الجمعة 8 نيسان (أبريل) 2011

عصابات ومندسّون

الجمعة 8 نيسان (أبريل) 2011 par حسام كنفاني

في استطلاع على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، حول أكثر الكلمات تداولاً في الفترة الأخيرة، ولا سيما مع اندلاع الثورة العربية، تربعت كلمة «مندسّين» على عرش مصطلحات المرحلة. الكلمة ليست جديدة على قاموس اللغة العربية، غير أنّها اندثرت في فترات القمع الأمني، إلى أن قررت الأنظمة القامعة نفض الغبار عنها، وإعادتها إلى التداول لمواجهة ساحات التظاهرات وتبرير عمليات القتل المباشر التي تمارسها.

المندسّون هم عبارة عن «مخربين»، تسللوا بين المتظاهرين المطالبين بحريتهم لإفساد عدالة مطالبهم المحقة. هذا هو لسان حال الأنظمة التي اعتمدت هذه العبارة «ماركة مسجّلة» لتشريع القتل، على أساس أنّ هذه الفئة جاءت من خارج السياق البشري، وبالتالي قتلها لا يعني أحداً في شيء، هذا إذا كانت موجودة في الأساس. تضاف هذه المفارقة إلى أخرى، مرتبطة أساساً بحق التظاهر في هذه الأنظمة. أنظمة تمنع كلمة النقد الفرديّة من الخروج إلى العلن، فكيف سيكون تصرفها مع الهتافات والتجمعات، سواء اندسّ فيها مخرّبون أو لم يندسوا. فالمتظاهرون في شرع هذه الأنظمة هم بالأساس مندسّون على الواقع الذي أرادته للمجتمع. وعلى هذا الأساس، يُعاملون بوصفهم خارجين عن «القطيع العام» ومدمّرين «للنسيج الوطني» وموهنين «للشعور القومي»، وغيرها من المصطلحات الكبيرة المخصصة للصرف الإعلامي الرسمي، لكنّها لا تسمن ولا تغني من جوع.

البلطجية أو البلاطجة تأتي في المرتبة الثانية بعد المندسّين على سلم التعبيرات المستحدثة في زمن الثورات، ودخل إليها أيضاً مصطلح العصابات. تعبيرات تعدّ وسيلة أخرى لغسل يد الأنظمة من دماء الأبرياء التي تسفك في الطرقات والساحات العامة. فالنظام في الحالة هذه يصبح هو الآخر ضحيّة للقتلة المحترفين. هذا ما ظهر في تونس ومصر وليبيا واليمن، وحالياً سوريا.

الغريب أنّ هذه العصابات وهؤلاء البلطجية متخصصون في قتل المتظاهرين المناهضين للأنظمة. مجزرة ساحة التغيير في اليمن كانت نموذجاً، فرصاص «البلطجية»، بحسب التعبير الرسمي، انهال على المعتصمين ليقتل منهم العشرات، من دون أن يمس المعتصمين الآخرين المؤيدين للنظام في ساحة الحرية، غير البعيدة عن جامعة صنعاء. الأمر نفسه في دوما السورية، فـ«العصابات» استهدفت عشرات المتظاهرين، فيما مئات الآلاف ساروا في شوارع دمشق تأييداً للنظام، من دون تسجيل «ضربة كف». والأغرب من هذا وذاك، أنّه لم يوقف أحد من أفراد هذه العصابات أو البلطجية، رغم الأنظمة الأمنية الموغلة في القدم، في هذه الدول.

أما «المؤامرة» و«العملاء» و«الاستهداف»، وما إلى ذلك من عبارات، فقد حجزت لنفسها مساحة لا بأس بها على خريطة لغة مرحلة ما بعد الثورات. فكل من يخرج لرفع أي مطلب، ليس بالضرورة «إسقاط النظام»، يتحوّل تلقائيّاً إلى متعامل وشريك في مؤامرة كبرى لنشر الفوضى وعدم الاستقرار، حتى إذا كان المطلب هو إسقاط رئيس بلدية أو محافظ منطقة نائية، لم يخرج معظم أهلها من حدود محافظتهم ليتسنى لهم الضلوع في مثل هذه المؤامرات العابرة للقارات.

علي عبد الله صالح كان سبّاقاً إلى هذا الكلام، عندما تحدث عن أنّ الانتفاضات العربية «من تونس الى سلطنة عمان... تدار من تل أبيب وتحت إشراف واشنطن»، قبل أن يعتذر ويشير إلى أنّ تصريحاته فُهمت على غير مقاصده.

الرئيس السوري بشار الأسد أيضاً تحدّث عن المؤامرة من دون أن يسمّي أطرافها، اكتفى بالإشارة إلى أنّهم «ظنوا... خططوا... قاموا...»، وما إلى ذلك من أفعال تدل على الـ«هم»، المقصود بهم بالدرجة الأولى إسرائيل والولايات المتحدة.

لكن المفارقة أنّ أعداد المشاركين في هذه «المؤامرة» أخذوا بالتوسّع، ومحاولات استرضائهم واستيعابهم انطلقت على مستويات عليا في الأنظمة المنتفض عليها، في إقرار ضمني بأنّ الحراك والمطالب محقّة، ولا يمكن أن تندرج في إطار «مخطط الاستهداف».

لكنّ ذلك لا يخفّف من وطأة المصطلحات، المرشّحة إلى التزايد ودخول أصناف جديدة منها إلى بورصة الاستطلاعات لتنافس مثيلاتها، ما دامت الاحتجاجات إلى تكاثر، و«المندسّون» إلى تضاعف.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165441

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165441 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010