الاثنين 14 آذار (مارس) 2011

منطق القوة ومنطق العصر

الاثنين 14 آذار (مارس) 2011 par عبدالوهاب بدرخان

كان معمر القذافي مرفوضاً ومشكوكاً في شرعية حكمه حتى قبل أن يثور الشعب الليبي عليه، فكيف يمكن تصور أن يكون الموقف منه الآن، ومع أنه استطاع أن يصطنع مقبولية معينة لنظامه، بفضل الانفتاح على الولايات المتحدة وأوروبا، وبتعزيز الروابط مع إفريقيا، إلا أن زيجات المصالح هذه لم تعن يوما أن العالم كان غافلا عن النوعية المرفوضة لنظام لم يعد ينتمي للعصر، سواء باستئثاره بمقدرات البلاد أو بإلغائه الشعب أو عدم اعتباره واحترامه لحقوق يجب أن يتمتع بها هذا الشعب.

منذ اليوم الأول للثورة التي بدت شبه عفوية كان واضحا أنها تحتاج إلى مساعدة كبيرة وسريعة، هذه المساعدة تأخرت كثيراً وتلكأت أكثر، ورغم أن الجميع أدرك وجود فرصة مهمة لإحداث تغيير في ليبيا، إلا أن حسابات المصالح وضرورة مراقبة التطورات وإجلاء الرعايا الأجانب، فضلاً عن تقييم حقيقة ردود الفعل القذافية، فرضت تردداً وتأخيراً على المبادرات الخارجية، وللأسف، فإن المساعدات العسكرية التي تطلع إليها الزعيم الليبي وحث بعض الدول العربية والإفريقية على توفيرها له كانت أسبق وأسرع مما لا يزال الثوار يتوقعونه من المضعفين لهم.

يكاد يمضي شهر على اندلاع الثورة الليبية وامتدادها خلال أيام قليلة في عموم الشرق وبعض مدن الغرب، وقد لعب عنصران في نجاح هذا الإنجاز: أولهما الطبيعة الجغرافية، والثاني سرعة انشقاق مسؤولين سياسيين وعسكريين عن النظام، وبديهي أن العداء التاريخي بين معظم نواحي الشرق وسكانه وبين القذافي شكل قوة الدفع الرئيسة لهذا الحراك، ومع أن النظام مقيم منذ اثنتين وأربعين عاما، وكان يبدو محكما سيطرته على مختلف أنحاء البلاد، إلا أنه أظهر مع انفجار الأزمة أنه كان معتمداً على هذا التقسيم، بل إنه كان وزع قوته العسكرية بشكل يضمن له دائما القدرة على إبقاء الغرب تحت سيطرته، للانطلاق منه إلى إعادة نشر سيطرته، وإذا لم تتأمن له على كامل الأراضي الليبية فإنه سيسعى على الأقل لضمان السيطرة على مناطق النفط.

أصبح معروفاً الآن أن القذافي سعى دائماً إلى تهميش الجيش وعدم الحرص على تسليحه وتأهيله على النحو المتوقع، فكما أن الرئيس المصري السابق حسني مبارك امتنع دائماً عن تعيين نائب له معتبراً أن وجود النائب يعني فتح الباب لإطاحته أو دفعه إلى التنحي، فإن القذافي الذي جاء من الجيش وقفز منه إلى السلطة جعل من إضعاف الجيش أولويته، فاعتمد على قوات خاصة يخضع اختيار أفرادها بمعايير صارمة، وجاء بجيش بديل من المرتزقة الأفارقة مستعينا ببعض “الأصدقاء” من الرؤساء والمسؤولين الذين يشتري خدماتهم.

أقصى ما تطلع إليه الثوار أن يخوضوا تحركا سلميا، معولين على الجو الإيجابي الذي أشاعه التغيير في مصر، لكن النظام الذي تلقى صدمة بنغازي رسم منذ اليوم الثاني خطا جغرافيا أحمر، ولم يتأخر عن إثارة مسألة التقسيم وكأنه يبدي استعداداً لقبوله، وقد خرج سيف الإسلام القذافي لينذر بأن الوضع الذي يمكن أن ينشأ هو الغرب مع النفط مقابل الشرق مع الصحراء، وبعد موجات من القمع الوحشي أمكن للنظام أن يضمن إسكات طرابلس ووضعت أحياؤها ومناطقها “المتمردة” تحت حصار شديد، ومع تسليط الأضواء على المدن الثائرة لم تتوافر معلومات وافية عن الحملة المستمرة على السكان واقتياد أعداد كبيرة منهم إلى أماكن مجهولة ولا يزال مصيرهم غامضا.

عندما دعي الصحافيون الأجانب بشئ من الإلحاح إلى طرابلس كان النظام حسم أمره، إذ قرر استغلال وجود الإعلاميين للرد على الرأي العام الدولي الذي كان يتجمع ضده، بدليل صدور قرار أول عن مجلس الأمن الدولي يتضمن حزمة أولى من العقوبات على سبيل الإنذار، كان فحوى الرسالة التي راح القذافي ونجله سيف الإسلام يبثانها أن النظام يطرح نفسه شريكا للغرب ضد القاعدة والتطرف الإسلامي، ومع الاستقرار النفطي، وإلا فإن الفوضى هي التي ستعم، وليبيا ستكون نموذجا صوماليا آخر، غير أن هذه الرسالة لم تلق آذانا صاغية، لا في الغرب، ولا في العالم العربي، ولا حتى في عموم إفريقيا، بدليل أن من كان القذافي يعتبرهم أصدقاء، أو حتى مجرد شركاء بزنس راحوا ينفضون من حوله في اصطفاف يطالبه بترك السلطة، ولا يرى أنه مازال معنيا بمستقبل ليبيا.

مع صدور أقوى موقف عربي عن دول مجلس التعاون الخليجي لا يعترف بشرعية نظام القذافي، وصدور قرار أوروبي يطالبه بالرحيل، واستمرار التشاور الدولي لفرض حظر جوي فوق الأراضي الليبية لكن مع وجود تحفظات تحول دون إصدار قرار دولي يعطي شرعية لهذا الخطر، كان القذافي دفع بقواته ومرتزقته في هجمات مضادة، ومع بدء العواصم الغربية الاتصال بالمجلس الوطني الانتقالي الذي أنشأه الثوار زادت غارات الطائرات الحربية التابعة للنظام على مناطق التماس، مستبقة أي خطر جوي وكذلك أي إمدادات عسكرية محتملة للمناطق المحررة.
أراد النظام أن يفرض منطق القوة أولا لزرع الشك لدى الجهات التي اعتبرت أن هزيمته باتت محسومة، وثانيا لإثبات أن أي بحث في مستقبل البلاد لا يمكن أن يتجاهل الأمر الواقع على الأرض.

قرر القذافي إذن، أن يتجاهل إرادة شعبه وإرادة المجتمع الدولي، ووضعه نفسه على سكة الذهاب أبعد مما ذهب إليه صدام حسين وروبرتو موجابي، لكنه لا يستطيع أن يتجاهل أنه ونظامه لم يعودوا كما كانا قبل 17 فبراير، فكما أن الشعب لم يعد نفسه للقتال ضد النظام أو للانخراط في حرب أهلية، كذلك القذافي لم يعد نفسه أو لم يعد قادراً على العيش كزعيم منبوذ ومطارد، هو ومعظم أفراد عائلته، قد يتمكن بفعل ميزان القوى العسكري والناري أن يستعيد التحكم بكامل الشعب والأرض، لكن من أجل ماذا؟ هل ليفعل ما فعله طوال أربعة عقود وفشل في تغيير طبيعة الشعب الذي بقي تواقاً على حريته وكرامته، لديه منطق القوة لكن ليس لديه منطق العصر ولم يعد لديه منطق التاريخ، كل قطرة دم يهرقها من أجل إدامة حكمه رغما عن الشعب، تساهم الآن في تقصير عمره وعمر نظامه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2176730

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2176730 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40