الجمعة 1 نيسان (أبريل) 2011

لئلا تبقى العروبة ضحية ثوراتها

الجمعة 1 نيسان (أبريل) 2011

- [**بقلم / احمد جابر*]

ما تشهده البلاد العربية من تطورات عاصفة، لا ترافقها حيوية فكرية مدققة، بل يمكن القول، إن عامل المفاجأة قد أصاب البنى الحاكمة، وأحزاب وحركات البنى المحكومة. تكاد اللحظات السياسية تكون تأسيسية، لأنها لا تتصل اتصالاً أكيداً باستشراف سياسي ـ فكري، سابق عليها، ولأنها تقترب، في الممارسة، من التجريبية، التي لا تعيب عمل القوى الناهضة، لكنها تنبه المراقب إلى ضرورة الحذر في التحليل، وفي رسم اللوحة المستقبلية.

حتى الآن، تراوحت مواكبة القوى السياسية للحراك الشعبي، المنفلت في أكثر من بلد عربي، بين التهليل المفرط، والتفاؤلية غير الواقعية، وبين الارتباك في قراءة الحراك على أصعدة قواه وشعاراته، واحتمالات نجاحه الحقيقية. خلفية الاستبشار، وجدت أغلب مستنداتها لدى الأحزاب اليسارية والقومية الفاشلة، التي سارعت إلى تعليق «لافتاتها» الشعارية، على واجهات الحركات الشعبية. أما التردد، فجاء من جهة الوضعيات الجديدة، التي أتى منها الفعل الشعبي، وهذه لم تكن مرصودة لدى أحزاب التقليد، لذلك كانت «الدهشة» سياسة القديم، أمام الجديد الوافد.

لكن، ولأن دم اللحظات الشعبية ما زال حاراً، فإن للنقاش المتفاعل مع الحراك الشعبي، مطرحاً فكرياً وسياسياً، على أصحابه أن يحسنوا الانتساب إليه. بطاقة الانتساب إلى الجديد، لا يمكن أن تكون إلا جديدة، أي خارج الترداد المعهود، ومن خارج العدّة السياسية المعروفة، ومن خلال تطوير المنطلقات الفكرية الأساسية، وتجديد راهنيتها، أي إعادة تعريفها تعريفاً راهناً ومستقبلياً.

في إزاء ذلك، يصير المطلوب اتخاذ وضعية حيال التطورات، ليكون ممكناً بعد ذلك، اتخاذ موقف سياسي. تتصل الوضعية حيال الأوضاع الناشئة، بالمسؤولية القومية والوطنية والفكرية والسياسية، عن كل مسألة بعينها، ويطلع الموقف السياسي المسؤول، من ثنايا تلك الوضعية المسؤولة.

ولكل وضعية ركائزها، لكنها تكون مرتبطة، في مقام التطورات الراهنة، أولاً، بركيزة العروبة وأفكارها، وما يلازمها من قراءات وشعارات وسياسات. وثانياً بركيزة التمييز والتمايز، كمقياس فارق، بين الأنظمة القائمة باسم العروبة وبين سياساتها العروبية، وكمسطرة قياس، بين السياسات المعترضة على هذه الأنظمة، المعمول بها حالياً، وتلك المطلوبة لتأسيس معارضة أخرى، أكثر نجاعة، وأشد التصاقاً بالهموم المجتمعية المستقبلية.

ركيزة العروبة ليست خياراً اعتباطياً، لأن العروبة، ورغم مرارة التجارب «العروبوية»، ستظل الإطار الجامع، الذي يستطيع تغليف الفروقات الدينية والعرقية، تغليفاً إيجابياً، يتضمن الاعتراف والعزم على المعالجة، وهذا ما يناقض التجهيل والقفز فوق الحقائق الموضوعية، قفزاً شعاراتياً. على هذا الصعيد، العروبة عامل جمعي ومشروع دمج اجتماعي، ولذلك فهي «وحدوية»، تكاملية أو تعاونية، أو اندماجية، لا فرق، لأن الأشكال المذكورة تقررها التطورات، لكن أياً من هذه الأشكال، لا يسقط مقوّم الوحدة من فكرة العروبة، ومن سياساتها. للأمر توابعه، في الاقتصاد وفي الدفاع وفي الثروات، وفي التعايش مع الوطنيات المتفرقة، وله توابعه في الاحترام المتبادل، وفي فهم وتفهم التباينات، وفي قراءة اختلاف السير المجتمعية بين بلد وآخر. لعل بعض صفات «الحضارية»، التي تُعطى للعروبة كامن هنا، ولعل العروبة الحضارية تشكل المقدمة اللازمة للعروبة السياسية، لأنها تقدم صفة الطواعية والاختيار، على صفة القهر والاضطرار.

ركيزة التمييز ومن ثم التمايز، تصير واضحة أكثر، إذا ما ارتفعت فوق مدماك العروبة، كذلك فإنها تغدو «أرشق»، لأنها تتخفف من عامل «الاتهام» تلقائياً، هذا الثوب الجاهز الذي يلبسه كل نظامي سياسي عربي، لكل هتاف يهتف بغير حنجرته النظامية.

التمييز مسؤول أيضاً، لأن العروبة الجامعة منطلقه. يُميَّز بين كل بلد ونظامه، لذلك، فإن المميّز مسؤول عن سلامة البلد المعني، وإن كان في موقع غير المحبذ لنظامه، كذلك لا بد من التمييز بين النظام وسياسته، إذ عندما يُدلى بدلو الانتقاد لسياسة رسمية ما، لا يؤخذ الأمر فوراً، على أنه دعوة مباشرة إلى الإطاحة بهذا النظام أو ذاك. ما ورد ليس خارج الوقائع، بل إن له ترجماته الميدانية في أكثر من بقعة عربية، وبعض هذه الترجمات صدر في «مؤلفات»، شردت عروبياً ووطنياً، في الثقافة وفي السياسة، وبعضها قصّر عن تدوين «فعله»، على صفحات تلك الميادين كلها. على سبيل المثال، لم تميز المعارضات العراقية سابقاً، بين العراق ككيان، وبين النظام المتحكم به، فلم تجد حرجاً في التلاعب بالكيان من أجل إسقاط النظام، وهي لم تدقق أبداً، في معنى الذهاب بالنظام، عندما كانت تدق الأبواب الخارجية للتخلص من سياساته. في أروقة عدم التمييز هنا يتنقل احتلال البلد، وفرط اجتماعه، والسيطرة على ثرواته، واسترهان مستقبله. لقد انخرط الطيف العراقي كله، في «جيش» التحليل الأحادي، ولم يفر من صفوف ذلك الجيش صوت ذو معنى، أي ذو موقع سياسي ملحوظ.

نكاد نكون اليوم أمام نفس الأمثولة، في ليبيا، وفي اليمن، وبطريقة أخف في سوريا، أي نكاد نكون أمام نفس الموقف: ما الوضعية المسؤولة التي يجب اتخاذها حيال المتغيرات في تلك البلاد العربية؟ ثمة ما يجب الانحياز إليه فوراً: الحرية والعدالة كأقنومين لا غنى عنهما، للعروبة التي نتمسك بها، إذا ما أردنا لهذه العروبة أن تكون صنو الأمان والتقدم والاستقرار. وثمة تحليل يجب الانخراط فيه فوراً أيضاً، ما طبيعة القوى المناهضة للنسق الرسمي في كل بلد، لنضمن ألا يخلف النظام النظام؟ وثمة ما يجب التشديد عليه: التغيير السلمي الهادئ هو شبكة الأمان المجتمعية الأولى. تعرف البلدان العربية ذلك قبل غيرها، وتعلم أن ما جاء إلى المسؤولية بالعنف، ما زال مستمراً بالعنف إياه. وثمة ما يجب التدقيق فيه: إن مصطلح الثورة ليس تقدمياً دائماً، فهو يعني «الخروج من الوضع الراهن، إلى وضع أفضل أو أسوأ منه». لذلك، فعلى العروبيين أن يكونوا أول المبادرين إلى إقامة الفصل بين الثورة وادّعاءاتها، وإلى الفرز بين شعبوية القوى وشعبيتها، وبين الثبات عند الموقف المسؤول «وقل كلمتك وامشِ» حتى لو كان المشي إلى... الخراب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 4 / 2165626

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165626 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010