الأحد 3 نيسان (أبريل) 2011

أهمية التنسيق بين الثورات العربية

الأحد 3 نيسان (أبريل) 2011 par د. كلوفيس مقصود

ما أصبح بديهياً أن النظام القائم في الوطن العربي فقد مناعته بعد أن سقطت شرعية وجوده . صحيح أن أنظمة لاتزال قائمة، إلا أنها أصبحت مرشحة للعطب، ما يفسر لجوءها إلى ممارسة سلطاتها بشراسة أشد، كما هو حاصل حالياً في ليبيا المنتفضة، بتباين ملحوظ في اليمن، وعلى نطاق لايزال أقل كلفة في الأردن وأخيراً في سوريا. لذا يمكن الاستنتاج بأن الانتفاضات المتناسبة جماهيرية تستوجب تنسيقاً في ما بينها، لتستقوي ببعضها من جهة، وأن ترسم من خلال التنسيق المقترح استراتيجية تأخذ بالاعتبار تنوع الظروف في مختلف الأقطار، وألا تبقى الانتفاضات القائمة تتصرف وكأن لا علاقة للواحدة بالأخرى، رغم أن أدلة تتكاثر يومياً أن هناك علاقة جدلية قائمة، ما يجب أن يؤول إلى علاقة قومية تزرع بذور البديل المطلوب للنظام العربي البديل .

هذا بالطبع لن يكون سهلاً، بل في المرحلة الانتقالية الحالية نجد أن التعقيدات تزداد حدة في بعض الدول المنتفضة، بحيث لا توجد مؤسسات للدولة في اليمن كما في مصر وتونس، وتقريباً تنعدم هذه المؤسسات في ليبيا، حيث لا مساءلة ولا إمكانية للمحاسبة، لذا فإدارة التعقيدات التي استولدتها التجارب المختلفة والمتناقضة أحياناً تستوجب وعياً بأن مصيرها واحد مهما حاولت بعض النجاحات المنجزة البقاء في منأى عن المحيط العربي الأشمل . هذا الاستنتاج هو الإجابة المطلوبة عن الأسئلة المتداولة في ما يختص بعروبة الثورة القائمة . من هنا نستطيع استيعاب الأهمية القصوى لما هو حاصل في ليبيا، حيث كانت إدانة العقيد القذافي للانتفاضتين الناجحتين في كل من تونس ومصر تعبيراً عن تصميم بقاء ليبيا بمنأى عنهما، ما يفسر تصميمه على اللجوء إلى كل وسيلة إجهاض لإرادة الشعب بالتخلص من ظلم وظلامية محكمة بمصائر شعب ليبيا . يستتبع الإحاطة بأن على تونس ومصر أن تشكلا فكي كماشة لإجهاض نظام القذافي الجائر، بما يعيد لثوار ليبيا، ليس مجرد المزيد من الثقة بالقدرة العربية لتسريع انتصارهم، وبالتالي عودة التواصل الذي بدوره يعيد التواصل بين المشرق العربي ومغربه، ومن ثم إعادة الصدقية لتعريف ما هو حاصل “بالثورة العربية”، كما وصفتها صحيفة “الإيكونوميست” هذا الأسبوع، حيث إن تأرجح الثوار في ليبيا بين التقدم من الشرق إلى الغرب، ومن ثم بالاتجاه العكسي، كما حصل في الأسبوع الماضي، يوضح أن حماس التصميم، كما وضوح الالتزام، يعرض الثورة للانتكاسة أمام سلطة لاتزال متفوقة في التدريب والعتاد، ما دفع مجلس الأمن الدولي إلى تبني القرارين 1970 و1973 بموجب الفصل السابع الذي وفر “الحظر الجوي” والإجراءات الأخرى لحماية المدنيين، وهذا إجراء يؤخذ بموجب الحاجة تنفيذاً لمبدأ “مسؤولية الحماية” . ولا مفر من الإقرار بأن الإجراءات العسكرية التي اتخذت أدت إلى تجنيب سكان بنغازي مجزرة محتدمة عندما اقتربت دبابات القذافي إلى جوار بنغازي، المدينة الثانية في ليبيا .

صحيح أن ما قام به طيران دول غربية أوجد العديد من الشكوك في نوايا الغرب تجاه الحرص على حياة الليبيين، وخاصة الولايات المتحدة، وصحيح أيضاً أن هذه الشكوك لها خلفياتها من حيث ما قامت به إدارة الرئيس بوش بعد غزو العراق، وجرائم ارتكبت في سجن أبوغريب والفلوجة وغيرهما، كما في انطباع سائد عن الأضرار التي ألحقها الموقف المتميز بشكل كامل الذي يمثل خرقاً للقانون الدولي المتعلق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وكان آخرها اللجوء إلى ممارسة حق النقض لقرار أيدته باقي الدول الأعضاء في مجلس الأمن .

أجل، هذه الخلفيات زرعت بذور الشك في دوافع الغرب بأن يجعل حلف الأطلسي (الناتو) المسؤول عن تنفيذ الإجراءات التي انطوت عليها بنود القرار الأممي في هذا الضوء .

إلا أن تعليقاً مطلوباً على القلق من نوايا الناتو، وخصوصاً نوايا الولايات المتحدة ينطوي على الوقائع التالية:

أولاً: لم تكن هناك معارضة من الثورة في ليبيا بل بالعكس كانت هناك ظروف قاهرة استوجبت المطالبة بالتدخل، بل الإسراع في التدخل وهذا ينطبق على الأوضاع في الأيام الأخيرة .

ثانياً: كما أن سابقة رواندا حيث رفض مجلس الأمن طلب قائد قوات السلام الكندي إرسال قوى إضافية ما أدى إلى مجزرة أودت بحياة أكثر من 800 ألف، سرّع في صياغة وتبني مسؤولية حماية الآمنين .

ثالثاً: لم يكن هناك من رغبة أمريكية بالمشاركة إلا في المرحلة الأولى كون ورطتها في أفغانستان وغزوها غير الشرعي، تحول دون الرغبة في قيادة العملية العسكرية والاكتفاء بدور مساعد والإصرار على توفر مشاركة عربية، وإن رمزية، ولكن في الوقت نفسه لا تستطيع إدارة أوباما أن تتخلى عما تؤكد الالتزام به من قيم متعلقة بحقوق الإنسان وإصرار على ألا تتعرض كرامته لأي إذلال . وصحيح أيضاً أن سؤالاً ينشأ، لماذا ازدواجية المعايير وخرق حقوق الإنسان الفلسطيني، وإبقاء “إسرائيل” منفلتة من أي عقاب يرسخ الشك؟ لذا يبقى القلق قائماً برغم الجهود الحثيثة لأوباما لطمأنة وصدقية التزامه القيم التي يعلنها من دون كلل .

يستنتج أن هذا التشابك لا التناقض كما يعتقد البعض بين التفوق العسكري لقوات القذافي على الثوار، والآخذ أخيراً بالتصحيح يفرض على ما تم إنجازه في كل من تونس ومصر مسؤولية الإسهام بشكل مباشر في إعانة ثوار ليبيا سياسياً ودبلوماسيا بما يؤدي إلى تصويب ثورة ليبيا وبالتالي يرسخ مناعة ما أنجز وهو ليس بقليل في كل من تونس ومصر .

لعل احتضان انتفاضتي تونس ومصر لانتفاضة ليبيا يؤكد تلقائية وحدة المصير وعروبة الانتماء، بما يسهّل تسريع نقلة نوعية تصحح من خلالها البوصلة مسيرتها، وتبرهن للحكام على أن ما سمي ب “الشارع العربي” ربما كان في غفوة كما كان يعتقد، وثبت أنه لم يكن مطلقاً في غفلة .

الأهم أن الثورة العربية تصنع تاريخ أمتها ولم يعد جائزاً أن تبقى انقساماتها مدخلاً للغير كي يقوم بما اعتاد القيام به وفق هذا المنطلق، فتتمكن الثورة العربية من خلال رسم سياسات مستقبلها أن تكون مؤهلة لصناعة تاريخها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2180617

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2180617 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40