السبت 19 آذار (مارس) 2011

الثورات العربية والسلم الاجتماعي

السبت 19 آذار (مارس) 2011 par توفيق المديني

لا تزال الثورات الديمقراطية العربية في بداياتها، رغم سقوط نظامين ديكتاتوريين هما النظام البوليسي التونسي، والنظام العسكري- البوليسي المصري،وانتقال الثورة الليبية التي بدأت يوم 17 فبراير الماضي إلى مرحلة جديدة من الحرب الأهلية في ظل قتال شرس ووحشي من جانب نظام العقيد القذافي للبقاء في السلطة حتى لو أدى به الأمر إلى إحراق ليبيا كلها، في ظل عدم تكافؤ القوى العسكرية على الأرض بين قواته المدججة بالأسلحة الثقيلة والطيران الحربي، والزوارق الحربية، وبين قوات الثوار عديمة الخبرة العسكرية، وغير منظمة، وتفتقد إلى وسائط القتال الحديثة والفعالة مثل الطيران، والأسلحة الثقيلة. وككل الثورات التي شهدها عالمنا المعاصر منذ القرن التاسع عشر وإلى يومنا هذا، تعرف الثورات الديمقراطية العربية حالة من المد والجزر، وحتى من «الخيانة» لاسيَّما من جانب الدول الغربية التي تحدد مواقفها بدلالة مصالحها النفطية، وحسابات الربح والخسارة، لا بدلالة القيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان، وهي لا تكترث أبداً لتطلعات وطموحات الشعوب العربية في تحقيق حريتها وكرامتها الإنسانية.
لكن بشهادة كبار المحللين العرب والغربيين، يشهد العالم العربي يقظة جديدة من الثورات الديمقراطية، تقودها حركات شبابية جامعية تستخدم أرقى ما توصلت إليه ثورة الإنترنت، وثقافة الفيسبوك من أجل توعية المواطنين العرب بقيم الحرية والكرامة،والمواطنة، والمشاركة السياسية والتعددية الديمقراطية،واحترام حقوق الإنسان، لإحداث التغيير السياسي الذي طال انتظاره في معظم البلدان العربية. وإذا كانت هذه الديناميكية قد حققت نجاحات مهمة في بلدين عربيين هما مصر وتونس، فإنها لا تزال تشق طريقها في ظل تضاريس وعرة في كل من ليبيا،والجزائر، والأردن، واليمن، والبحرين، وسلطنة عمان، وغيرها من البلدان.

إن أهم خاصية للثورات الديمقراطية العربية، أنها حطمت ما يسمى في علم الاجتماع الحديث بالسلم الاجتماعية، لأن الدول العربية التي يغلب عليها طابع الدول الريعية سواء النفطية أو غير النفطية مثل مصر، التي تعيش على السياحة، ومن تحويلات عائدات المهاجرين المصريين في الخارج، ومن عائدات قناة السويس، ومن المساعدات الأمريكية،هذه الدول جميعها عجزت عن إيجاد حلول واقعية لمشكلة البطالة لاسيَّما بطالة الخريجين من الجامعات.

فالدولة الريعية تراكم الثروات ولا توفر فرص عمل. وليس خلق الثروات شاغل الدولة. فهذه تخشى انحسار احتكارها توزيع الريع. وهي تستسيغ التعامل مع العاطلين من العمل أو العاملين في مهن لا تؤمن كفاف العيش. فإرضاء هؤلاء من طريق توفير مساكن لهم أو منحهم إعانات غذائية يسيرة. وتحول الدول الريعية دون بروز شريحة اجتماعية تنتج الثروات، وتحوز، تالياً، هامش استقلال عن الدولة، وتباشر مساءلة السلطة. والمساعدات الخارجية تسهم في تثبيت الأنظمة العربية. وهذه حال مصر والأردن.(زكي لعيدي إخفاق الأنظمة الريعية العربية، صحيفة لوموند الفرنسية، 5فبراير 2011).

أما في الدول الخليجية المنتجة للنفط، فقد أعلنت يوم 10 مارس الجاري عن إنشاء صندوق بنحو 20 مليار دولار، وتوزيع هذه المساعدات على السكان لتخفيف الصدمات الاجتماعية، ولمساعدة السكان الفقراء وذوي الدخل المحدود، في هذه المنطقة من العالم العربي. فيوم23 فبراير الماضي أعلن الملك عبدالله ابن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين عن تخصيص المملكة العربية السعودية مبلغا بقيمة 36 مليار دولار لزيادة أجور الموظفين، وبناء مساكن جديدة. وفي 7 مارس أعلنت مملكة البحرين التي تشهد احتجاجات شعبية كبيرة منذ ما يقارب شهرا،عن برنامج لبناء 50000مسكن على مدى خمس سنوات بتكلفة تصل نحو 5 مليارات دولار. وفي سلطنة عمان التي لم تسلم هي أيضاً من عدوى الاحتجاجات الشعبية، خصص السلطان قابوس منحة بقيمة 300 يورو لكل عاطل عن العمل، وزاد في راتب الأجر الأدنى، وكذلك المنح المخصصة للطلاب. أما أمير دولة الكويت فقد منح مبلغاً لكل مواطن كويتي بقيمة 1000دولار على مدى شهري فبراير ومارس2011.

ويجمع المحللون الغربيون المتابعون لمايجري في المنطقة العربية، على أن الثروات الهائلة التي راكمتها الدول العربية الريعية، والتي كانت تشكل سعادة للسكان في الأوقات الطبيعية، لم تعد قادرة على الوقوف في وجه السيل الجارف للثورات الديمقراطية العربية، الناجمة من تكدس الثروات لدى الفئات الحاكمة، ومن تنامي الشعور بالظلم الاجتماعي في ظل عدم توزيع عادل للثروة ولفوائد النمو، لاسيَّما من قبل الحركة الشبابية التي لم تعد تقبل بهذا الوضع أولا، وعن تفاقم ظاهرة البطالة في العالم العربي كله، ثانيا. ففي سلم البطالة في العالم، وهي تقاس من أدنى المعدلات إلى أعلاها، تتربع مصر في المرتبة 107، والمغرب في المرتبة 109، والجزائر في المرتبة 110، والأردن في المرتبة 139، وتونس في المرتبة 140، واليمن، في المرتبة 185. وعليه، قد يصح رسم خريطة الثورات العربية بناء على معدلات البطالة والعمل،حسب قول زكي لعيدي.

من هذا المنطلق لم تعد الدول الريعية النفطية في منأى عن حركات الاحتجاج الاجتماعي، وبالتالي عن الثورة، والمثال البارز على ذلك هو ليبيا، حيث إن الثورة في هذا البلد العربي هي سياسية قبل أن تكون اقتصادية.فالثورات الديمقراطية العربية تعكس لنا مرآة أفول النموذج الريعي الذي كان سائداً في العالم العربي، والذي لم يعد قادراً على حماية السلم الاجتماعية. لقد استفادت الدول الريعية النفطية من ارتفاع عائدات النفط، لكنها رفضت الانفتاح على شعوبها، فكانت الحرب الأهلية في الجزائر طيلة عقد التسعينيات من القرن الماضي، وكانت حروب العراق الخليجية، والآن حرب العقيد القذافي على شعبه في ليبيا. ففي الدول الريعية النفطية، مثل ليبيا والجزائر، والعراق، المنقسمة إلى قبائل وعشائر، وطوائف، والتي تفتقد إلى وجود مؤسسات سياسية فاعلة،وفي ظل غياب قوى سياسية تؤمن بفضائل التسوية، تظل معرضة لحروب أهلية قاتلة ومدمرة.

ومع ذلك، فإن الثورات الديمقراطية العربية التي تركز في الوقت الحاضر على دينامكيتها الداخلية، لا على الصراع مع الامبريالية الغربية والصهيونية، والتي تتبنى كونية مبادئ وقيم الثورات الديمقراطية الأمريكية والفرنسية، والآن العربية، قادرة أن تشكل نهضة عربية جديدة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2177373

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2177373 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40