هو التغيير، نحييه نحن ولكن بطريقة تختلف من طرف إلى آخر، ويحييه العالم الخارجي ولكن بأمل يختلط بالحذر . نحن نأمل منه نهاية الظلاميات التي عتمت حياتنا منذ نصف قرن من الزمن، وهم يأملون منه حل أزماتهم الاقتصادية التي تفاقمت منذ الهزة الكبيرة التي أصابت العالم .
سقط جدار برلين، فنهض النظام العالمي الجديد، واستوت الولايات المتحدة على رأسه امبراطوراً لا منازع له . لكن أسس العرش كلها تقوم على أرضية اسمها اقتصاد
السوق، والسوق ببساطة مطلقة يعني
ثلاثة أمور من يبيع ومن يشتري وثقافة الاستهلاك، حتى إذا لم يعد لدى البائع قدرة على الإنتاج، أو لم يعد لدى المشتري قدرة شرائية، فشلت المعادلة واقفل السوق . ويكون الأمر أمرّ إذا سوقت الثقافة الاستهلاكية في غياب القدرة الشرائية، عندها يكون الكبت والقهر منبع شحن هائل لا بد له وأن يؤدي إلى الانفجار .
العالم العربي، بائعاً ومشترياً، هو في صميم معادلة النظام العالمي الجديد، فهو بائع النفط الذي يقوم عليه الاقتصاد العالمي، وهو القوة الديموغرافية الحاملة أصلاً لثقافة الاستهلاك، ثقافة جاءت وسائل الاتصال الحديثة لتعززها وفق نظرية التمني، والرغبة في التماهي التي أطلقها الأمريكي دانيال ليرنر قبل ستين سنة .
كانت الامبراطورية، ومن ورائها الغرب مضطرين للسكوت عن هذه النخب إلى أن تتم السيطرة على مصادر النفط بشكل مباشر أو غير مباشر، بدءاً من احتلال العراق . لكن الحساب لم يأخذ في اعتباره أن هذا الاحتلال، بصرف النظر عن الموقف من صدام حسين ونظامه، شكل صفعة قوية، لا بد أن تستفيق منها الشعوب العربية على واقعها المرير هي الأخرى . ولا بد أن يأخذها المستبدون فرصة للتمادي في الفساد على أساس أنهم يقبضون ثمن السكوت إن لم يكن المساعدة، والتمادي في القمع، على أساس أن السكوت عن الجرائم أمر متبادل . هكذا تشكلت معادلة منطقية هي أن آخر الشحن الانفجار .
جاء الانفجار، واضطر الغرب إلى مسايرته، بأمل أن يعيد توزيع الثروة ويؤمن له السوق، ولكن بحذر كبير من أن تفلت الأمور من يده، وتمضي حيوية الشعوب بها إلى حيث لا يريد .
بدا صراع الإرادات الحقيقي، وجاءت المظاهرة المليونية الأخيرة في القاهرة لتترجمه: هل يذهب رأس النظام ويبقى النظام؟ أم يذهب النظام كله؟ ومن الذي سيحل محله؟
كذلك في تونس، وكذلك في ليبيا .