الأحد 3 نيسان (أبريل) 2011

نداء الإصلاح في الوقت المناسب

الأحد 3 نيسان (أبريل) 2011 par د. عبد الاله بلقزيز

في كل حالات الحراك الشعبي التي تشهدها البلاد العربية منذ مطلع هذا العام (2011)، من أبسط أشكالها ومظاهرها كالتظاهر حتى أرقاها صورة ومضموناً كالثورة، لا يبدو أن النظام العربي الحاكم أبدى استجابة سياسية يقظة تجاه مطالب الشعب، ووفّر لها أجوبة مناسبة تختصر المعاناة على البلد وتضمن الحد الأدنى الضروري والمطلوب من الإصلاح السياسي والدستوري، ما خلا حالة واحدة واضحة (هي المغرب) . وليس الإشاحة عن مطالب الملايين من المُتَظَاهِرَة في المدن والعواصم العربية، والإصرار إمّا على تجاهلها كلّية ومواجهتها بالعنف الأمني، وإمّا على الإيحاء الخادع بالتجاوب معها بعزل هذا الوزير أو ذاك أو الوعد بإقالة هذه الحكومة أو تلك، إلاّ قرينة على أن هذا النظام العربي الواحد سياسة المتعدد جغرافياً لم يدرك بعد ما الذي تعنيه هذه اللحظة التاريخية التي دخل فيها الاجتماع السياسي العربي منذ الثورة التونسية المجيدة، وأيّ نوع من الآفاق السياسية التي تبشّر بفتحه أمام الشعوب العربية في المدى المنظور .

الإصرار المَرَضي على تحدي مطالب الشعب في الإصلاح ومحاربة الفساد والتسليم بالحقوق والحريات هو ما أخذ النظامين التونسي والمصري إلى تلك النهاية الدراماتيكية التي انتهيا إليها، وهو ما يأخذ النظامين الليبي واليمني إلى القَدَر السياسي نفسه . ولقد كان في وسع أيّ من هذه الأنظمة، لو تحلّى الحاكم فيها بالحكمة وبُعد النظر، أن تجنّب نفسها المصير الذي ساقت نفسها إليه، لو أنها أحسنت الإصغاء إلى مطالب الإصلاح وتجاوبت معها في اللحظة المناسبة فوفّرت على نفسها وعلى البلاد والعباد تلك الموجة من المعاناة التي أسالت الدماء وأزهقت الأرواح وتركت في النفوس جراحات عميقة ستكون كلفتها على المستقبل السياسي كبيرة .

بقدرٍ ملحوظ من الذكاء واليقظة السياسيين التقط النظام السياسي في المغرب الحقائق الجديدة في “المشهد” العربي وآثارها الواقعة والمحتملة على الحياة السياسية المغربية، وأدرك أن ما كان في الوسع إرجاؤه أمس، أو دفعه بالتقسيط لم يَعُد ممكناً فعله اليوم، بعد إذْ أخذ الحراك الشعبي العربيّ منحى انعطافياً وباتت نتائج ما جرى في ساحات عربية بعينها عابراً للحدود وغير قابل للكفّ . وتقتضي الأمانة أن يعترف المرء بأن النظام المغربي لم يكن في حاجة إلى هزّات عنيفة، كتلك التي شهدتها تونس ومصر وليبيا واليمن، حتى يخرج عن صمته ويُبدي ما أبداه من تجاوب مع مطالب “شارعه” وشبابه . كانت تكفيه رسالة سياسية رمزية من مظاهرات 20 فبراير ومن شعارات شبابها كي يدرك ما الذي عليه أن يقوم به . ومثلما كان موقف حركة 20 فبراير ناضجاً ومسؤولاً كان الموقف الرسمي ناضجاً ومسؤولاً بقطع النظر عما إذا كان التناسب كاملاً بين مطالب الإصلاح ووعود الإصلاح .

لم يكن الخطاب الملكي في 9 مارس 2011 عادياً في يوميات السياسة في المغرب . لعلّه أهمّ خطاب في تاريخ المؤسسة الملكية، في عصرها الحديث، بعد خطاب الاستقلال الذي ألقاه الملك محمد الخامس قبل خمسة وخمسين عاماً . ولعلّه يكون أبعد مدى إن أخذت خريطة الإصلاحات التي وعد بها الملك محمد السادس طريقها إلى التنفيذ، وخاصة ما اتصل منها بقضايا الإصلاحات الدستورية، وإعادة توزيع السلطة على نحوٍ أكثر توازناً من طريق تفعيل السلطة التشريعية والتنفيذية وتوسعة اختصاصاتهما، وتكريس القضاء سلطة مستقلة . قد لا يكون برنامج الإصلاحات هذا ممّا يرضي تطلعات من خرجوا إلى الشوارع في 20 فبراير و20 مارس، وقد لا يكون هؤلاء الشباب على يقين من أن ما وُعِدوا به سيجد سبيله إلى التصريف المادي . غير أننا إن أخذنا المُعْلَن من مشروع الإصلاحات، بمعزل عن آليات التنفيذ، أي من زاوية ما هو “إعلان مبادئ”، نستطيع أن نقول بغير قليل من التردد إنه “برنامج عمل” غير مسبوق في تاريخ الدولة المغربية منذ الاستقلال . وهو، وإن بدا غير كافٍ بالنسبة إلى حركة شبابية متطلعة إلى الأكثر وإلى الأبعد، يتجاوز كثيراً ما كانت تطالب به الأحزاب والمنظمات السياسية المغربية من المِلَل والنحَل كافة منذ ردحٍ طويلٍ من الزمن .

رب قائلٍ إن الوعود لا تعني شيئاً في ميزان السياسة والواقع إن لم تقترن بالتنفيذ، وإن المغاربة سمعوا وعوداً شتّى منذ سنوات ولم يروا في الواقع المادي ما يشهد لها بالصدقية . والاستدراكان معاً مشروعان في حالتنا، عدا أنهما صحيحان من منظور قواعد السياسة . غير أن مَن يتمسّك بهما حجةً على سبيل بيان أن النظام غير جِدي في ما يعلن، وأن فكرة الإصلاح لم تنضج بعد في خياراته السياسية، ينسى أن من قواعد السياسة أن الذين يمارسونها يقع عليهم، هُمْ أيضاً، أن يكونوا شركاء في تحقيق المعلن من وعود السلطة وألا يتركوا للأخيرة وحدها أن تنفّذ ما وعدت به على النحو الذي شاءت . أمّا إذا كانت الوعود المعلنة غير كافية في نظرهم، فليس من الحكمة، بل ولا من السياسة، تحويل ما هو “غير كافٍ” إلى “غير مقبول”، لأن مَن يتصرّف كذلك يساعد السلطة على عدم تنفيذ الحدّ الأدنى من الإصلاحات، وليس ذلك من السياسة في شيء .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165422

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165422 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010