المشروع تبقى شعباً يرفض أن يهزم أو أن ينزل إلى مرتبة «حطابين ونُدل». و«إسرائيل» اختارت بالتأكيد أن تكون دولة يهودية لكي تحل إشكالية كونها دولة يهودية وديمقراطية معاً. فليس هناك أي شيء ديمقراطي في أحدث مشروعات القوانين التي أقرت في الكنيست. ولا يمكن إطلاقاً حل هذه الأزمة الأخلاقية الملازمة للسياسة «الإسرائيلية».

في 2 مارس/آذار، أعلنت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن الدبلوماسي «الإسرائيلي» المخضرم إيلان باروخ استقال من منصبه قائلاً إنه لم يعد يستطيع الدفاع عن السياسة «الإسرائيلية». ويبدو أن باروخ اتخذ قراره في اللحظة الحرجة، حيث إنه سيكون من العسير حقاً الاضطلاع بمهمة محاولة تبرير حرب «إسرائيل» على الذاكرة الفلسطينية.

[*(1)*] [**فلاديمير جابوتنسكي (1889 - 1940) كان منظراً صهيونياً مغالياً في العنصرية والتطرف، وقد اسهم في إنشاء «الفيلق اليهودي» كجزء من الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى، وأسس منظمة صهيونية إرهابية
باسم «منظمة الدفاع الذاتي اليهودية».*]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

- **المصدر : صحيفة «الخليج» الاماراتية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165870

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165870 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010