السبت 2 نيسان (أبريل) 2011

القيصران . . بداية اختلاف

السبت 2 نيسان (أبريل) 2011 par د. فايز رشيد

بوتين ومدفيديف : الثنائي المتماسك والمنسجم، الصديقان، واللذان بديا طيلة تسلم الأول لرئاسة روسيا، والثاني لرئاسة الوزراء، وتبادل الموقعين في عام 2008، بسبب من الدستور الروسي الذي لا يتيح للرئيس أكثر من ولايتين، يظهران الآن مختلفين حول الموضوع الليبي، وتحديداً: من التدخل الدولي فيه بعد قرار مجلس الأمن رقم 1973. فقد وصف بوتين هذا القرار من خلال القول: “ذكرني هذا القرار الضعيف والمعيب بالدعوة إلى الحروب الصليبية في العصور الوسطى”. الرئيس ميدفيديف انتقد وصف بوتين للقرار من خلال القول: “إنه ليس من المقبول تحت كل الظروف استخدام ألفاظ تؤدي إلى صراع الحضارات كالحروب الصليبية وغيرها” . معروف أن روسيا امتنعت عن التصويت حين اتخاذ مجلس الأمن للقرار، كما هو معروف أن الرئيس (وليس رئيس الوزراء) هو من يوجه السياسة الخارجية للجمهورية الفيدرالية .

الصحف الروسية، ومنذ الموقف الروسي في المجلس، ومنذ إطلاق التصريحين، جعلت شغلها الشاغل، الحديث عن الخلاف بين الرجلين، وذهبت بعيداً في توقعاتها بالقول: “الرئيسان سيتقدمان إلى الانتخابات الرئاسية القادمة” . بمعنى أن ميدفيديف سيترشح للرئاسة، على العكس من الاتفاق الضمني بين القيصرين وفحواه: أن بوتين لا يستطيع الترشح لولاية رئاسية ثالثة بعد ولايتين قضاهما، لذا دعم صديقه الحميم الذي استقدمه من بيترسبرغ (ليننغراد سابقاً) ليعينه رئيساً للوزراء في فترة ولايتيه، ليحتل في ما بعد موقع الرئيس لولاية واحدة، على أن يعود بوتين إلى منصب الرئيس، هكذا أوردت الصحف الروسية تفاصيل الاتفاق الضمني بينهما، قبيل الانتخابات الرئاسية السابقة .

بنظرة موضوعية إلى الزعيمين اللذين يعتبران من نفس المدرسة، ذات التوجه الأيديولوجي والسياسي الواحد، إلا أن ثمة اختلاف جوهري بينهما:بوتين أكثر ميلاً إلى التشدد بالنسبة إلى إدانة عالم القطب الواحد، والهيمنة الأمريكية على القرار الدولي، واتهام الولايات المتحدة بمحاولة التدخل في الشؤون الداخلية لكل الدول، بمعنى آخر فإن بوتين يعتبر الولايات المتحدة دولة أقرب إلى الخصم منها إلى دولة صديقة، وذلك إلى الحد الذي وصف فيه العديدون من المراقبين روسيا إبّان رئاسة ولايتي بوتين، بأنها تأخذ طريقها لتشكيل القطب العالمي الثاني المواجه للولايات المتحدة، فقد كانت تصريحاته حازمة تجاه الولايات المتحدة، كذلك هي سياساته بالنسبة إلى الدول الغربية .

خلافات بوتين مع الإدارة الأمريكية كانت كثيرة ومتشعبة:حول السياسات الخارجية تجاه العديد من القضايا الدولية والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وحول اتفاقات الحد من انتشار الأسلحة النووية، وحول نشر الصواريخ الأمريكية في بولندا، وغيرها من الموضوعات . الذي صعّد من وتيرة الخلاف بين البلدين آنذاك هو التوجه الاستفزازي الصدامي من قبل الرئيس الأمريكي بوش الابن تجاه روسيا وبوتين بشكل خاص .

ذلك ما بدا عليه بوتين، أما الرئيس مدفيديف فيبدو: أكثر انفتاحاً على الولايات المتحدة، وأقل تصلباً تجاهها، وأقل انتقاداً لسياساتها الخارجية، بل يمكن القول إنه متفهم للسياسات الأمريكية الخارجية، بالنسبة لغالبية القضايا العالمية، بما فيها القضايا الإقليمية في الشرق الأوسط، وأيضاً في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني العربي “الإسرائيلي”، ولذلك لم يكن غريباً أن تشهد رئاسة مدفيديف زيارات رسمية عديدة لقادة سياسيين وعسكريين “إسرائيليين” إلى موسكو، وأن تشهد العلاقات الروسية “الإسرائيلية” نمواً ملحوظاً في المجال التجاري، وتوقيع اتفاقات التعاون، واستيراد روسيا لأنواع من الأسلحة “الإسرائيلية” الصنع، وعلى سبيل المثال وليس الحصر:صفقة الطائرات من دون طيار الاستطلاعية المتفق عليها بين الجانبين، التي اشترتها روسيا من “إسرائيل” . في عهد مدفيديف وفي الاجتماعات الدولية المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط، بدت روسيا أكثر ميلاً إلى الامتناع عن التصويت في كل مشروعات القرارات التي تدين “إسرائيل” إلى الحد الذي بدت فيه روسيا وكأنها تختط نهجاً سياسياً جديداً في ما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني، بينما في عهد بوتين فإن السياسة الروسية تجاه الصراع كانت تذكر بالموقف السوفييتي المساند للعرب والفلسطينيين قبل انهيار الاتحاد .

الصحف الروسية (مثلما قلنا) تذهب بعيداً في استنتاجاتها حول إمكانية حدوث الشرخ النهائي والعميق بين من تصفهم بالقيصرين، لننتظر، ونَرَ .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2165306

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165306 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010