الأربعاء 6 نيسان (أبريل) 2011

«إما قاتل أو مقتول».. نظرية فاسدة في إدارة العمل السياسي

الأربعاء 6 نيسان (أبريل) 2011

- [**بقلم / د . عبدالمعطي سويد*]

ثمة مقولة شائعة في الأوساط الشعبية العربية، خاصة في منطقة «الشام» وتجسدت هذه المقولة في العمل السياسي، وفي قلب القيادات السياسية، والقائلة «يا قاتل، يا مقتول».

وتعود هذه المقولة تاريخياً إلى مرحلة سابقة، وقديمة في تاريخنا الديني، أي أنها ذات خلفية دينية، حيث إن الدين عموماً يقوم من حيث المبدأ على التفرقة بين المؤمن والكافر، وأن بينهما تناقضاً، أو تضاداً لا يمكن التوفيق بينهما، وهما على طرفي وثنائية حادة، ولعل الناحية السلبية من هذا التفكير الثنائي تؤدي إلى الصراع، ومحاولة استئصال أحد الطرفين الآخر، هذا هو الإطار : النظري، والاعتقادي للمقولة السالفة، وقد تجسد هذا الاطار النظري في حروب طاحنة، كانت إدارة الأزمات فيها مخزية، ومأساوية وفاجعة، ظلت هذه الثنائية حتى عهد قريب في عالمنا المعاصر، حيث انعكست في مقولة «من لم يكن معي، فهو ضدي» أي عليه أن أحاربه - فهو إما قاتل أو مقتول.

إن ثنائيات ديني، وعلماني وسلفي، وتقدمي ومسلم ومسيحي، ليبرالي، واشتراكي، رأسمالي، وشيوعي، إلخ لا تزال تعشعش لدى الغالبية في شعوبنا.

لقد فهمنا على الصعيد العمل السياسي أن السلطة والمعارضة هما في اطار هذه الثنائية، فالسلطة يجب ان تقضي على المعارضة، والمعارضة يجب ان تقضي على السلطة، وفهمنا أن هذه التركيبة هي تركيبة صراعية، والصراع هنا مفهوم في وصفه السلبي، وليس صراعاً «ودياً»، إذا جاز لنا القول هذا هو الموقف الكلاسيكي لفهم تركيب العمل السياسي الذي يدور في إطار إما، أنا، وإما أنت.

إن السلطات القمعية والسلطوية، تقوم من حيث المبدأ على إهدار دم كل من يقول (لا) أو يرفع يد المعارضة، أو يقول بنقطة نظام لما هو سائد، ويعرض ما لديه من أفكار مخالفة، لقد تربى جيلنا في وسط هذه البنية السياسية السلطوية القائمة على الرعب والخوف والإرهاب، وقد ألفنا هذه المشاعر الفاجعة، وعشناها آناء الليل وأطراف النهار، وكانت كوابيس الأمن السري والعلني تلاحقنا في عقر دارنا وفي غرف الجلوس والنوم.

هذه المفاهيم الفاسدة والخاطئة حول نظام العمل السياسي، يمكن تصويبها بالقول إن الصراع بين السلطة والمعارضة أو بين الشعب الذي يريد التغيير وتشبث السلطة، ليس صراع بقاء، أو فناء، وليس صراع وجود، وعدم وجود، وليس استئصال طرف، للطرف الآخر، إنه صراع تنافسي، وإدارة هذا الصراع يجب ألا تقوم على أساس صِفْري كما هو معروف في علم إدارة الأزمات، إنه صراع واحد، الواحد، أو فائز وفائز، الطرفان يفوزان، الطرف الخاسر يفوز بخسرانه، والرابح يفوز بربحه.

وبعبارة ثانية الصراع بين من يريد التغيير، ومن لا يريد، هو صراع تنافسي يقوم على أن يقدم كل طرف أفضل ما لديه وخاصة على المستوى الاستراتيجي لبناء الحاضر، والمستقبل، وأحياناً يجد أحد الطرفين أنه أعجز من أن يقدم الأفضل، فيمكن أن ينسحب من الحلبة دون حرج، ويتجاوز نزعاته، ونرجسيته، ورغباته الدفينة، وطموحاته ومن حوله من مطامح الحياة الدنيا، ويتجاوز عُصاب السلطة.

إن شباب اليوم، هم شباب القرن الواحد والعشرين، لم يعد بمقدورهم مطلقاً أن يقنعوا بما هو موجود، وما يُقدم له متواضع، ومن ناحية ثانية فشباب اليوم غير قانع بالعيش ضمن شرنقة ثنائية كما ذكرنا في الأسطر الأولى من هذه الأوراق.

ثم إن شباب اليوم الذين تظاهروا. ويتظاهرون وهم بصدورهم العالية، أو ينادون بأعلى صوتهم : سلميّة سلميّة، هم أبناء هذا العصر، القائم على: الحوار، والتعددية في القول، والعمل، وإذا فوجئوا بالمواجهة المسلحة، فهم يدركون أن جيل القدماء قد ورثوا مقولة «ألا لا يجهلن أحد علينا، فنجهل فوق جهل الجاهلينا».

هذا الجيل القديم معمي الأبصار عن : ثورات العصر، في الاتصالات والمعلومات، أو بلغة مختصرة، العالم المتعولم، حيث إن : العوامل المحلية، والإقليمية والدولية، متداخلة، وإن احتراق أحد المباني سينتقل حريقه إلى المباني المجاورة والأفضل اللجوء والتعامل بأسلوب الحكمة، والعقلانية، ولعل نماذج ليبيا وسوريا واليمن والجزائر لا تقدم أفضل النماذج.

في إدارة العمل السياسي أنها ماتزال تعيش هذه النماذج في إطار الثنائية القاتلة، وهو موقف خائب وفاشل، وبدائي يتناقض مع أبسط مفاهيم الحداثة السياسية. لا يتصوّر مطلقاً أن النقيضين يمكن أن يناما على وسادة واحدة وأن التناقضات تتوحّد، إن لغة، وسلوك إما قاتل أو مقتول، هي لغة القطيع، وليست لغة شباب اليوم، صاحب الوعي الجديد، والمتعامل مع تكنولوجيا العصر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165376

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165376 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010