الاثنين 21 آذار (مارس) 2011

مأزق أولوية إنهاء الانقسام فلسطينياً

الاثنين 21 آذار (مارس) 2011 par منير شفيق

ثمة انقسام جديد أخذ يتهدّد الوضع الفلسطيني مع الحراك الشبابي الذي جعل أولويته إنهاء الانقسام الحاصل في الساحة الفلسطينية. وذلك حين ترك الدخول في مواجهة مع قوات الاحتلال ولم يجعل هدف دحرها من خلال انتفاضة شبابية شعبية. وقد اكتفى بإلحاق “شعار إنهاء الانقسام” بشعار “إنهاء الاحتلال” على طريقة نهج “إنهاء الاحتلال” من خلال بناء المؤسسات، أو المفاوضات. فالشعار مطاط وحمّال أوجه.

الاحتلال والانقسام ليسا وجهيْن لعملة واحدة كما ورد في أحد بيانات الداعين إلى حراك إنهاء الانقسام. لأن الاحتلال شيء والانقسام شيء آخر. فالانقسام سببه سياسي بالدرجة الأولى ويتعلق بالموقف من الاحتلال وكيفية التعاطي معه.

وإذا كان من وجه آخر لعملة وجه الاحتلال فهو التعاون الأمني الذي تُمارسه، وتشكلت من أجله، الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي أسسّها، وأشرف عليها، الجنرال الأمريكي كيث دايتون. ويشرف عليها ويقودها فريق أمريكي-إسرائيلي حتى الآن.

هذه القضية لا يراها الحراك المذكور ولا يريد أن يتوقف عندها أو يعدها شرطاً أول لإنهاء الانقسام، فيما خط التعاون الأمني مع قوات الاحتلال يمثل سياسة ثابتة لكل من سلام فياض ومحمود عباس.

فالحراك لإنهاء الانقسام لا يتطرق إلى السياسات التي انطلقت من اتفاق أوسلو وتدهورت إلى درك أسفل في المفاوضات التي تلت مؤتمر أنابوليس وتواصلت في عهد أوباما-ميتشل. بل إن أحد بيانات الداعين إلى هذا الحراك أوحى، أو طالب، بالحفاظ على “مكتسبات” حققها هذا المسار على طريق إقامة الدولة الفلسطينية.

هنا أيضاً ثمة خلاف أساسي مع الذين رفعوا شعار “إنهاء الانقسام” بعيداً من السياسة فيما يتعلق بعملية التسوية، وما يمثله أحد طرفي الانقسام من خط سياسي يريد أن يقيم الدولة الفلسطينية وينهي الاحتلال من خلال المفاوضات والرهان على الراعي الأمريكي.

القائمون على الحراك يظنون أن طرفي الانقسام يتمثلان بسلطتي رام الله وقطاع غزة. ومن ثم إذا قامت حكومة وحدة وطنية بينهما ينتهي الانقسام في الساحة الفلسطينية. هذا يعني أنهم أسقطوا من حسابهم كل الذين يعارضون اتفاق أوسلو، وما توّلّد عنه من سلطة ومفاوضات وعملية سياسية، وتخلٍّ عن استراتيجية الانتفاضة والمقاومة، وصولاً إلى التعاون الأمني الذي حوّل الاحتلال إلى احتلال مريح مثل “فندق بخمس نجوم”، أو كما اعترف حتى محمود عباس بأنه “أرخص احتلال عرفه العالم”.

ثم الأهم أن دعاة إنهاء الانقسام وإعطاءه الأولوية على كل ما عداه أو إلحاق شعار إنهاء الاحتلال به، لا يجعلون الحراك موجهاً إلى قوات الاحتلال ومستوطنيه ومستوطناته وحواجزه ودورياته. ولهذا تجمعوا بالآلاف، أو أكثر دون الاقتراب من تلك النقاط.

والسؤال: كيف يمكن إنهاء الاحتلال من دون مواجهة شعبية مع قوات الاحتلال والمستوطنين، ودعك من المقاومة المسلحة التي يُواجَهُ بها كل احتلال؟

لنحصر الحوار الآن في الانتفاضة الشعبية-الشبابية التي يجب أن تتحد تحت رايتها كل الفصائل الفلسطينية وفي مقدمها حماس وفتح، كما كل أطياف الشعب الفلسطيني. فالوحدات الوطنية الحقيقية لم تتحقق على أعلى مستوى إلاّ في الانتفاضتين 1977 و2000، كما في مراحل المواجهات المسلحة التي كانت تتعرض لها المقاومة خارج فلسطين. أما أعلى مستويات الانقسامات فقد عرفتها الساحة الفلسطينية مع كل تنازل سياسي عن الثوابت التي أرساها ميثاق م.ت.ف عام 1968. وقد بدأت بصورة جديّة مع التقدّم ببرنامج النقاط العشر، ووصلت المستوى الأعلى مع اتفاق أوسلو، ثم ارتفعت إلى المستوى الراهن الأكثر تنازلات في المفاوضات التي أشرفت عليها كونداليزا رايس بين 2007 و2009. فضلاً عن التنازلات التي كشفت عنها الوثائق المأخوذة من مكتب صائب عريقات وقد نشرتها قناة الجزيرة. علماً أن ثمة تنازلات غير موثقة قدّمت شفهياً لأولمرت وجورج ميتشل.

ولهذا كل حديث عن إنهاء الانقسام ينحرف عن اتجاه البوصلة إذا لم يرتبط بالحشد الشبابي الشعبي ويواجه قوات الاحتلال ودورياته كمقدمة لانتفاضة شاملة... يومية.. طويلة الأمد.

أما الحديث عن إنهاء الانقسام وإنهاء الاحتلال فهو من الطينة نفسها، إذ ما معنى إنهاء الاحتلال من دون الدخول في مواجهات حاسمة ومباشرة مع قوات الاحتلال. فالاحتلال لا يخرج بمجرد تشكيل حكومة فيما تستمر الأجهزة الأمنية حامية للاحتلال في الضفة الغربية.

من هنا نفهم لماذا التقط محمود عباس الثغرة في الحراك الشبابي لإنهاء الانقسام، فأعلن أنه يريد أن يذهب إلى غزة لتشكيل حكومة محايدة من أجل إجراء الانتخابات. وقد اعتبر ذلك إنهاء للانقسام.

ما معنى إجراء انتخابات غير الدخول في مرحلة جديدة من مراحل الانقسام والمغالبة.

بالتأكيد لا يريد الشعب إجراء انتخابات لتكريس سلطة أوسلو، أو للاستمرار في حماية قوات الاحتلال والحيلولة دون اندلاع الانتفاضة والمقاومة. لأن تشكيل حكومة تحت الاحتلال يعني المحافظة على أمن قوات الاحتلال في الضفة الغربية، ومواصلة استمرار الاستيطان وتهويد القدس.

أما إذا كابر أحد ليقول إن الحكومة ستدخل مقاومة وانتفاضة ضدّ الاحتلال فما الحاجة إليها. لأن الانتفاضة ستعني المواجهات وتعطيل الحياة المدنية وقطع المساعدات المقدمة لتصفية القضية من قِبَل الدول المانحة. إنها رشوة لكوادر السلطة من أجل المحافظة على أمن قوات الاحتلال ثم توقيع على اتفاق تصفية القضية الفلسطينية.

من هنا ينبغي للشباب الذين أعلنوا حراكاً لإنهاء الانقسام أن يتنبهوا إلى أن ثورة شبابية يجب أن تحمل هدفاً يرمي إلى إزالة سيطرة السلطة القائمة، وإلاّ لن تصبح شعبية وستلعب بها الفصائل التي رمت أعلام المقاومة والانتفاضة بعيداً في البحر وراحت تدعم المفاوضات والتعاون الأمني، وتستكين لقيادة سلام فياض ومحمود عباس.

تصحيح هدف الحراك هو المطلوب وإلاّ صبّ في طاحونة سلطة رام الله واستمرار الانقسام وهو يظن أنه يُحسِن صنعا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165911

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165911 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010