السبت 9 نيسان (أبريل) 2011

نهاية زمن «سلام الأموات»

السبت 9 نيسان (أبريل) 2011 par زكريا محمد

على مدى ستين عاماً، قامت السياسة الأميركية تجاه المنطقة العربية على مبدأ أساسي واحد : دفع هذه المنطقة عبر كل أنواع الضغوط لتحقيق سلام مع «إسرائيل». دفعها بالدم والحديد والنار والضغوط والعقوبات، نحو هذا السلام. وتحت اسم (عملية السلام)، ومبادرات هذا السلام التي تتجدد كلما بدا أنها خبت، صارت المنطقة رهينة سياسة السلام مع «إسرائيل». فمن وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن هذه المنطقة لا تستطيع أن تتدبر نفسها إلا من موقع العلاقة مع «إسرائيل». لا يمكن رؤيتها إلا من خلال هذه العلاقة. أي أن «إسرائيل» هي جوهر المنطقة، وجوهر وجودها.

بدأ هذا منذ السد العالي - بل وقبله حتى. فحتى يحصل ناصر على تمويل للسد العالي في مصر، كان عليه أن يقيم صلحاً مع «إسرائيل». وإن لم يقمه لن يحصل على فلس واحد، ولتغرق مصر تحت الفيضانات.

ثم تطور الأمر فصار على النحو التالي : لا يستطيع أي طرف كل طرف من الأطراف في المنطقة حماية رأسه إلا بالسلام مع «إسرائيل». الصلح مع «إسرائيل» هو وسيلة الأمان الوحيدة.

لم تكن السياسة الأميركية تجاه المنطقة سياسة البحث عن حلول بين أطراف متصارعة، بل كانت سياسة البحث عن سلام. السلام هو المهم، وليس الحلول التي تلبي المطالب المتعارضة. السلام، حتى لو كان سلام الأموات. وبالفعل، فإن كل (سلام) تم تحقيقه مع «إسرائيل» كان سلام أموات. ويتكشف الآن أكثر من أي وقت مضى أن سلام «إسرائيل» مع مصر السادات ومصر مبارك كان سلام أموات. يجب أن تكون مصر ميتة حتى يصنع السلام معها. يجب أن تموت مصر عطشاً إلى قطرة غاز، في الوقت الذي يمتلئ بطن «إسرائيل» من أنابيبه كي يحصل هذا السلام.

يجب أن يقيم الفلسطينيون سلطة تحت الاحتلال فيها مائة ألف رجل أمن لحماية «إسرائيل» كي يحصل السلام. «إسرائيل» تنهب الأرض وتبني عليها المستوطنات، وتحصل في اللحظة عينها على مائة ألف رجل أمن فلسطيني تمنع أي تطاول فلسطيني على المستوطنين وأمنهم. هذا هو سلام الأموات.

سلام الأموات لا الحلول كان عنوان سياسة أمريكا طوال ستين عاماً.

لكن زمن هذا السلام آخذ بالانحسار في ما يبدو. فالقبضة الأميركية تتراخى منذ سنوات، بحيث لم تعد قادرة على إرغامنا على اتفاقيات (سلام أموات) جديدة. حتى أنها لم تعد قادرة على توفير الحماية اللازمة لعريقات كي يتابع سياسته القديمة : سياسة الحياة مفاوضات.

ثم إنه اتضح المدى الذي يمكن لقوة «إسرائيل» أن تصله في حرب عام 2006 المجيدة في لبنان. هناك سقط السيف من يد جنرالات «إسرائيل». ارتجفت اليد القوية وسقط سيفها للحظات. هذه اللحظات كافية لتحدث زلزالا هائلا أكبر من زلزال اليابان الأخير. زلزال بمقياس 9 درجات على مقياس ريختر. الكل شعر بالزلزال من الرياض، إلى القاهرة، إلى الدار البيضاء، إلى واشنطن.

ويمكن للمرء، وبقدر من الجرأة، أن يقول إن أحداث تموز 2006 مهدت بقوة لأحداث ثورة 25 ينار 2011 في ميدان التحرير. فقد زلزل تموز 2006 القاعدة التي قام عليها (سلام الموات). ذلك أن قدرة الولايات المتحدة على ضبط المنطقة بسياسة (سلام الأموات) كانت تستند ليس إلى قوتها فقط، بل إلى وجود السيف في يد «إسرائيل»، وإلى ثبات هذه اليد وعدم ارتجافها. وحين تراخت قبضة أمريكا، وارتجفت يد «إسرائيل» أمام حسن نصر الله، ارتجت العروش كلها، عروش (سلام الأموات). لم يكن نصر الله ينتصر على «إسرائيل» في تموز 2006، بل ينتصر على (سلام الأموات). وحين اهتز سلام الأموات اهتزت عروشه كلها.

الآن، ومهما كان تشويش الوضع وغموضه، فإنه يمكن القول بثقة إن زمن (سلام الأموات) انتهى عملياً. المنطقة الآن لا تبحث عن السلام. بل تبحث عن حلول متوازنة. تبحث عن الحقوق وعن المظالم. عملية السلام تستبدل الآن، تدريجياً، بالبحث عن الحقوق والمظالم. عملية السلام - سلام الموات - تنسحب تدريجياً مع الانسحاب البطيء للولايات المتحدة. ومن يستمع إلى ما يقوله وزير الخارجية المصري الجديد يستطيع أن يفهم ذلك. فسؤال : بأي حق نعطي «إسرائيل» غازاً رخيصاً، ونحرم نحن منه؟ هذا السؤال يكشف جوهر (سلام الأموات). إنه سلام لـ «إسرائيل» فقط، لا لنا.

انتهى هذا السلام. انتهى السلام. نحن لا نريد سلاماً. نحن نريد حقوقاً، ونريد توازناً. لتذهب عملية السلام إلى الجحيم. فقد صممت من أجل مصلحة واشنطن، وعلى أساس أن «إسرائيل» هي عروس الكون. نعم، لتذهب عملية السلام على الجحيم. نستطيع أن نعيش من دون سلام مع «إسرائيل». نستطيع أن ننمو ونتقدم. وإذا أرادت هي السلام فلتفكر بعقلانية، ولتفهم ما يجري.

انتهى زمن جمع الناس كالأغنام لإرسالهم إلى أنابولس أو غيره.

انتهى. ثمة ناس تهدر في الشوارع هنا. ثمة روح تكتشف نفسها.

هنا، في الشارع يولد زمن جديد. يولد كون آخر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 51 / 2165260

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165260 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010