السبت 5 آذار (مارس) 2011

هل المذبحة مقدمة للاحتلال؟

السبت 5 آذار (مارس) 2011 par د. عصام نعمان

ألوف من العرب والافارقة والآسيويين والأوروبيين والأمريكيين تمكّنوا، بعد معاناة مضنية، من مغادرة ليبيا . ثمة ألوف آخرون أيضاً يكابدون طلباً للخروج . هؤلاء وأولئك يتحدثون عن مذابح وقتلى وجرحى بالآلاف . مع ذلك فإن معمر القذافي ما زال يؤكد لوسائل الإعلام أن ليبيا هادئة، وأن الشعب الليبي يحبه ومستعد للموت من أجل حمايته، وأن التظاهرات التي تقوم هنا وهناك وهنالك قوامها شبان يتناولون حبوب الهلوسة والمخدرات .

المذبحة مستمرة إذاً . هل هي مقدمة لإعادة الاحتلال؟

قادة أمريكا وأوروبا لم يتحدثوا بعد عن تدخل عسكري وشيك . يتحدثون بحذر عن حظر جوي . أحدهم تبرع بتنبيه من فاته الأمر أن الحظر الجوي قد يستلزم تدمير سلاح الجو الليبي . غير أن وزير خارجية فرنسا الجديد ألان جوبيه لم يستبعد التدخل العسكري بل أبدى رغبة ضمنية فيه شريطة ان يتمّ بترخيص من الأمم المتحدة وفي إطارها .

الثوار الليبيون سارعوا إلى رفض التدخل العسكري . ناطق باسم المجلس الوطني في بنغازي شجب التدخل الأجنبي بكل صوره، وأكد أن لا اتصالات بين الثوار والولايات المتحدة، كما زعمت وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون .

القذافي أقر بأن أمريكا خانته . كان ثمة توافق بين الطرفين على أمور متعددة بعد إنجاز صفقة لوكربي . لكن الأمريكيين فضلوا النأي بأنفسهم عن الطرف الليبي الخاسر . الأوروبيون حذوا حذوهم وربما زايدوا عليهم . السبب؟ ليبيا وسائر دول المغرب العربي أقرب جغرافياً إلى أوروبا منها إلى أمريكا . إنها الجار الأكبر المتجذر على الشواطئ الجنوبية للبحر المتوسط . فرنسا خصوصاً تعتبر حوض المتوسط مداها الحيوي وبالتالي محور اهتمامها الأول .

الكل يدرك أن الأوروبيين والأمريكيين لا يديرون جمعية خيرية لمساعدة ليبيا . الليبيون يعون هذه الحقيقة ويحاذرون التعاطي مع الأوروبيين الطامعين . أكثر الليبيين حذراً الثائرون على القذافي . هم يعرفون أن الأوروبيين شركاء العقيد وأنهم سيتضررون من إزاحته . الأمريكيون كذلك سيتضررون . هم “أكبروا” فيه مرونته عندما دعا إلى مصالحة الفلسطينيين والصهاينة باعتماد “إسراطين” بدلاً من فلسطين . ربما لهذا السبب تساهلوا معه في مسألة لوكربي . ثم هل ينسى الأمريكيون “تضحيته” الكبرى بالتخلي عن برنامجه النووي؟

باختصار، التدخل العسكري الأوروربي الأمريكي يخدم القذافي . فهو السلطة القائمة، والذين قد يأتون إلى ليبيا ل”مساعدة” الثوار بالرغم منهم سيجدون انفسهم مضطرين إلى التفاوض معه . في سيناريو كهذا الفرصة متاحة للعقيد لإعادة سيطرة لجانه “الشعبية” على البلاد .

أين العرب والمسلمون من كل ما يجري؟

الدول العربية اضطرت، خجلاً، إلى تعليق مشاركة ليبيا القذافي في اجتماعات جامعة الدول العربية . اكتفت بهذا الموقف ولم تفعل شيئاً آخر من شأنه إخراج ليبيا من محنتها . تركت الثوار لمصيرهم مع القذافي والغرب الأطلسي . هذا موقف خاطئ وخطير، قومياً وسياسياً ومصلحياً .

خاطئ قومياً لأن العرب أولى من الغرب بنصرة شعب ليبيا وحمايته حتى لو كان القذافي قد طلّق عروبته، وجهر بإفريقيته طلباً لمجد “ملك ملوك إفريقيا” . فالليبيون عرب، ولم ولن يتخلوا عن عروبتهم، وهم حلقة الوصل بين وادي النيل والمغرب العربي الكبير .

خاطئ سياسياً لأن التزام موقفٍ خجول بل ليّن وشديد الليونة من القذافي يساعد هذا الأخير على تجميع قواه والعودة إلى الانقضاض على خصومه بمساعدة أوروبا وحتى أمريكا أو من دونها . فوق ذلك يساعد الموقف العربي اللين أوروبا وأمريكا على أن تأخذا المسألة الليبية على عاتقهما بمعزل عن العرب جميعاً .

خاطئ مصلحياً لأن ليبيا بلد نفطي، وإذا ما بسطت أوروبا وأمريكا سيطرتهما عليه، فإنهما سيتمكّنان من استخدامه داخل منظمة “أوبك” على نحوٍ يضعف مركزها التفاوضي ويسيء تالياً إلى المصالح العربية العليا .

العرب، لا سيما مصر والسودان وتونس والجزائر وسوريا، مدعوون إلى إعادة النظر بموقفهم القاصر من أحداث ليبيا، ذلك أن من مصلحتهم وقف مذابحها والحؤول دون تطور أوضاعها إلى حرب أهلية أو إلى تدخل عسكري من الغرب الأطلسي قد يتطور إلى احتلال .

في هذا المجال، يقتضي أن تسارع دول العرب في شمال إفريقيا، بالتعاون مع سوريا وتركيا، إلى انتزاع مسألة ليبيا من أوروبا وأمريكا، وذلك بدعوة مجلس الأمن، وإذا امتنع، دعوة منظمة دول المؤتمر الإسلامي، إلى اتخاذ قرار بإنشاء قوة طوارئ إسلامية دولية (عربية تركية) مهمتها الانتشار في ليبيا لوقف المذابح، ولمنع الحرب الأهلية والتدخلات الأجنبية، ولتوفير إمداد المناطق المحررة من نظام القذافي بالأغذية والأدوية، وإعادة التواصل بين المناطق الليبية من أجل استعادة وحدة البلاد في سياق سياسة التضييق على القذافي لإخراجه من المشهد السياسي .

العرب معنيون أكثر من غيرهم بمسألة ليبيا . إن هم تباطؤا أو تخاذلوا، يكونون قد سمحوا لأوروبا وأمريكا بأن يجددا شباب هيمنتهم المتراجعة عن وطننا الكبير بمشرقه ومغربه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 42 / 2182157

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2182157 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40