الاثنين 14 آذار (مارس) 2011

سقوط دولة الخوف في المحروسة

الاثنين 14 آذار (مارس) 2011 par العزب الطيب الطاهر

واحدة من أهم إفرازات ثورة الخامس والعشرين من يناير سقوط الخوف في المحروسة والتي أقصد بها مصر والذي ظل على مدى ثلاثة عقود مهيمنا على مفردات الواقع السياسي فيها وإن كان قد بدأ عمليا في عهد الرئيس الراحل أنور السادات الذي صاغ معزوفة خوف عندما أعلن أن الديمقراطية لها أنياب ثم توج ذلك قبيل رحيله بشهر باعتقال ما يزيد على 1500 شخصية من أهم رموز القوى الوطنية من مختلف ألوان الطيف بالمشهد السياسي المصري.
تجلت ملامح سقوط الخوف في إنهاء أسطورة جهاز أمن الدولة الذي كان يهيمن على كل نشاط الدولة المصرية على نحو مخيف ويرتعد منه عناصر النظام قبل الناس العاديين الذين كان يعد عليهم أنفاسهم لإبلاغها للقيادة السياسية لاستغلالها في الوقت المناسب عندما يتجاوز أحدهم السقف المحدد للحركة والتصريحات والمواقف.

وأذكر أنني توجهت قبل أشهر إلى وكيل وزارة التربية والتعليم بمديرية التعليم بمحافظة الجيزة لحل مشكلة تتعلق بابنتي الطالبة بالمرحلة الثانوية فعرفني على الفور على شخص كان يرتدي زيا مدنيا وقال لي إنه ممثل جهاز أمن الدولة بالمديرية والذي أبلغني أن ثمة ضباطا للجهاز بكل مديريات التربية في المحافظات المصرية وفي كل قطاعات الدولة وهنا تيقنت أن هذا الجهاز متوغل في كل المناحي ويتابع كل خطوة لأي مسؤول ويتدخل في كل قرار يتعلق بالتعيينات في مؤسسات الدولة المختلفة وكثيرا ما دفع شباب مخلص ومجتهد ثمن مواقفهم الحقيقية أو ثمن تقارير ملفقة كتبها مخبرون وعملاء للجهاز وهو في الأساس زملاء لهم فلم يلحقوا بالوظائف التي رشحوا لها.

وبالطبع كان إنهاء دور هذا الجهاز وإلغاؤه تماما من أهم مطالب ثوار الخامس والعشرين من يناير بيد أن حكومة أحمد شفيق سواء في تشكيلها الأول في آخر عهد مبارك أو في تشكيلها بعد سقوطه حاولت بكل قوة الالتفاف على هذا المطلب وإلى حد ما يمكن القول إن وزير الداخلية السابق محمود وجدي تفاعل مع هذا الالتفاف من خلال تعيينه لمدير جديد للجهاز والتأكيد على أنه لن يتم إلغاؤه بل سيتم إعادة هيكلته ومع سقوط حكومة شفيق تحت ضغوط الثوار الذين لم يقبلوا أنصاف الحلول اكتشفوا أن ثمة محاولات للتخلص من وثائق الجهاز عبر عملية منظمة لحرقها وفرمها فسارع نفر من الثوار إلى اقتحام العديد من مقرات الجهاز بالمحافظات المختلفة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوثائق والملفات التي تنطوي على إدانة بعض رموز النظام السابق المفاجأة أن أمر حرق هذه الوثائق والملفات أصدره مدير الجهاز السابق حسن عبد الرحمن الذي أقيل من منصبه قبل عشرة أيام في رسالة سرية بعث بها إلى مسؤولي هذه المقرات.
بيد أنه يمكن القول إن الخطوات الحقيقية لتصفية دولة الخوف إن صح التعبير التي كان يديرها جهاز أمن الدولة جاءت مع تعيين الوزير الجديد للداخلية اللواء منصور عيسوي والذي يستند إلى خلفية أمنية أكثر انفتاحا واستنارة وهو ما دفع السلطة في النصف الأول من تسعينيات القرن الفائت إلى التخلص منه بعد سلسلة من المواقف التي تبناها وأظهر من خلالها نوعا من عدم الانسجام مع توجهاتها خاصة فيما يتعلق برفضه للتورط في قضايا فساد ورفض إطلاق النار عندما كان محافظا للمنيا على المتظاهرين فيها.

وقد حرص عيسوي فور حلفه اليمين الدستورية كوزير للداخلية في حكومة الدكتور عصام شرف على محاورة مجموعة من شباب ثورة الخامس والعشرين وفيه حدد جملة من توجهاته وسياساته التي تنبئ عن رؤية مغايرة للمؤسسة الأمنية المصرية تتقاطع مع أهداف الثورة وأبزر ملامح هذه الرؤية تتمثل فيما يلي:

= أن جهاز الشرطة الجديد أصبح يعمل لصالح الثورة، وهو يحمي الشرعية التي هي الآن مع الثورة ومصر ستتحول من دولة بوليسية إلى دولة القانون ومع عودة الأحوال إلى طبيعتها قريبا فإنه لن يكون ثمة قانون طوارئ ولا محاكم أمن دولة طوارئ ولا محاكمات عسكرية للمدنيين.

= التأكيد على احترام وزارة الداخلية بقطاعاتها المتعددة لشهداء الثورة من المواطنين المتظاهرين والضباط، وإصدار قرار بوقف كل الضباط الذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب بعد صدور أحكام ضدهم من القضاء.

= تحديد اختصاص وزارة الداخلية في إطار العمل على تحقيق الأمن فقط وليس لها علاقة بالسياسة والأحزاب والنقابات والانتخابات، واحترام الحق في التظاهر السلمي دون إذن مسبق على أن يكون دور الداخلية في المظاهرات هو تأمينها منذ بدايتها حتى نهايتها وإفساح الطرق لها وتحويل المرور من حولها،مع الطلب ممن يريد أن يتظاهر أو يعتصم أن يخطر القسم أو المديرية التابع لها لكي تقوم بتأمين التظاهرة وليس الإخطار للإذن. =إعادة بناء وهيكلة جهاز أمن الدولة من جديد وتغيير اختصاصاته تماما وأن يعمل على حماية الشعب والوطن وليس النظام، في إطار ضمان الحريات بحيث يقتصر دوره على محاربة الإرهاب ومحاولات التجسس على البلاد.

ولكن سقوط دولة الخوف يتطلب عدة إجراءات أخرى اقترحها شباب الثورة في مقدمتها العمل على إعادة تشكيل وعي ومفاهيم ضباط الشرطة من خلال برامج عدة تنظمها وزارة الداخلية والخطوة الأهم في هذا السياق تكمن في ضرورة إعادة النظر في هيكل مرتبات الضباط وفي عدد ساعات عملهم وأن يكون لأفراد الشرطة صوت في الانتخابات لأنهم جزء من الشعب ولا يجب أن يعيشوا منفصلين عنه كما كان في النظام السابق.

إن الخوف ظل هاجسا جاثما على الصدور والقلوب والعقول منع شباب المحروسة من إطلاق إبداعاتهم ومواهبهم وحبسهم في بؤر من الصمت والتطرف في بعض الأحيان والهجرة غير المشروعة والتضحية بالأرواح والأموال لتحقيق حلم السفر إلى الخارج بحثا عن لقمة خبز شريفة تكفي متطلبات الحياة وتدفع إلى صعود السلم الاجتماعي الذي ظلت تحتكر صدارته طبقات من الأغنياء الجدد الذي حصلوا على ثرواتهم عبر غسيل الأموال والصفقات المشبوهة من بيع أراضي الدولة التي انتهك حرمتها التحالف الرهيب الذي جمع أصحاب السلطة والثروة والذين توغلوا في المواقع المتقدمة سواء بالحزب الحاكم أو الحكومات المتعاقبة التي لم يتبوأ مقاعدها إلا من حظي برضا نجل الرئيس الذي كان موعودا بوراثة والده في رئاسة الجمهورية ليحقق بذلك حلم الأم السيدة الأولى سوزان مبارك التي كانت هي وابنها جمال بمثابة السلطة الموازية لسلطة الرئيس السابق بل هيمنا على صناعة القرار خلال السنوات الخمس الأخيرة برضا منه.

السطر الأخير:

في حضرة عينيك أقيم مملكة عشقي

فأنت وردة التوهج ولغة الأنهار

أغزل من رحيقك ثورتي

فأنشق عطر فجري الآتي



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165366

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165366 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010