السبت 5 آذار (مارس) 2011

بين ديكتاتوريات القتل والنهب.. وديمقراطيات التغييب والخديعة

السبت 5 آذار (مارس) 2011 par نوال السباعي

صراعات دولية مصيرية، يشهدها العالم على هامش ثورتنا الإنسانية الكبرى في المنطقة العربية، فرغم أنها ثورة شعبية قام بها شبابنا، ليس لقوة خارجية في قيامها فضل ولا مِنة، فإن المهيمنين على النظام العالمي المعاصر تحركوا بالتوازي في محاولات مستميتة لاحتواء الأوضاع ومواكبتها، والتسابق لخطب ودّ القوى الجديدة الصاعدة.. قوة الشعوب، التي جعلت أذكياء الغرب يكتشفون – أخيرا- أن الحفاظ على مصالحهم بخطب ودّها، سيعود عليهم وعليها بالفوائد عاجلا وآجلا، وبكلفة أقل بكثير من تلك التي يتكبدها في صراعاته معها.

هزيمة دبلوماسية -سياسية رنانة لحقت بفرنسة “الساركوزية” المتمترسة مع الطغاة، مقابل تحركات الولايات المتحدة “الأوبامية”- ومعها بريطانيا “كاميرون”-التي تبدي رغبة “مُراوغة” في دعم إرادة الشعوب بما يتماشى مع مصالحها، هزيمة.. ستتبعها هزائم عسكرية واقتصادية وثقافية قد تغير الخريطة النفسية واللغوية لبلدان المغرب، حيث يتحدث الناس باللهجات المحلية ويقرأون بالعربية ويفكرون بالفرنسية، وحتى لحظة انتصار الثورة التونسية.
الفضيحة الفرنسية تجلت في موقف وزيرة خارجية “ساركوزي”، التي اقترحت إرسال قوات فرنسية للمساعدة في قمع الشعب، إذ تربطها بـ“العائلة المالكة” التونسية علاقات تجاوزت حدود اللياقة الدبلوماسية، مما حملها على الاستقالة راغمة، الشيء الذي لا ولن ينقذ رؤوسا كثيرة في أوربة من التدحرج تحت ضربات مقصلة الثورة العربية القاصمة، لن يكون أولها رأس “بيرلسكوني” الذي تربطه علاقات المداهنة والمال والفساد والفضائح مع القذافي وأبنائه، ولا آخرها رأس “ساركوزي” الذي قضى شهر عسله قبل زواجه في مصر على حساب “العائلة المالكة”.

ثورة الكرامة والحرية والحياة، التي زلزلت المنطقة، غيرت معادلات الوطن والإنسان، والهوية والزمان، ونسفت الكثير من القناعات والمقولات الراسخة منذ عقود في ضمائرنا وضمير الرأي العام العالمي عنّا، لكن آثار “تسوناميها” لن تقف عند ذلك، لأنها ستمتد بطوفانها لتطهر كل شيء، وتجرف من القيعان كل الطحالب الضارة والألغام القديمة المدفونة في الرمال التي تبدو ساكنة في هاتيك الأجواف السحيقة التي بنى فيها الطغاة عروشهم، فانهارت عليهم من القواعد، قواعد الطغيان الذي ينهب ولا يشبع، والاستبداد الذي لا يتسرطن إلا بالفساد، والمُلك الذي يتزاوج مع المال العام المنهوب، ليصبح هِبات في أيدي هؤلاء الخونة يوزعونها ذات اليمين وذات الشمال، دون مساءلة ولا رقيب، ولا عودة إلى الشعوب التي برهنت أنها لم تكن نائمة، وإن تمّ تغييب بعض أجيالها في أنفاق القهر المخترق خارطة السجون وفرم اللحم البشري، المتمددة بحجم خارطة وجودنا.

لم تسْقط هذه الثورة وخلال أقل من شهرين منظومة الديكتاتوريات التي تحكمنا وحسب، ولكنها فككت وتحت هدير سيلِها العَرم، آليات الديمقراطيات التي تحكم الضفة الأخرى للأبيض المتوسط، والتي طالما تآزرت وتعاونت مع هؤلاء الحكام القتلة من عصابات السراق، ديمقراطيات طالما تغاضت وسكتت عن إجرامهم وولوغهم في دمائنا وآلامنا، بتمرير فزاعاتها الثلاث: “الإرهاب الإسلامي”، و“الهجرة السرية”، و“تهديد منابع الطاقة”، مبررة جرائمها الثلاث: “بيع أسلحة القمع والردع”، و“التشارك بمليارات الأمة”، و“خديعة الرأي العام الأوروبي”.

الحلف بين ديكتاتوريات الجنوب، وديمقراطيات الشمال، كان وما زال من أهم العقبات الكأداء في سبيل تحرر الشعوب، ديكتاتوريات القمع والنهب وتسرطن عائلة على حساب الوطن، وديمقراطيات الكذب والنفاق والارتكاس إلى درجة التضحية بكل المبادئ والقيم، وتغييب الرأي العام الأوروبي والعالمي عن حقيقة سياساتها القذرة في دعم هؤلاء الطغاة، وخديعته بإعلام يدندن بالعداء للعرب الذين تعيش هذه الطبقة الديمقراطية الحاكمة على حساب رشاواهم ومنحهم المليونية، وتجريم الإسلام والمسلمين، وكراهية الآخر الآتي عبر المضائق في قوارب الموت، مهاجرا إلى عوالم الرفض والكراهية، التي تعيش وتنمو وتتوسع وتقوم على أكتاف صغار الآدميين، من كبار المجرمين، الذين باعوا أوطانهم بثمن بخس، ولم يفكروا حتى مجرد تفكير في أن يقبضوا...ولو بعضاً من الثمن، على غرار ما تفعله الصهيونية العالمية، وهي تشتري الضمائر والحكومات الغربية، ولكن مقابل فرض احترامها على الرأي العام، ونيل الدعم غير المشروط لجرائمها المستمرة في فلسطيننا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2166056

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2166056 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010