الثلاثاء 5 نيسان (أبريل) 2011

جامعة عربية جديدة

الثلاثاء 5 نيسان (أبريل) 2011 par ميشيل كيلو

نشأت جامعة الدول العربية قبيل موجات الاستقلال التي عرفتها البلدان العربية المختلفة، بعيد الحرب العالمية الثانية . ويقال إنها قامت باقتراح من تشرشل، الذي أراد حماية العالم العربي من اختراق أمريكي وشيك، خشي أن ينتزع مستعمرات بريطانيا العربية، كما أشيع في زمنه، ويعتقد كثيرون حتى الآن .

وعلى رغم الملاحظات والمطاعن الكثيرة على الجامعة، التي جعلت منها ملحقاً ثانوياً بسياسات الدول، بدل أن تكون مركزاً تتمحور هذه حوله وتنطلق منه منسقة موحدة، وأصابتها بجميع أمراض النظم ونقلت إليها مشكلاتها، فعطلتها وحولتها إلى هيكل رمزي فقير المضمون محدود الدور، فإن بقاء الجامعة في بحر التناقضات العربية المتلاطم اعتبر دوماً واحدة من غرائب الحياة العربية الحديثة، وسراً يصعب تفسيره أو شرحه، وبالتالي جانباً رئيساً من مشكلاتهم المتشعبة، التي لا يحتاج المرء إلى إجهاد نفسه ولو بمجرد التفكير فيها، خاصة بعد ما حل فيهم من كوارث متعاقبة لم تكن كافية لأن تحرك الجامعة، أو تدفع بالدول المنضوية في إطارها إلى التفكير بتطوير أو تغيير دورها، ولو في اتجاه التحكيم أو القيام بالتوسط في الخلافات والصراعات المتزايدة الحدة فيما بينهم .

وعزا كثيرون إلى هيكلية الجامعة وميثاقها ما لازمها من عجز وضعف، منذ ولادتها إلى اليوم . وقيل إنها لا تستطيع فعل أي شيء، لأنها مرآة تعكس التناقضات العربية وليس جهة تملك المبادرة، بوسعها وضع نفسها فوق وخارج التجاذب المعقد، الذي زاده التطور تعقيداً بعد تكوّن ما عرف بالدولة الوطنية في مغرب ديار الأمة ومشرقها . رغم أن الجامعة، التي فشلت فشلاً مدوياً في فلسطين، ساعدت بعضها على التحرر من الاستعمار، أو أنها خدمت كإطار استخدمته دول بعينها، خاصة مصر تحت قيادة جمال عبد الناصر، لإمداد حركات التحرر العربية بالعون والمساندة . غير أن هذا الدور غير المباشر غالباً، الذي لعبته الجامعة في ظل دولة مصرية قوية غدت مركز ثقل الحياة السياسية العربية، الذي حوّلها إلى جهاز فرعي للسياسة المصرية، في بعض المسائل والمناطق، لم يبدل جدياً وظيفة الجامعة، رغم أن أمينها العام كان مصرياً معظم الفترة التي انقضت على قيامها، باستثناء حقبة قصيرة عرفتها السبعينات تولى خلالها الشاذلي القليبي، السياسي التونسي المعروف، أمانتها العامة، عقب نقل مقرها إلى تونس وإخراج مصر في عهد السادات منها .

لكن تغيرات الأوضاع العربية لم تبدّل بأية صورة جدية موقع ودور الجامعة في حياة العرب الحديثة، حتى عندما تولى أمانتها شخصان مهمان كمحمود رياض وعمرو موسى، وهما قوميان حاولا شدها بقوة أكبر إلى مواقع تمارس من خلالها دوراً حقيقياً داخل العمل العربي المشترك، وعملا على رفدها بمؤسسات جديدة تستطيع كسر الإطار الضيق والخانق لعملها، وإدخالها إلى مناطق نشاط جديدة لا تخضع بالضرورة لبنود ميثاقها وقيوده، على أمل أن تمكن أمانتها من توسيع مجالات فاعليتها واختصاصاتها . ولعل من أهم مظاهر التجديد تلك اللقاءات مع المثقفين العرب، التي قرر عمرو موسى عقدها مع خمسين مفكراً عربياً للتداول في شؤون الأمة والجامعة وشجونهما، وكذلك سعيه إلى تأسيس محكمة عدل عربية على غرار محكمة العدل الدولية، تبتّ في الخلافات والصراعات العربية، وتسعى إلى تنظيم علاقات العرب في أجواء أكثر شرعية من جهة، وصحية من جهة أخرى، عسى أن يسهم ذلك في الحد من تفاقم الصراعات المتجددة يومياً فيها، التي سممت الحياة الرسمية والشعبية العربية ووضعت الدول بعضها في مواجهة بعض، ضمن أجواء من العداء غير المبرر وغير المفهوم .

واليوم، والعالم العربي يدخل في طور جديد يبدل الكثير من الأسس والركائز التي قام عليها نظامه العام، وارتكزت عليها علاقاته الرسمية والشعبية، هل حانت الفرصة لإخراج الجامعة من احتجاز الفرقة العربية والخلافات الرسمية والمصالح المتضاربة، ولأقلمتها مع وضع تقول مؤشرات عديدة إنه سيكون تاريخياً وفريداً في وجود العرب، وسيأخذ بمعايير ومقاييس مغايرة لما عرفوه خلال العقود السبعة المنصرمة؟ وهل سينتبه صنّاع الوضع العربي البديل إلى أهمية أن تكون الجامعة حاضنة قومية بمعنى الكلمة، تحل تناقضات ومشكلات العرب بدل اتخاذ موقف يتسم بالحيرة والجمود حيالها، فتزود بالأدوات والوسائل الضرورية للتصدي لما قد يعترض تطور العرب الجديد من عقبات وعراقيل، علماً بأن معظمها ينبع من طبيعة الواقع العربي القائم، التي أمعنت في الفصل بين المحلي والقومي، وبنت حساباتها على فك مصالحها عن المجال العربي، ووضعها في مواجهته في أحيان كثيرة، ويعدنا المستقبل القريب باستبدالها بطبيعة أخرى، مغايرة ومناقضة لها؟ وهل وحدة الحامل الشعبي، التي تلوح في الأفق، ستنعكس على الجامعة وداخلها، فتغير هيكلها ودورها وأهدافها وآليات عملها، وتجعل منها جامعة للوحدة العربية، ومؤسسة تكون نوعاً من مظلة عليا تساعد العرب ليس فقط على جسر خلافاتهم، وإنما كذلك على التواصل التفاعلي المستمر بينهم، الذي من ينمي ويطور مشتركاتهم في جميع مجالات وجودهم، الوطنية والقومية، ويزيد مساحة التنسيق والتعاون التي يقفون عليها معاً، والمصالح التي يتقاسمونها، على أن تقوم المؤسسات اللازمة لتحقيق هذا، التي يجب أن تتسم بطابع قومي يغلب على طابعها المحلي، من دون أن يتناقض معه بالضرورة أو يستمر في النمو خارجه . أخيراً، هل تقوم داخل الجامعة هيئة رئاسية عربية مشتركة تشرف على العلاقات العربية العربية، وتتكفل بالسهر على تطويرها مادياً في مستوى قومي عام، من خلال برامج تفصيلية تنفيذية وموارد مالية كافية تتوزع بعدالة على البلدان العربية المختلفة، التي يجب أن تنمو على نحو متوازن متكامل، لتتشابك اقتصادياتها وتصير أكثر فأكثر كتلة واحدة، تواجه العالم بلغة ومصالح موحدة .

من حق المواطن العربي أن يأمل بتطور كهذا يصيب الجامعة ومؤسساتها، في ظرف جديد يعد بتغيير يبدل أبنية الدول القائمة وسياساتها، من خلال تعزيز طابعها الشعبي والمجتمعي، الذي سيكون حاملها من جانب، وعبر الانفتاح على الفسحة القومية من جانب آخر . ومن واجب الجامعة أن تطور نفسها وتتكيف مع الواقع الجديد، وإلا فإنها لن تلعب الدور المأمول، الذي عليها لعبه بالتأكيد، إذا كانت تريد أن تكون قوة دفع لا كبح للعرب، ورغبت في مبارحة الوضع الذي كانت عليه إلى اليوم، وجلب لها الكثير من اللوم والنقد، وهمّشها .

أخيراً، هل يكون تطوير الجامعة علامة على قدرة الوضع العربي الجديد على ابتكار مؤسسات عمل قومي مختلفة، تسهم بدورها في استنهاض العرب وأخذهم إلى المرحلة الثالثة من يقظتهم، التي تختلف عن سابقاتها في حاملها الشعبي المجتمعي، وبرامجها المستقبلية، وطموحاتها، ومن الحتمي أن تتصدى لتجديد مجمل مكونات العمل الوطني والقومي، في زمن لطالما انتظره العرب في هذا العصر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2181593

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

46 من الزوار الآن

2181593 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40