الجمعة 8 نيسان (أبريل) 2011

ازدواجية معايير في الكونغرس الأمريكي

الجمعة 8 نيسان (أبريل) 2011

الكيل بمكيالين ليس جديداً على الساسة الأمريكيين. وأحدث مثال على ذلك هو اعتراض مجموعة من الأعضاء البارزين في مجلس الشيوخ الأمريكي على ما عدّوه «تحريضاً» فلسطينياً ضد «إسرائيل» واليهود. ولكن ماثيو بيركمان، الباحث في «مشروع الولايات المتحدة الشرق الأوسط»، وهو مركز دراسات سياسية في نيويورك، ينتقد هؤلاء الأعضاء لتجاهلهم تفشي التحريض والعداء والعنصرية ضد العرب داخل المجتمع «الإسرائيلي»، وتغاضيهم عن تشريعات «إسرائيلية» تنطوي على تمييز واضح ضد العرب. وجاء انتقاد بيركمان في مقال نشره في موقع «فوراين بوليسي»، وقال فيه :

في 29 مارس/ آذار، وفيما كانت وسائل الإعلام تضج بحادثة مقتل عائلة يهودية في مستوطنة إيثمار في الضفة الغربية، بعثت مجموعة من 27 عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي برسالة إلى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، لحثها على مطالبة القادة الفلسطينيين بوقف «حملة التحريض ضد اليهود و«إسرائيل» عبر وسائل الإعلام والمساجد والمدارس الفلسطينية».

ومع أن السلطات «الإسرائيلية» لم تحدد أي مشتبه بهم، سواء أكانوا فلسطينيين أو غير فلسطينيين، إلا أن الرسالة اعتبرت أن جريمة القتل المروعة في إيثمار «تذكير قوي بأن الكلمات تؤثر، وأن التحريض الفلسطيني ضد اليهود و«إسرائيل» يمكن أن يؤدي إلى عنف وإرهاب».

وفي ما اعتبره موقعو الرسالة أدلة على انتشار التحريض ضد اليهود في المجتمع الفلسطيني، استشهدوا بحفل رسمي أقيم مؤخراً لإحياء ذكرى دلال المغربي [*(1)*]، وبقرار اتخذته السلطة الفلسطينية مؤخراً لتقديم مخصصات شهرية إلى عائلة فلسطيني عد شهيداً، إثر مقتله برصاص «الإسرائيليين».

إن أعمالاً مثل حادثة القتل في إيثمار تستحق الإدانة. ولكن إذا كانت «الكلمات تؤثر» فعلاً، وإذا كان القضاء على العنف والتوقف عن الخطاب الذي يجرد الآخر من الإنسانية، هما كما تقول الرسالة «حيويان من أجل تهيئة الظروف الملائمة لسلام آمن ودائم»، فما الذي يمكن أن يفسر سكوت أعضاء مجلس الشيوخ هؤلاء عن الموجة الحقيقية من الكره والتحريض العنصري ضد العرب والفلسطينيين التي أخذت تجتاح المجتمع «الإسرائيلي» في الآونة الأخيرة؟

إن أي شخص يقرأ الصحافة «الإسرائيلية» هذه الأيام، سيجد أمثلة فاضحة عديدة على مثل هذا التحريض، من إعلان الحاخام دوف ليور، وهو مرجع كبير في القانون اليهودي داخل الحركة الصهيونية الدينية، أن ذرية غير اليهود «لديهم سمات وراثية» من «الوحشية والهمجية»، إلى رسالة مفتوحة وقعها عشرات من حاخامات المدن «الإسرائيلية»، ودعت اليهود «إلى الامتناع عن تأجير أو بيع شقق إلى غير اليهود»، فإلى دعوة أطلقتها زوجات أولئك الحاخامات لحث الفتيات اليهوديات على عدم مواعدة العرب، أو العمل معهم، أو تأدية الخدمة العسكرية برفقتهم، وحتى إلى التقارير عن نشر كتاب «توراة الملك»، وهو نص ديني تبنّاه معظم حاخامات المستوطنين، ويبيح قتل الأطفال والرضّع غير اليهود، لأنه «من المؤكد أنهم سيؤذوننا عندما يكبرون».

وهل من الممكن أن أعضاء مجلس الشيوخ الذين يدينون تمجيد العنف عندما يصدر عن مسؤول فلسطيني مغمور لا يطلعون على التصريحات الكثيرة لشخصية بارزة مثل أوفاديا يوسف، الزعيم الروحي لحزب «شاس» (الشريك في الائتلاف الحكومي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو)، والحاخام الأكبر السابق لجماعة اليهود السفرديم؟

لقد نقلت وسائل الإعلام عن أوفاديا يوسف قوله عام 2001 : «يجب أن تضربوهم بالصواريخ وتبيدوهم . إنهم أشرار وملعونون». وفي عظة ألقاها حديثاً، قال يوسف مشيراً إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباسر : «أبومازن وجميع أولئك الأشخاص الأشرار يجب أن يفنوا من هذا العالم. الرب سيبليهم بالطاعون، هم وهؤلاء الفلسطينيون».

إن التأثيرات السامة لمثل هذه التصريحات كانت موضوعاً لمناقشات عامة، مثلها مثل التصريحات ذاتها، وقد أثارت هي أيضاً قلق أولئك الذين يسعون إلى «توفير الظروف الملائمة لسلام آمن ودائم». واستطلاعات الرأي كانت توثق بصورة متكررة تفشي النزعة العسكرية والمشاعر المعادية للديمقراطية في «إسرائيل»، خاصة بين شريحة الشبان.

وأظهر استطلاع لجامعة تل أبيب نُشرت نتائجه العام الماضي، أن 49،5% من الطلاب «الإسرائيليين» في المدارس الثانوية، أجابوا سلباً عندما سئلوا «ما إذا كان ينبغي منح المواطنين العرب في «إسرائيل» حقوقاً مساوية لحقوق اليهود»، في حين قال 56% إنه ينبغي حرمان المواطنين العرب من الحق في عضوية البرلمان «الإسرائيلي». كما أظهر الاستطلاع، الذي نشرت صحيفة «هآرتس» نتائجه، أنه «بينما عبرت أغلبية كاسحة (91%) عن رغبتهم في الانخراط في الجيش «الإسرائيلي»، فإن 48% منهم قالوا إنهم لن يمتثلوا لأوامر بإخلاء المستوطنات والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية».

وأكد استطلاع جديد نُشر في 31 مارس/ آذار، تراجع أهمية «الديمقراطية» بين الطلاب الثانويين «الإسرائيليين»، حيث أكد 14% منهم فقط أنهم يعدّونها «أولوية وطنية». كما أظهر الاستطلاع مستويات غير مسبوقة في ارتفاعها من تمجيد الجيش «الإسرائيلي»، وتأييداً واضحاً لـ «القيادة القوية» على حساب حقوق الأقليات.

ليس مما يدعو للدهشة إذن أن هذا المد الصاعد من العنصرية في المجتمع «الإسرائيلي» قد تُرجم إلى تشريعات تمييزية ضد المواطنين العرب في «إسرائيل»، وكذلك إلى جرائم كره قد لا تكون شنيعة مثل مجزرة إيثمار، ولكنها أكثر انتشاراً، وتكاد تكون يومية.

وكما أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير نشرته في نهاية مارس/ آذار، فإن قانوناً أقره الكنيست «الإسرائيلي» في 23 مارس/ آذار يجيز لـ «قرى تعد 400 عائلة أو أقل في النقب والجليل» (وهاتان منطقتان تضمان أعداداً كبيرة من السكان العرب) أن تشكل لجاناً مهمتها التحقق مما إذا كان مقيمون محتملون صالحين اجتماعياً وهذا قانون يقصد منه إعطاء شرعية لمنع مواطنين عرب من السكن في قرى يهودية.

علاوة على ذلك، أقر الكنيست - خلال الجلسة التشريعية ذاتها - فرض غرامات مالية على المنظمات التي تحصل على إعانات حكومية، والتي تقيم حفلاً علنياً لإحياء ذكرى النكبة الفلسطينية عام 1948 التي تعّدها «إسرائيل» «حرب الاستقلال».

وهذه الفورة من التشريعات المضادة للديمقراطية تأتي في أعقاب المحاولة الناجحة التي أطلقها العام الماضي وزير خارجية «إسرائيل» أفيغدور ليبرمان (الذي يؤيد الترانسفير العرقي) لتشريع «يمين ولاء» يفرض على غير اليهود الذين يريدون الحصول على الجنسية «الإسرائيلية» الولاء لـ «يهودية» الدولة. ومثل هذا التشريع يشجع على انتشار إحساس بين «الإسرائيليين» اليهود بأن المواطنين العرب في «إسرائيل» يمثلون تهديداً للدولة ولأمن اليهود.

نتيجة لكل ذلك، ليس من قبيل الصدفة أن «إسرائيل» شهدت في الفترة الأخيرة سلسلة من الهجمات العنيفة على سكانها العرب. وحسب موقع «واي نت» الإخباري «الإسرائيلي» (التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن عصابة من سبعة فتيان «إسرائيليين»، كان بينهم فتاة عمرها 14 عاماً، اعتقلت في ديسمبر/ كانون الأول بتهمة «إغراء» شبان عرب للذهاب إلى «حديقة الاستقلال» في القدس، حيث كان العرب «يتعرضون لاعتداءات وحشية على أيدي قصّر استخدموا حجارة، وقناني زجاجية، وغازاً مسيلاً للدموع».

وفي أواخر مارس/ آذار، تعرّض أربعة عمال فلسطينيين لاعتداء في عز الليل على أيدي الشرطة، التي اتهمتهم زوراً باغتصاب صبي عمره 11 سنة (أقر في وقت لاحق أنه اختلق الرواية). وقال أحد الفلسطينيين الأربعة لإذاعة الجيش «الإسرائيلي» خلال مقابلة : «الشرطة عاملتنا وكأننا كلاب وليس كبشر».

ولكن يجب توضيح أن أعمال العنف الروتينية ضد العرب داخل «إسرائيل»، وحتى الاعتداءات اليومية التي ترتكبها عصابات مستوطنين أشقياء ضد فلسطينيين في الضفة الغربية، ليست سوى الجزء الطافي من جبل الجليد ومجمل نظام الاحتلال في الضفة الغربية، والسياسات التي لا ترحم الهادفة إلى خنق اقتصاد كل السكان المدنيين في غزة وهم ضحايا الشكل الأكثر أذى من «التحريض» إنما هي جزء من نظام قيم أخلاقية وثقافية يتميز بازدراء وعداء عنصري تجاه العرب في المجتمع «الإسرائيلي».

وفي 30 مارس/ آذار، أفاد استطلاع لموقع «واي نت» أنه عندما سئل الذين استطلعت آراؤهم عما يشعرون عندما يفكرون في العرب، أجاب 25% منهم «بكره»، و12% «بخوف». فكيف نستغرب إذن أن يكون «الإسرائيليون» قد أصبحوا أكثر تساهلاً ودعماً لسياسات حكومية لا تقوض فقط آفاق السلام والتعايش مع جيرانهم، بل تقوض أيضاً الطابع الديمقراطي لدولتهم الذي طالما تغنوا به؟

قد يكون أعضاء مجلس الشيوخ على حق في تنديدهم بالتحريض الفلسطيني. أما أن يفعلوا ذلك من دون أن يصدروا أي حكم على التحريض «الإسرائيلي» المتعاظم والمدمر، فذلك يكشف عن أجندة تحركها سياساتهم الداخلية أكثر مما يحركها اهتمامهم بخير «الإسرائيليين» والفلسطينيين. إن السلام والقيادة يتطلبان أكثر من ذلك.

[*(1) الشهيدة الفلسطينية دلال المغربي هي قائدة «عملية كمال عدوان» ضد الكيان الصهيوني التي نُفذت على طريق ساحلي فلسطيني عام 1978 وأسفرت عن مقتل 37 «إسرائيلياً» واستشهاد دلال المغربي ومقاتلي فرقتها العشرة.*]

- **المصدر : صحيفة «الخليج» الاماراتية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2178600

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178600 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40