الأحد 10 نيسان (أبريل) 2011

الالتزام ووحدة الثوار

الأحد 10 نيسان (أبريل) 2011 par د. كلوفيس مقصود

أصبح مسلماً به أن دوافع الانتفاضات المتتالية في العديد من أقطار الدول العربية متشابهة ومستوى نجاحها متفاوت. هذا الوضع يشكل تحدياً لقيادات وطلائع هذه الثورات من خلال الحوار الصريح والنقد الذاتي، إضافة إلى الاحتفال بالإنجازات حتى تستقيم مناعة مسيرة النهضة بحيث يرتبط إنجاز ما لا نريد بإيناع خميرة ما نريد.

إن هذا التوجه هو مخزون ما تنطوي عليه الانتفاضات المتباينة في تجاربها وإن كانت التجارب الناجحة أدت إلى عدوى الإلهام لتمكين الشعوب من اختراق حواجز الظلم وطبائع الاستبداد، وقد حان الوقت إلى أن تستقوي الشعوب المنتفضة بعضها ببعض، وأن تكون الثورات التي أنجزت مستعدة إلى مساعدة الانتفاضات التي لا تزال متعثرة كليبيا واليمن. فمثلما عدوى الانتفاضات تحققت بنسب متفاوتة، كذلك الأمر إذا لم يسرع النجاح الثوري بتصويب مسارات التعثر قد تصبح هناك إمكانية بأن عدوى الإخفاق قد تصبح كعدوى الاستقواء المتبادل. من هنا تتأكد حقيقة راسخة أهملت عندما تشرذم النظام العربي، إن الوحدة المتوخّاة تنبثق من رسوخ الثوابت الكامنة في الوجدان العربي والتي عند استكمال رؤاها تجعل المناعة التي تمكّن الأمة أن تتكيف مع المتغيرات والمستجدات الحاصلة عالمياً وعربياً.

لذا بغية الإسهام في ترجيح «الربيع العربي» على «الخريف العربي» علينا جميعا أن نخرج من حالة الإلهام والانشراح بما أنجز إلى حالة الالتزام بما يجب أن يكون. من هنا يكون لزاماً أن تدرك الطلائع الشبابية من جهة والمستنيرة من الأجيال الأخرى مسؤوليتها المباشرة باستيعاب التعقيدات القائمة والتعامل معها بموضوعية تتسم بصبر الثوار حيث لا محاولة للمزايدة أو المناقصة في حواراتهم، ومن ثم في إدارتهم للتعقيدات واستيعاب تداعياتها والحيلولة دون أن تخترق حصانة الثورة ووحدة الثوار. بعض الأمثلة على هذا هو الالتباس القائم في فهم ما هو حاصل في ليبيا بمعنى أن ثورة التغيير المطلوب إنجازها بإلحاح نظراً للطبيعة اللاعقلانية للنظام القائم وشراسة ممارساته وعدم التزامه بضوابط موضوعية إنسانية، استعانت بمجلس الأمن الذي استصدر قرارات تلبي المبدأ القانوني الدولي الموصوف «مسؤولية الحماية» للمدنيين. قد يكون تكليف «الناتو» بما عرف عن هذه المؤسسة في الماضي من تحيز وعدم الالتزام بكثير من قوانين دولية وفي أيام الحرب الباردة خدمة لمصالح الغرب. أجل كل هذا من شأنه أن يستولد قلقاً عند الكثير من الثوار العرب ولكن هذا القلق يجب أن يعالج بضغوط على أن تبقى أهلية العمل العسكري الذي تقوم به عرضة للمساءلة والمراقبة من قبل من مكنها القيام بمسؤولية حماية المدنيين . الذي حصل أن توازن القوى العسكرية بين طاقات النظام الليبي وإمكانات الثوار كان مفقوداً إلى حد كبير، ما جعل الحاجة الملحة لتأمين حماية المدنيين بشكل سريع اجتناباً لمجازر محتملة وتمهيداً لتعديل في التوازن المطلوب الذي يوفر الامتثال الذي قد يسرع في تنفيذ بنود قراري مجلس الأمن 1970 و1973. وعندما يتمكن ثوار ليبيا من استكمال إنجازهم وتأمين وحدة ليبيا عندئذ تكون الحلقة المفقودة بين ثورتي تونس ومصر قد استكملت إلى حد كبير في منطقة المغرب العربي الكبير. إذن أعتقد أن علينا أن نتفهم دوافع القلق، ولكن يجب ألا يتحول هذا القلق إلى حالة مشروعة في مثل هذه الظروف وهو قد يكون إحدى نتائج التعقيدات والاستثناء المرشح للتصحيح والاستيعاب.

في الأسبوع الأخير حصل بعد مظاهرات الملايين من الشعب اليمني المطالبين بترحيل النظام القائم وبدايات انهياره من الداخل أن أبدت الولايات المتحدة توجساتها من طبيعة البديل أكان في ليبيا أم في اليمن. ومن هنا كان الالتباس في الموقف الأمريكي من تسريع العديد من هذه الانتفاضات التي قامت لا رغبة في بقاء الأنظمة بقدر ما كان بسبب جهلها لحيوية الانتفاضات وبرامجها ومكوناتها المغيّبة عنها. يضاف إلى ذلك الأزمة الاقتصادية والمالية التي تجعل الأولويات لمعالجة القضايا التي تفرزها هذه الأزمات تركز على الربط بين ما تعلنه من التزام بمبادئ الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وبين مقتضيات ما تعتبره واقعية المصالح الاستراتيجيه والاقتصادية في عديد من الدول التي توصف «بالمعتدلة أو المستقرة». نشير إلى هذه التعقيدات مرة أخرى لأن إدارتها تتطلب الحكمة وما أشرت إليه بالصبر الثوري حتى تستطيع إدارة التعقيدات أن تعي كيفية تمرحل العقبات لإنجاز رؤاها وبرامجها الإصلاحية المتفق عليها. الأهم في هذا الشأن هو أن نبقي نصب أعيننا آثار هذا «الربيع العربي» على كيفية تعامل «إسرائيل» مع هذا الربيع، فهي كانت دوما تتوقع أن يبقى الركود العربي هو الضمان لاستكمال أهداف المشروع الصهيوني. من هنا جاء تصريح وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية لمصر نبيل العربي يلخص بأن أي عدوان لـ «إسرائيل» قد تقوم به لن يكون منفلتا من العقاب. وتنطوي هذه التصريحات على بدايات الردع العربي لتمادي «إسرائيل» في استباحة حقوق الشعب الفلسطيني، وأن الالتزامات الغابنة التي كان يمارسها النظام السابق في مصر من تسهيلات في موضوع الغاز على حساب الشعب المصري وغيرها من تسهيلات لم يتسامح معها الشعب المصري. كل هذه تدل على مؤشر النضج والحكمة في إدارة التعقيدات وما تنطوي عليه من ضرورات التمرحل، بمعنى آخر أن مصر هي في طريق استعادتها كبوصلة متميزة ومرجعية موثوقة للعمل القومي العربي.

نشير إلى هذا الواقع المعقد لأن إدارته التي تتطلب كما أشرنا الصبر الثوري هي التي تحول دون الاضطرار في مرحلة لاحقة إلى إدارة الفوضى. فالانضباط في هذه المرحلة التي يتربص فيها خصوم العرب وأعداؤهم لإجهاض احتمالات النهضة العربية الواعدة تستوجب أن نوفر المناعة للحراك المطلوب، وأن يتم تفعيل إجراءات وحدوية مدروسة مثل السوق العربية المشتركة وتوفير الفرص لنقل المجتمعات العرقية والطائفية والمذهبية والقبلية من حالة التفكيك إلى حالة المواطنة. لعل هذا هو المدخل لتحصين ما هو متوفر إلى صيرورة النظام العربي البديل. يستتبع ذلك أن الدعوة للكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لا تعود مصطلحات مثالية بل برامج عملية. فالنهضة هي حصيلة جعل المثالية واقعية سائدة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 46 / 2180742

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2180742 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40