السبت 19 آذار (مارس) 2011

من علامات الساعة الصغرى

السبت 19 آذار (مارس) 2011 par فهمي هويدي

من غرائب زماننا وعجائبه أن شعب مصر يتوجه اليوم للاستفتاء على رأيه في التعديلات الدستورية دون دعوة من السيد الرئيس، وأن يصبح «سيادته» مطالبا بأن يدلي بصوته باعتباره مواطنا عاديا، يقف في الطابور شأنه شأن بقية مواطني شرم الشيخ، لكن الغريب أيضا أنه سيذهب دون أن يكون على علم مسبق بالنتيجة، ليس وحده في حقيقة الأمر، لأن الملايين الذين لم يوجه إليهم المذكور الدعوة سيذهبون إلى الاستفتاء وهم يجهلون النتيجة أيضا، أما الأعجب والأغرب من هذا وذاك فإن السلطة التي تجري الاستفتاء وتشرف عليه ليست أفضل منا كثيرا، إذ هي بدورها لا تعرف النتيجة، وسوف تنتظر مثلنا انتهاء الفرز حتى تتعرف عليها، حتى وزارة الداخلية التي توافر لرجالها حظ من العبقرية والقدرة على التنبؤ مكنهم طوال الثلاثين عاما الماضية من معرفة النتيجة ليس فقط قبل الفرز بل قبل أن تبدأ الانتخابات ذاتها، ولو أن القائمين على الأمر الآن دققوا جيدا في وثائق أمن الدولة التي تكشف أمرها مؤخرا، لوجدوا فيها بيانات كافية عن نتائج كل الانتخابات والاستفتاءات المعلومة وغير المعلومة المرشحة للإجراء في مصر خلال العشرين أو الثلاثين سنة المقبلة، لكنهم سيفاجأون ــ للدهشة ــ بأن نتائج الاستفتاء الذي سيجري اليوم مفقودة، لأنها لم تكن في حسبانهم ولم تخطر لهم على بال.

لا يقف الأمر عند ذلك الحد، لأن المشهد حافل بالأعاجيب التي تجعل الحليم حيرانا بين مصدق لما يجري ومكذب له، ذلك أن خوف الشعب من الشرطة كان من الثوابت المستقرة طوال السنين التي خلت، لكننا فوجئنا هذه الأيام بانقلاب الآية على نحو لا يكاد يصدق، بعدما وجدنا أن الشرطة أصبحت تخاف من الشعب، بل إن رجال أمن الدولة الذين كانوا يديرون العملية الانتخابية ويتحكمون في لجان التصويت، اختفوا ولم يعد لهم أثر، وإذا وجدوا فإنهم سينضمون إلى الشرطة في «الفرجة» علينا من بعيد! وبمناسبة الحديث عن الشرطة وغرائب أحوالها، لا تفوتنا ملاحظة أن عبود الزمر الذي اتهم بالضلوع في قتل السادات ظهر على شاشات التلفزيون، في حين أن حبيب العادلي وزير الداخلية صار في السجن وقد أخفاه الجنود حين استدعي إلى المحكمة لكي لا يراه أحد، كما لا تفوتنا ملاحظة أن الإخوان المسلمين الذين ظل يشار إليهم بوصفهم الجماعة المحظورة أصبحوا حاضرين في قلب المشهد وفي وسائل الإعلام، في حين أن قرارات النائب العام حولت أبرز أعضاء الحكومة السابقة إما إلى جماعة محظورة أو محبوسة.

الذي لا يقل غرابة عما سبق أننا تابعنا على شاشات التلفزيون طوال الأسابيع الأخيرة نقاشات ساخنة ومستفيضة بين مؤيدي التعديلات الدستورية ومعارضيها، في حين وقفت الحكومة متفرجة ومحايدة إزاء ما يجري، وهو ما لم نألفه لأننا اعتدنا في مثل هذه المناسبات أن يلتزم التلفزيون الرسمي بأمرين، أولهما إجراء المناقشات المستفيضة بين المؤيدين والمؤيدين، وثانيهما أن يتنافس المتحاورون في هجاء الإخوان الذين يشكلون المنافس الحقيقي للحزب الوطني، لتخويف الناس من ذلك العفريت «المتأسلم».

من عجائب زماننا أيضا أن أعيننا ستفتقد مشهد «البلطجية» الذين دأب الحزب الوطني وجهاز أمن الدولة على حشدهم في مثل هذه المناسبات للقيام بـ«الواجب» إزاء المعارضين، ولست أشك في أن جموعهم الآن تتحسر على ذهاب عصرهم الذهبي، وعلى انقطاع أحد أهم مصادر تمويلهم، ولن أستبعد أن يفكر بعضهم في الطعن في سلامة إجراءات التصويت، بعدما جرى العرف على اعتبار وجودهم طوال السنوات الماضية من مستلزمات العملية الانتخابية.
أما أم العجائب، فهي أن العسكر القابضين على السلطة يريدون تسليمها إلى الشعب، ولكن نفرا من المثقفين باتوا يتمنعون ويطلبون منهم إطالة مدة بقائهم، وأن المجتمع الذي أسقط النظام وهو في عز جبروته أصبح بعض أبنائه يتخوفون منه بعد انهياره، حيث مارسوا جرأتهم في مواجهة الطاغوت لكنهم أصبحوا يرتجفون أمام شبحه!
السؤال الذي يخطر على بال المرء حين تتراءى له هذه الصور هو: كم واحدة منها يمكن أن ترشح للانضمام إلى علامات الساعة الصغرى؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165536

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2165536 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010