السبت 5 آذار (مارس) 2011

أين الشعب العربي من الثورة الليبية؟!

السبت 5 آذار (مارس) 2011 par د. محمد مصطفى علوش

ما يحصل في ليبيا لا يمكن السكوت عنه عربياً ودولياً وحتى شعبياً، فالمجازر المتلاحقة بحق الشعب الليبي منذ بدء الثورة وحتى يومنا هذا تشير إلى مستوى الانحدار الذي وصل إليه نظام العقيد معمر القذافي في استعداده لقتل كامل شعبه وتقسيم بلاده إلى إمارات وولايات إذا كان ذلك يضمن له البقاء بالسلطة على جماجم الشعب الليبي...

ما يتوجب علينا جميعاً كعرب وشعوب حرّة ألاّ نتحرك في الساحات والميادين وعند أبواب السفرات، وألا نسمح للثورة في ليبيا أن تجهض لأن ذلك يعني القضاء على الثورات العربية الحالية وعلى أي ثورة ستقام في دول عربية أخرى. فكثير من النظم اللاديمقراطية في العالم العربي ترقب الحدث الآن في ليبيا وإذا استطاع القذافي القضاء على ثورة شعبه فإن ذلك سيكون بمثابة “كرت بلانش” للنظم القمعية الأخرى بالقضاء على شعوبها بالطائرات على غرار ما يحصل الآن في ليبيا. وبالتالي يصبح الحلم العربي بالتحرر والحرية في خبر كان لا سمح الله. ولربما كان أفضل للشعب الليبي الانتفاض ليس في 17 فبراير من العام الجاري وإنما في الشهر السادس من العام 1996 حين ارتكب القذافي مجزرة بو سليم التي أودت بحياة 1200 سجين ليبي غالبيتهم من الإسلاميين، لأن ما حدث في سجن بو سليم آنذاك كان مؤشراً على استعداد القذافي أن يفعل أكثر من ذلك للقضاء على خصومه السياسيين في أي وقت طالما انه فعل فعلته في سجن بو سليم ولم يجد من يحاسبه حينها.

اللافت في الموضوع الليبي أن القذافي كان متوقعاً ولادة ثورة في بلاده، فهو منذ اللحظة الأولى لتحرير تونس من “زين العابدين بن علي” قبل شهرين، قطع زيارة له إلى تشاد الدولة الجارة وعاد على وجه السرعة إلى طرابلس ليخرج منها إلى الإعلام كأول رئيس عربي ليقول إن على “بن علي” “أن يحكم ليس لنهاية ولايته الحالية وإنما لنهاية عمره، وأن بقاء بن علي أفضل للتونسيين من السقوط في الفوضى”.. جاء ذلك في وقت لم يعتقد أحد أن تنزلق تونس إلى الفوضى، فالبلد فيه جيش وفيه دستور وفيه نظام قائم لكن الإشكالية أن طاغية كان يتحكم بمفاصل الأمور وبالتالي فإن رحيل الطاغية وتسوية وضع حزب التجمع الدستوري الذي كان يرأسه “بن علي” كانت كفيلة لدى أي مراقب على أن الوضع في تونس يسير نحو ما يريده الشعب التونسي.

اللافت أيضا أن القذافي ومع بدء الانتفاضة الليبية في 17 فبراير قام بقمع المتظاهرين سليما بكل ما أوتي من قوة ولم يدخر أي رحمة للتعامل معهم، ما جرأ الشعب الليبي إلى الخروج عن بكرة أبيه في جميع المناطق وإن كان نجاح الثورة تحقق في المناطق الشرقية لاسيَّما مدينة بنغازي التي ذاقت من القذافي الأمرين خلال حكمه...

ثم هل يعقل أن يخرج نجل القذافي على الشعب الليبي بعيد أيام قليلة من انطلاق الثورة وهو يتوعد ويرعد ويهدد الشعب الليبي بشكل واضح وصريح بالحرب الأهلية وتجويع الناس وقطعه إمدادات الماء والطعام وتخريب النفط في حال لم يستجب الشعب لطاولة حوار هدفها الأساس هو إجهاض الثورة وليس تحقيق مطالبها أو الوصول إلى تسوية مع الشعب الليبي!

ولعل من حق الشعب الليبي الهتاف “الشعب يريد إقامة النظام” وليس فقط “الشعب يريد رحيل النظام” فما أتى به القذافي لم يكن حقاً نظاماً سياسياً بكل معنى الكلمة حتى بالنسبة لأولئك الذين يقولون إن التسميات فقط تختلف في نظام القذافي.. وهذا الحديث عن اللانظام في ليبيا هو ما يفسر لنا الكلام الذي يخرج به علينا القذافي صبح مساء بأنه ليس رئيسا ولا ملك وإنما هو قائد ثورة وان الشعب هو الذي يحكم في ليبيا ولا دخل له بمجريات النظام القائم.. كما يفسر لنا النعوت الفضفاضة والغريبة التي يطلقها القذافي على نفسه والتي من أعجبها وأضحكها “ملك ملوك إفريقيا”.

عدم الاتزان الذي يُوصف به القذافي والذي دعا صديقه القديم توني بلير للقول إن “جنون القذافي ليس له حدود” هو الذي يبرر له للقول للضباط الذين جاؤوا ودعوه للتنحي منذ بدء الثورة انه هو من خلق ليبيا وانه سيدمرها عن بكرة أبيها إذا اضطره الأمر لذلك، وهو الذي يدفعه للخروج على الشعب الليبي ليقول لهم أن الملايين معه ليس من الداخل وإنما من الخارج. ولعله كان يقصد الملايين من المرتزقة القادر على جلبهم للقتال إلى صفه في القضاء على شعبه.. وهو الذي يجعلنا نصدق اليوم ما تسربه وسائل إعلام إسرائيلية من أنه اتفق مع الإسرائيلين على استقدام مرتزقة لبلاده مقابل خدمات سيقدمها لهم فيما بعد.. كل ذلك وغيره الكثير مما قد خُفي من سرقة أموال الشعب الليبي في ظل الحديث عن المليارات المنتشرة في البنوك الأوروبية والأمريكية والمسجلة باسمه وأسماء أفراد عائلته والمقربين منه.
والقذافي لطالما قدم نفسه قدوة للزعماء العرب في إدارة بلادهم.. فهل من حقنا السكوت على قتل الشعب الليبي وخنق أملنا كشعوب عربية في أن نتحرر من ربقة الظلم والطغيان وأن يتحقق أملنا كعرب في “ولايات عربية متحدة” أو “الاتحاد العربي” على غرار “الاتحاد الأوروبي” بعد أن كرست النظم القائمة القطرية بين شعوبها على حساب المصالح العليا للأمة العربية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165274

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2165274 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010