الثلاثاء 5 نيسان (أبريل) 2011

الشعوب العربية ليست قبائل ماو ماو

الثلاثاء 5 نيسان (أبريل) 2011 par د.أحمد القديدي

تحتل الشعوب العربية منذ انتصار ثورة تونس في 14 يناير 2011 مركز الاهتمام لدى الرأي العام الدولي لسبب بسيط هو أن هذا الرأي العام فوجئ باندلاع الشرارة من تونس وتفجر نهر الحريات من ينبوعه التونسي إلى كافة أرجاء المشرق والمغرب ونأمل أن يسير في مجراه إلى مصب العودة للتاريخ. وهو ما أنصفنا فيه المنصفون حين قال أحدهم بأن لبلادنا الحق في براءة الاختراع والسبب الثاني لوقع المفاجأة لدى المراقبين هو أن العديد من المستشرقين الغربيين الجدد أبناء فكر برنارد لويس طالما وضعوا للعالم العربي نظريات تفيد بأن الاستبداد يحمل جينات عربية إسلامية وأن العرب أهل تبعية وأعداء للحرية. بل إن كثيرا من العرب يؤيدون بهتانهم ويحبرون البحوث والدراسات للمراكز والجامعات يؤكدون فيها قواعد القنوط من العرب. وأنت تراهم اليوم أيها القارئ الكريم بعد خيبة أملهم وانكسار حجتهم أمام نهر الحريات العربية الجارف يواصلون المؤامرات بأساليب أخرى غايتهم أن يظل العرب ذيولا وأذنابا لأسيادهم الغربيين بل ربما تسللوا إلى مراكز السلطة تدعمهم جيوش نراها أو لا نراها من أعوان المخابرات الغربية تبوأهم المناصب وتغدق عليهم المصداقية والنعمة.

وأذكر أنني منذ مدة شاهدت في برنامج تليفزيوني شهير بقناة الجزيرة، مقابلة بين “مفكرين اثنين” من المغرب العربي للجدل حول صدقية الانتخابات في بعض الدول العربية ومدى تعبيرها عن الرأي الحقيقي للشعوب، وهو موضوع فيه اختلاف،و فيه بالطبع اختلاف المتناقشين الاثنين، والاختلاف مطلوب من قبل صاحب هذا البرنامج، ويتحول أحيانا إلى خلاف مما لا يفسد للود قضية على كل حال حسب الحكمة العربية. وأنا لا أريد في هذا التعليق القصير أن أدلي برأيي، بعد أن أدليت به مرات عديدة في نفس ذلك البرنامج وعلى نفس القناة، لكني أريد فقط التعبير عن أشد العجب من اعتقاد راسخ لدى أحد المتجادلين، بأن الغربيين عموما والفرنسيين تحديدا يستحقون الديمقراطية وحقوق الإنسان لأنهم – كما قال هذا الرجل حرفيا – لديهم فطاحلة الفكر أمثال فولتير ومنتسكيو وجون جاك روسو، مهدوا للفكر الديمقراطي وأسسوا مدرسة التنوير ونظروا للدساتير الليبرالية، وأضاف المتحدث المتحمس لبرهانه: أين نحن العرب من هذا؟

للحقيقة قررت حينما سمعت هذا السؤال أن أساهم بقسطي المتواضع للجواب عليه، توسما للخير في هذه الحوارات التي يجب أن تستمر عبر وسائل الإعلام ومنابر الثقافة. ولا أخفي مدى صدمتي وأنا أسمع من فم مثقف عربي نكرانا لكل التراث العربي الإسلامي في مجال الحريات واحترام العقد الرابط بين الحاكم والمحكوم، وقد أضيع في خضم الرصيد العربي الممتد من المحيط إلى الخليج في هذا الباب فقط أي الفكر السياسي العربي الإسلامي الزاخر كالبحر بعمالقة كبار تركوا للإنسانية كلها أهرامات من المعاجم وأمهات الكتب خلال خمسة عشر قرنا من الحضارة. وخشية أن أضيع بين الكنوز الفكرية رأيت أن يقتصر كلامي على بلاد المتحدث نفسه، تونس، وعلى جزء يسير من إسهامها في إثراء الثقافة العربية والإسلامية والعالمية، قبل قرون طويلة من العظماء الفرنسيين الذين ذكرهم الرجل واستشهد بفكرهم الثاقب لاستحقاق الديمقراطية دون العرب.. الذين نعتهم بكونهم أيتام مجد وناقصي حضارة. وتونس العربية هي التي أنجبت العلامة عبد الرحمن ابن خلدون، صاحب كتاب المقدمة وفي هذا الكتاب كان العلامة هو أول من طالب الملوك بسن دستور واضح يحدد الحقوق والواجبات ويكون بين ولي الأمر وشعبه عقدا سياسيا ونظاما للملك مقترحا الميثاق المختوم بين الحاكم والمحكوم.

وتونس أيضا هي من أنجبت الأمم سحنون بن سعيد التنوخي الذي كان أول من قنن مبدأ استقلال القضاء حين رفض منصب القضاء الذي عرضه عليه الأمير محمد بن الأغلب فسأله الأمير عن سر رفضه فأجابه بقول خلده المؤرخون وهو: “أشترط أن أقاضي أهل بيتك وقرابتك وأعوانك فإن عليهم ظلامات للناس وأموالا لهم منذ زمن طويل حيث لم يجترأ عليهم من ولي القضاء قبلي”، فقال الأمير: “نعم لا تبدأ إلا بهم وأجر الحق على مفترق رأسي”. وهذا المبدأ الذي ظهر اليوم خلال الثورات العربية مبدأ أساسيا وهو مبدأ استقلال القضاء هو الذي يؤسس لدولة الحق وسيادة القانون والتفريق بين السلطات وكانت تونس سباقة إليه بثمانمائة سنة قبل منتسكيو وفولتير.

إن أفضل تحية نوجهها للثورات العربية هي أن نؤسسها على هويتها الحضارية ونعتز بأمجادنا ونرفع رؤوسنا بها عالية فبل أن نطالب غيرنا بالاعتراف بأفضالنا عليهم.. وهي أفضال حقيقية وموثقة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 48 / 2180585

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2180585 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40