الاثنين 14 آذار (مارس) 2011

يُحِبّ العرب كما يُحب شعبه

الاثنين 14 آذار (مارس) 2011 par محمود الريماوي

بينما بذل حاكم ليبيا كل ما تملك يمينه لتصوير نفسه زعيماً عروبياً ورائداً للقومية بعد رحيل عبدالناصر، فقد تكاثرت صفاته التي نسبها إلى نفسه ومنها أنه قائد جماهيري وليس حاكماً، وأنه أممي وعالمي عابر للحدود والقارات والقوميات، وأن كتابه الأخضر بمثابة دستور للبشرية، بينما الجماهيرية تحت ظله هي مثابة للجميع .

الانتفاضة التي تهز أركان حكمه، تكشف كيف أنه إذ لا يتردد في قصف أبناء شعبه وحرمان الجرحى من العلاج والاعتداء على حرمة الموتى، فإنه في الوقت ذاته لا يتوانى عن إيذاء غير الليبيين وأولهم العرب . لقد نسب الانتفاضة الشعبية في بلاده إلى المصريين والتوانسة والفلسطينيين، ثم أخذ يشدد على أن جيرانه من أبناء مصر وتونس هم المسؤولون عما يحدث . توجيه السهام إلى أبناء البلدين هو بمثابة عقوبة متأخرة على هؤلاء لإقدام شعبهما على تغيير الوضع في البلدين . وبما أن خير الرجل عميم، فقد لحق بنصف مليون مصري وتونسي أبلغ الأذى، من دون أن يبدر عن هؤلاء ما ينبئ بأدنى مشاركة في ما يحدث .

يتم ذلك على قاعدة استضعاف هؤلاء وعدم تمتعهم بأية حماية، والرغبة الجامحة في توقيع عقاب جماعي عليهم، وقد تجلت عبقرية الرجل حين اعتبر بعد مضي نحو أسبوعين على الأحداث أنه مع مغادرة التونسيين والمصريين (لم يقل كيف غادروا وفي أية ظروف) فإن مشكلة البطالة في بلاده قد وجدت حلاً لها . وليس معلوماً كيف توصل لهذه المعلومات مع توقف الحياة الطبيعية، ووسط الاضطراب العظيم الذي يشهده بلد عمر المختار، وإذا كان وجودهم في الأصل سبباً لنشوء مشكلة البطالة فلماذا سمح للمشكلة أن تنشأ في البدء؟

يحدث ذلك بعد أطنان من الادعاءات عن الروابط القومية والإسلامية والأممية التي تربطه بشعوب الأرض كافة . وبينما يبدي الرجل ما يبديه إزاء أبناء جلدته من العرب، فإنه يكشف عن غيرة كامنة على “إسرائيل”، فقد اعتبر أن أي تغيير في بلاده من شأنه أن يلحق الأذى بها، مستخدماً فزاعة “القاعدة” التي لم يلمس أحد أثراً لها في ما يجري سواه . وهي من المرات النادرة التي يكشف فيها الثوري الأممي عن هذه الغيرة، ولدرجة يربط فيها مصلحة بلده كما يدعيها . . بمصلحة تل أبيب . وحتى الدول التي وقعت معاهدات مع تل أبيب، فإنها لا تتحدث بهذا المنطق .

خير الرجل عميم، ونستذكر كيف أنه كان يسارع إلى الانتقام من جاليات عربية ما إن تنشب مشكلة بينه وبين أية دولة عربية ويكون في العادة متسبباً بها، ومن دون التطرق إلى تفاصيل معروفة وشائعة بهذا الشأن .

ما مغزى ذلك كله؟ المغزى أن الحكم على الرجل يتعين أن يبدأ من النظر في سياسته الداخلية، من أدائه داخل بلده ومن تعامله مع شعبه، فلما كان هذا التعامل سيئاً استبدادياً وعشوائياً لا يحتكم لأي قانون بل يزدري القوانين، ولا ينشد مصلحة عامة، ولا يرمي إلى عمران البلاد ورفع شأن حياة العباد وضمان أمنهم ورفاهيتهم . . فإنه لن يكون من المنطقي توقع أن يتعامل مع بقية البشر معاملة منصفة وطيبة، وبصرف النظر عن الشعارات الطنانة الرنانة التي أهْدرت أموالاً هائلة من أجل نشر الشعارات وتعميمها، وذلك بدلاً من إنفاقها في تأمين خدمات أساسية ما زالت كثرة من الليبيين تفتقدها في القرن الحادي والعشرين وفي بلد نفطي، فيما الأموال الفلكية يجري تخزينها في الخارج، ويتم التباكي عند تجميدها أخيراً بالزعم أنها “ملك للدولة وللشعب الليبي”، فلماذا إن صحّ ذلك لم يتمتع الشعب بنصيبه منها طيلة أربعة عقود؟ وكما ينبئ عنه مستوى الحياة في هذا البلد، ولماذا لم يتم وضعها في صناديق تدل على هذه الغاية كما تفعل دول خليجية تخصص صناديق للأجيال المقبلة، أو تقوم مؤسساتها باستثمارات تعود عوائدها لميزانية الدولة؟

لقد نجح الرجل في تسجيل سابقة في تاريخ شعبه وبلده، تتمثل في لجوء آلاف من الليبيين إلى دول مجاورة (إلى تونس بالذات) من دون أن يكون بلدهم يتعرض إلى حرب أو عدوان خارجي، وكحال تونسيين ومصريين تم دفعهم إلى مغادرة البلد هائمين على وجوههم، تحت طائلة تهديد حياتهم ومحرومين من أية حماية أو حقوق، و”متمتعين” فوق ذلك بموجة من السّباب بحقهم، وهو ما يثير الحاجة إلى الإسراع في تشديد العقوبات على هذا النظام، اتقاء لمزيد من الأذى والضرر ولمنع تفكك البلد والحؤول دون نشوب نزاع أهلي يراهن النظام عليه كقارب نجاة له، ولتمكين الليبيين من أن ينعموا كبقية الشعوب بحياة لائقة على أرضهم في كنف دولة ذات قانون ومؤسسات، ولا ترى في شعبها عدواً لها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165821

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165821 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010