الاثنين 11 نيسان (أبريل) 2011

سوريا ومصيدة المربع الأمني

الاثنين 11 نيسان (أبريل) 2011 par سمير الحجاوي

الاحتجاجات الشعبية السورية بدأت تتحول من «صرعة» كما وصفها الرئيس السوري بشار الأسد إلى «صراع» يتمدد أفقيا وعموديا، فهي من جهة صراع في الشارع بين المطالبين بالإصلاح أو التغيير وبين المتشبثين بإبقاء الوضع الراهن عما عليه، وهي من جهة أخرى تتبدى من خلال «التباينات» على مستوى صناعة القرار الرسمي، وهي تباينات دقيقة تكاد تكون غير مرئية إلا لمن يضعها تحت المجهر، مما قد يشير إلى محاولات «شد وجذب» بين أكثر من طرف، على صعيد طرح الحلول لما يجري في سوريا.

فالوعود التي أغدقتها مستشارة الرئيس بثينة شعبان في وقت مبكر من اندلاع الاحتجاجات والتي تتضمن «محاربة الفساد وإنهاء قانون الطوارئ وإعداد مشروع لقانون الأحزاب وقانون جديد للإعلام وتعزيز سلطة القضاء ومنع التوقيف العشوائي»، تبخرت بسرعة بعد أن بددها بشار الأسد بعد أيام، وظهر رافضا «إملاءات» المتظاهرين المطالبين بالحرية، وأن أحدا لن يكون قادرا على لي ذراعه، ولن يقدم أي تنازلات تحت الضغط، وهو ما ذكره صراحة في خطابه أمام مجلس الشعب السوري،

هذا الموقف للأسد يأتي منسجما مع تصريحات أدلى بها صحيفة «وول ستريت جورنال» نشرت في يناير كانون ثاني الماضي قال فيها «إن التسلسل الهرمي الحاكم في سوريا يرتبط ارتباطا وثيقا بمعتقدات الشعب وانه لا يوجد سخط جماهيري ضد الدولة»، وانه «لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه ولكي نكون واقعيين علينا أن ننتظر الجيل القادم لتحقيق هذا الإصلاح» معطيا الأولوية للأمن بقوله : «هكذا يصبح الأمن أولا،وكيف يمكنك تحقيق استقرار بلدك وكيف يمكنك حماية مجتمعك من المتطرفين ثانيا الاقتصاد هذه الأولوية الثانية الملحة».

هذه هي المقتطفات الكاملة من حوار الأسد مع الصحيفة أوردتها كاملة لكي لا اترك أي مجال لإخراج النص عن مقصده، وهي تعبر بشكل واضح عن أولويات الرئيس الأسد : «الأمن أولا»، وربما هذا يفسر جزئيا لماذا نزلت الدبابات إلى مدن درعا واللاذقية وبانياس، ولماذا غادرت القيادة السياسية السورية «المربع السياسي» الذي تحدثت عنه بثينة شعبان إلى «المربع الأمني»، لتيار آخر في القيادة يرى أن الحل هو في المواجهة وليس الحوار.

اللفتة الثانية من «المشهد السياسي المرتبك» عبر عنها إقالة الأجهزة الأمنية رئيسة تحرير صحيفة «تشرين» الحكومية سميرة المسالمة من منصبها على خلفية لقاء مع قناة «الجزيرة»، وهذا يضفي الكثير من التساؤلات عما يجري، فتعيين رئيس تحرير صحيفة في سوريا قرار يتخذ على أعلى المستويات، فهو منصب أهم من معظم الوزراء في الحكومة وبالتالي فإن إقالتها هو قرار كبير أيضا، ولا شك أن إقالة سميرة المسالمة، ضربة تحت الحزام، هزت صورة النظام في وقت يحتاج فيه إلى الظهور بمظهر الثابت والمتماسك، وهي إقالة تم إخراجها بشكل رديء تثبت أن «الأجهزة الأمنية» تتحكم بالمفاصل، وأنها الطرف الآخر الذي حاول أن يلعب من وراء الستار، لكنها ظهرت على المسرح بإقالة رئيسة تحرير كانت يجب أن تتم من قبل وزير الإعلام وليس مسؤولا أمنيا.

رئيسة تحرير صحيفة «تشرين» المقالة في مقابلتها لم تكن معارضة بل عبرت عن دعمها للرئيس السوري ودعت لمحاسبة من قتل متظاهرين بقولها : «إن كان إطلاق النار قد بدا من الجهات الأمنية فعلينا فعلا أن نحاسب هذه الجهات ونبحث عن الأسباب التي جعلت هذه الجهات تخالف»، الأوامر الرئاسية بعدم إطلاق الرصاص. و«إن كان هناك طرف ثالث وأنا اعتقد بطرف ثالث، فعلى الجهات الأمنية أن تقدمه إلى الناس، هذه أرواح شعب ولا يمكن التسامح فيها»، وحملت الأجهزة الأمنية مسؤولية ما يحدث صراحة وقالت : «احمل قوات الأمن المسؤولية، عليهم أن يمسكوا بهذه العصابات إن كانت موجودة وأن يقدموها للمحاسبة».

المسالمة كشفت أنها «اتصلت مع بعض المثقفين المعارضين لإقامة حوار حول الإصلاحات السياسية والحريات العامة لكي تأخذ السلطات علما بها»، في إشارة إلى أنها تسير في نفس طريق الحوار للمستشارة بثينة شعبان، لوقف انزلاق سوريا إلى «مربع اللاعودة»، إلا أن هذه الجهود أحبطت في مهدها، لصالح «الحل الأمني والرصاص والدبابات»، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، وحول الشعارات المرفوعة من «اعتصام.. اعتصام حتى إصلاح النظام» إلى شعار «الشعب يريد تغيير النظام»، ورافق ذلك تصعيد في لغة النظام وصلت إلى حد وصف المتظاهرين بأنهم «مخربين ومندسين ومتآمرين ومثيري الفتن ينفذون أوامر خارجية وأجندات أجنبية».

الاحتجاجات السورية المستمرة منذ ما يقارب الشهر لم تصل إلى حد الثورة الشاملة رغم تمددها إلى معظم المدن باستثناء دمشق وحلب، وإذا ما استمرت التظاهرات فإنها قد تحفز المترددين على المشاركة في الاحتجاجات الشعبية الأمر الذي قد يقابله لجوء السلطة لاستخدام مزيد من العنف ضد المتظاهرين.

ما يجري في سوريا، بعد شهر من التظاهرات، تجاوز طروحات «جناح الحوار» في السلطة خلال الأسبوع الأول من الاحتجاجات، وسيجعل من الصعب «لملمة» الوضع وإقناع المتظاهرين بالطروحات الإصلاحية السابقة، وتجارب الثورات في تونس ومصر واليمن سيجعل من «رحيل النظام» هو مطلب الناس ولن تقف المطالب عند حدود مطالب الإصلاح التي كان ينادي بها الناس في الأيام الأولى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165786

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165786 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010