الاثنين 21 آذار (مارس) 2011

غواية قتل الشعب

الاثنين 21 آذار (مارس) 2011 par العزب الطيب الطاهر

رغم تفاعلي مع المشهد السياسي العربي على مدى يقترب من الثلاثين عاما بحكم عملي بمهنة البحث عن المتاعب والحقائق أيضاً فإن قدرتي على تفسير غواية قتل الحاكم العربي المسلم لنفر من أبناء وطنه تبدو محدودة للغاية بل منعدمة أن شئنا الدقة.

وكثيرا ما تساءلت عن سر هذه الغواية؟ فهل هي نابعة من جينات ورثها بعض حكامنا العرب الحاليين من أجدادهم الذين لم يتورع البعض منهم عن قتل ابنه أو والده أو عمه أو طائفة بكاملها أو إبادة منطقة بقضها وقضيضها؟
أم هي حصيلة رغبة عارمة في التمسك بمعادلة السلطة مهما كلف الأمر باعتبار أن هذا الحاكم أو ذاك من سلالة مغايرة تستحق وحدها البقاء فيها دون غيرها أو أن الله لم يخلق مثيلا له ليظل حاميا للوطن والشعب والثروة أو بالأحرى ملتهما لهم

أم هي جشع في امتلاك المزيد من وجاهة الموقع وميزات المنصب الأول وهو ما يتيح له أن يتحكم في رقاب العباد التي تنحني أمامه وكأنه إله فرعوني يتوجب تقديسه والتسبيح له في كل الأوقات ومن يتخلى عن هذه العادة أو العبادة يكون مصيره السجون والمنافي والإقصاء بل والقتل أحيانا

التساؤلات عديدة والتفسيرات أكثر تعددا وتعقيدا ولكنها لم ترو نهمي أو تشف غليلي .

ولنتوقف عند أربعة من الحكام العرب اثنين منهما رحلا بفعل ثورة شعبية سلمية وهما الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي والرئيس المصري محمد حسنى مبارك والآخران ما زالا متشبثان بالسلطة وهما الرئيس الليبي معمر القذافي والرئيس اليمني على عبدالله صالح فالأولان غادرا الحكم بقوة الفعل الثوري السلمي الذي امتد في كافة أنحاء البلاد وظلا على مدى زمني طويل رافضين للاستجابة لمطلب الثوار بل أمرا بتوجيه رصاصات قواتهما الأمنية لصدورهم ومحاولة التخلص منهم عبر وسائل همجية تجاوزها الزمن اعتمادا على ما يسمى بالبلطجة والخارجين عن القانون والذين كانوا جزءا -حسب ما كشفته الوثائق في مصر بالذات- من المنظومة الأمنية لنظام مبارك ولنظام بن علي بأشكال أخرى والنتيجة كانت إزهاق أرواح مئات الشباب والمواطنين وقد كشف النقاب قبل أيام عن أن مبارك عندما أبلغه حسام بدراوي الأمين العام السابق بالحزب الوطني عن سوء الوضع وطالبه بسرعة التنحي عن الموقف خاصة مع اقتراب الثوار من القصر الجمهوري قال له إن الحرس - يقصد الحرس الجمهوري المكلف بتأمينه- سيضرب “في المليان” بما يعني أن لديه تعليمات بإطلاق الرصاص الحي على أي شخص يقترب من دائرة القصر الجمهوري الكائن بضاحية مصر الجديدة شرق القاهرة والمعروف أن هذه التعليمات صادرة منه لقائد الحرس الجمهوري وبالطبع فإن ما عرف إعلاميا بواقعة الجمل شاهدا على أن التمسك بالسلطة أهم من الشعب الذي قام نظام مبارك بقيادة نجله جمال بالتخطيط والتدبير لحشد الآلاف من البلطجية والخارجين عن القانون لضرب ثوار ميدان التحرير في الثاني من فبراير وهي الواقعة التي أنهت بقايا التعاطف مع مبارك بعد خطابه الذي ألقاه قبل ذلك بيوم واحد وأعلن فيه أنه لن يترشح لرئاسة الجمهورية مرة أخرى.

وتشير آخر الأرقام لضحايا نظام مبارك إلى أنهم يتجاوزن خمسمائة شهيد غير آلاف المصابين في كل المدن المصرية- وفق تقرير للجنة تقصي الحقائق المكلفة في وقائع الاعتداء على الثوار- والتي ثبت أن مصدر الأوامر بإطلاق النار الحي والمطاطي وغيره من وسائل القتل والإصابة مبارك نفسه أو نجله جمال الذي كان يدير الأزمة بالقرب من والده على نحو أدى إلى القضاء على نظامهما السيئ السمعة.

أما فيما يتعلق بالقذافي وصالح فحدث ولا حرج حسب التعبير الدارج فالقذافي تعامل مع شعبه الثائر على أكثر من 42 عاما من القهر والاستبداد وقسوة القلب والفساد واحتكار السلطة من قبل عائلته باعتباره مجموعة من الجرزان والمخدرين الذين يستحقون القتل ومن ثم استأجر المرتزقة بأموال هذا الشعب ليوسع فيهم القتل بلا هوادة ودونما رحمة والتعبير الأخير له شخصيا وأعلن أنه سيطاردهم من بيت إلى بيت ومن حارة إلى حارة ومن زنقة إلى زنقة وهى الأضيق من الحارة وأنجز وعيده وتجاوز القتلى الآلاف دون أن يغمض له جفن.

وصالح في اليمن يمارس لعبة النفي بعد أن يقتل جنده وقناصوه شعبه في مجازر يندى لها الجبين مثلما حدث يوم الجمعة الماضي وقبل ذلك منذ تفجر ثورة الشعب اليمني متمسكا بالسلطة التي أعلن بوضوح أنه لن يغادرها قبل 2013 أي أنه سيظل جاثما على صدر شعبه عامين آخرين رغم دمائه العالقة برقبته.

وبالطبع غواية قتل الشعب منتشرة في غير الأقطار العربية التي ذكرتها وإن كانت ليست على النحو الشديد البشاعة في تونس ومصر وليبيا واليمن ولكن أيا كانت أعداد القتلى والمصابين فهي تؤشر إلى توحش بعض من حكامنا العرب تجاه شعوبهم التي منحتهم منذ سنوات ثقتها ورغبتها في النهوض على أيديهم وقدموا أثمانا باهظة لبقائهم في السلطة رغم أنهم لن يحققوا وعودهم لهم بالتنمية والتقدم والحرية والديمقراطية وعندما طالبت الشعوب بحقوقها ثائرة بعد أن أعيتها الحيل والسبل سارع هؤلاء الحكام إلى تبنى منهجية القتل المنظم والإبادة مثلما يحدث في ليبيا ومحاولة إسكات الثورة عبر سفك دماء الثوار.

والمرء يتساءل كيف يكون بمقدور حاكم أن يستمتع بالحكم وبمباهجه ويداه مخضبة بدماء شعبه؟

أظن أن لا أحدا من هؤلاء القتلة يمكن أن ينتابه هذا الخاطر فهم يظنون أن العناية الإلهية اختارتهم للبقاء على جماجم شعوبهم التي لا تساوى جناح بعوضة
إن شرعية أي حاكم مرهونة برضا شعبه فما بالك إذا كان هذا الحاكم قاتلا لهذا الشعب قابضا لأرواحه ناهبا لثرواته فهل يفكر هؤلاء الحكام في تغيير المعادلة بحيث يحرصون على دماء شعوبهم أولا قبل التمسك بالسلطة التي ستضعهم في أشد خانات التاريخ رداءة وعتمة وظلاما؟

السطر الأخير

للشهيد علي الجابر:
إنك يا صديقي ضحية لهذه الغواية فأنت واحد من أبناء الشعب العربي.
لم يطق زبانية القذافي أن تأتي لترصد عشوائية قتله لشعبه فقتلوك لكنك سكنت خانة الشهادة بينما هو وهم سكنوا خانة العار.

لقد كان من حظي أن أسعد بك قليلا خلال تغطيتنا أنت وأنا للقمة الخليجية الأخيرة في أبوظبي في بدايات شهر ديسمبر الماضي وكان معنا الصديق المحبب لكلينا جابر الحرمي كنت خلال هذه الأيام شديد الوضاءة والنقاء كان وجهك صافيا ولغتك مدهشة وقلبك عامر بالمحبة للآخرين رغم أنني أعرفك منذ أكثر من خمسة عشر عاما في الدوحة حيث كنا نتزامل في المهنة تصور أنت لمحطتك التليفزيونية وأكتب أنا لصحيفتي ثم نتبادل السمر والحكايات والأحلام وعشق الحياة الكريمة وأحيانا كنا نلتقي في مقاهي سوق واقف ليلا فلك الرحمة والسكينة مع النبيين والصديقين ولأسرتك ولمحبيك الصبر والسلوان



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165788

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165788 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010