الثلاثاء 5 نيسان (أبريل) 2011

أنظمة الاستبداد والإعلام العربي

الثلاثاء 5 نيسان (أبريل) 2011 par د. سمير التنير

يجتمع وزراء الداخلية العرب سنوياً، ومنذ 25 عاماً، وذلك لمراجعة القوانين والإجراءات التي تضمن تحصين الأنظمة التي يخدمونها. وفي الاجتماع الذي عقدوه في تونس عام 2008 قرروا تشديد القوانين الخاصة بحرية الصحافة وتوزيع المنشورات الخاصة بالدعوة إلى العمليات «الإرهابية». دون تحديد الأمور، ما يجعل توجيه التهم إلى المعارضين لتلك الأنظمة وإلصاق تهمة الارهاب بهم أمراً سهلاً وعلى رغم تعدد الوسائل الاعلامية في وقتنا الحاضر من فضائيات ومواقع للانترنت، ما يحد من سيطرة الأنظمة على نشر الأخبار، لا تزال تلك الأنظمة الاستبدادية، تحاول الحد من حرية الاعلام بواسطة الرشى المالية وغيرها من أدوات الإغراء.

وفي مراجعة سريعة للقوانين الخاصة بحرية الإعلام في العالم العربي نجد أن الحكومة المغربية وضعت عقوبات مالية كبيرة على الأخبار الصحافية التي لا تجدها ملائمة لها. وفي الأردن سُنت قوانين مماثلة تتضمن الغرامة والسجن. وفي كردستان العراق وضعت حكومة الإقليم التي تحظى بالحماية الأميركية المطلقة حدوداً لما ينشره الإعلام عنها. وفي اليمن وجد عبد الكريم القيواني نفسه (وهو يدير شبكة أخبار على الانترنت) يواجه عقوبة الإعدام بتهمة دعم «الارهاب» حين تغطيته الأخبار عن نزاع محلي بين قبيلتين من قبائل اليمن.

لم تكن الحكومات العربية الاستبدادية بحاجة للتدخل بنفسها، بل كانت تكلف بعض المحامين بإقامة الدعاوى بالنيابة عنها. وقد سجن في مصر أربعة صحافيين بتهمة نشر أخبار كاذبة عن صحة حسني مبارك. وفي تونس سجن صحافي لمدة سنة لنشره أخباراً عن فساد عائلة بن علي وزوجته ليلى طرابلسي.

تستعمل أنظمة الاستبداد أيضا وسائل عنيفة ضد الاعلاميين بما فيها الاغتيال. فقد قتل في العراق منذ بداية الاحتلال الأميركي عام 2003 نحو 200 صحافي. وفي مصر والسودان وليبيا قُتل صحافيون أو اختفوا في ظروف غامضة. وفي العربية السعودية والسودان يعد سجن الصحافيين أمراً عادياً. وفي برامج «التوك شو» افتقد أحد الصحافيين الزيادة الضئيلة على الأجور في القناة السعودية الرسمية، ما حدا بالمسؤولين إلى منع البرامج المباشرة على التلفزيون منعاً تاماً. كما تراقب حكومات الاستبداد العربية التي لا تزال تحكم حتى الآن شبكات الانترنت وتوقفها في بعض الأحيان. أما القنوات الفضائية التي يتم التقاطها بواسطة الصحون المنصوبة على أسطح المنازل، فقد برهنت على صعوبة مراقبتها. وتُحارب قناة «الجزيرة» التي تبث برامجها من قطر، بجميع الوسائل المتاحة للتشويش عليها.

توارى الزخم الإعلامي التعددي العربي بعد حصول الدول العربية على استقلالها بسبب سيطرة الاتجاهات الأحادية لدى نظم الحكم وتغييب قوى المعارضة الوطنية وحرمانها من حقوقها في حرية الرأي والتعبير والمشاركة في صنع القرارات. وقد استمر هذا الوضع حتى تسعينيات القرن الماضي عندما نجحت ثورة الاتصالات في إجبار معظم الدول العربية على التخلي عن بعض وظائفها الاقتصادية والاجتماعية. إلا ان الاعلام العربي ظل في معظمه حكومياً مع السماح بوجود هامش محسوب للأحزاب وللمستثمرين ورجال الأعمال.

في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات شهد العالم العربي منذ سنوات قليلة موجة من التعددية السياسية الشكلية التي ظهرت بصورة فوقية وأثمرت صوراً مختلفة من التعددية الإعلامية التي شهدها العالم العربي. وقد برز الكثير من الاشكاليات المهنية التي كانت سائدة وازدادت وطأتها في ظل التطورات التكنولوجية والضغوط الأجنبية، واستمرار قبضة الحكومات تشريعياً وأمنياً ومعلوماتياً، مع ظهور أخطار جديدة تهدد حرية الرأي والتعبير في وسائل الإعلام تمثلت في النفوذ المتصاعد لرجال الأعمال والمستثمرين واختراقاتهم المتواصلة للإعلام العربي من خلال الإعلانات وإنشاء قنوات فضائية خاصة، علاوة على محاولة شراء كثيرين من الإعلاميين.

لا تزال بعض المظاهر السلبية مستشرية في الإعلام العربي مثل سيطرة «الشللية» والتحزب الضيق، بالإضافة إلى انتشار حالة تعال من قبل بعض وسائل الإعلام إدارياً على حقوقهم ودورهم. فالكثير من أمراض الإدارة المنتشرة في العالم العربي مثل المزاجية في صنع القرار، وعدم إشراك القطاعات الأساسية والفاعلة وصانعي الحدث في القرار تؤدي إلى ضيق في صفوف الإعلاميين. وبما أن الإعلامي هو الأساس في عملية صناعة الخبر فمن الصعب نجاح الإدارة الإعلامية من دون مشاركة فاعلة للإعلاميين في طريقة الإدارة الإعلامية وفي حماية حقوقهم وصون تصوراتهم. وقد نتج من الإعلام العربي إعلام محلي خاص ذو نكهة مستقلة على حساب الاعلام الحكومي الذي يزداد ضعفاً.

لا يزال الإعلام العربي الرسمي يقبع في سجن التعليب والتردد والخوف من إغضاب السلطات بعدم الانسجام مع التعليمات الرسمية. فالإعلام الرسمي مكلف دوماً بترويج أخبار السلطات ومواقفها. أما الإعلام الخاص فلا يبدو بحالة أفضل، إذ انه ليس ببعيد عن التأثير الرسمي بسبب التحويل والإعلان والإدارة. أما الاعلام الغربي الخاص فهو ليس بمنأى عن سياسات الحكومات الغربية. على الرغم من انطلاقه عبر شركات خاصة ومستثمرين لهم علاقات غير مكشوفة مع القوى الحاكمة.

ان الحرية الصحافية مضمونة لمن يملك المال ويشتري الامتيازات الإعلامية. وفي الوطن العربي تسيطر القوى الحاكمة على العمل السياسي. وان وجدت أحزاب سياسية معارضة أو مؤسسات ونقابات، فإن إعلامها ضعيف ومهمش، هذا إذا سمحت به تلك الأنظمة أصلاً. ويمثل ذلك الاعلام في أحيان كثيرة ديكوراً شكلياً غير مؤثر. وعندما يقوم رجل أعمال بامتلاك صحيفة أو فضائية إخبارية، يكون همه الأول إرضاء السلطات الحاكمة، والاعلام العربي في معظمه تسيطر عليه معادلة المال يساوي القوة والنفوذ. إذ ان من يحوز السلطة فإن طريقه إلى الثروة يصبح أسهل.

إن ظاهرة الاستبداد في الوطن العربي ناتجة من غلبة البنى الفئوية في أشكالها كافة: الطائفية والمذهبية والقبائلية والعشائرية والإقطاعية. ويرجع ذلك إلى زمن السيطرة الاستعمارية التي نصبت العديد من العائلات الحاكمة كي تخدم سياساتها. أما النخب التي استولت على الحكم منذ عقدين أو أكثر فقد ارتبطت عضوياً بسياسات الغرب على حساب مصالح شعوبها. ولذلك فإن النظم العربية الحاكمة لا شرعية لها، لأنها استولت على السلطة بطرق غير شرعية، وليس عن طريق الانتخابات الديموقراطية. وهي مرتبطة بالاقتصاد الريعي وترتكز على الفساد لدعم استمرارها. والثورات والانقلابات الشعبية التي حدثت وستحدث هي مجرد إعادة الحقوق لأصحابها. لأن الديموقراطية هي حكم الشعب بالشعب، من أجل الشعب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 308 / 2165493

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165493 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010