السبت 26 شباط (فبراير) 2011

شرارات التغيير قد تصل أوباما

السبت 26 شباط (فبراير) 2011 par طلال عوكل

الاهتمام الشديد الذي تبديه الإدارة الأميركية للحركات الاحتجاجية أو الثورات الشعبية التي اندلعت أو تسود في عدد من البلدان العربية، هذا الاهتمام يكاد يصل إلى مستوى الانشغال اليومي، إذ لا يكاد يمر يوم دون أن يصدر عن مسئول في الإدارة أو ناطق باسمها، تعليق أو توجيه، أو نقد، بما يوحي وكأن كل ما يجري في المنطقة العربية من تبرير أميركي، وبما يخدم المصالح الأميركية والقيم التي تنادي بها.

ما من شك أن ما يجري يرتقي إلى مستوى تسونامي أو زلزال كبير، يعصف بالاستقرار الهش الذي تتميز به معظم الأنظمة العربية لعقود خلت، ولكن ونحن ننظر بتفاؤل لما يمكن أن يحدث من تغييرات لابد أن يتذكر الإنسان العربي أن لا تسونامي أغرق ودمر أندونيسيا، ولا أقوى الزلازل طمرت دولة تحت الأرض.

فالحركات الاجتماعية الثورية في الوطن العربي التي يشكل الشباب عمادها، وإن كانت ترفع شعار الحرية والكرامة، إلا أنها تفتقر إلى التنظيم والقيادة الكاريزمية التي تستطيع أن تنهض بأعباء كل مراحل الثورة من إطلاقها إلى تدمير البنى القديمة إلى إعادة بناء النظام على أسس جديدة كلياً.

إن الذي جرى ويجري يندرج في سياق الاستحقاقات التاريخية، التي تقتضي الانتقال بالأمة العربية من عصر التخلف، والجمود وقمع الحريات، واحتجاز التطور إلى عصر النور، والالتحاق بركب الحضارة الحديثة، والعودة إلى التموضع في سياق حركة التاريخ بعد عقود من التهميش. بعض أنظمة الحكم العربية لم تدرك حقائق العصر، وقد تعودت على إدارة شؤون البلاد، وكأنها الأقدر، طالما أنها نجحت خلال عقود، في بناء أقفاص حديدية تحميها، عمادها، القمع وكم الأفواه.

وتضخيم الأجهزة الأمنية، وتكبير الحاشية المستفيدة والتي لا هم لها سوى مراكمة المزيد من الثروة، فيما يزداد الفقر، ويكبر جيش العاطلين عن العمل، وتزداد أرقام المليارات من الديون الخارجية والداخلية. إن تكرار رفع الشعار ذاته «الحرية والكرامة» من قبل المحركين للثورات الشعبية في عدد من البلدان العربية، إنما ينطوي على دلالات عميقة. حيث يلخص الشعار باقتدار، مطالب الغالبية الساحقة من الجماهير، رغم اختلاف الأسباب والوقائع والأهداف بين تجربة وأخرى.

فالحرية تعني، أن الناس تتطلع إلى نظام حكم ديمقراطي يحترم الدستور والقانون، واستقلال السلطات، وتعني، تحرير الثورة من الاحتكار والنهب والفساد، والتوزيع العادل للثروة، وتعني الاعتراف بالتعددية السياسية وبحقوق الناس في التفكير والتعبير والتجمع والتظاهر، وتعني في الأساس التداول السلمي للسلطة، بحيث يعيش الإنسان حراً في بلده. أما الكرامة فهي تعني صيانة الكرامة الوطنية والقومية، وتعزيز المواطنة، وتعزيز الاستقلال الوطني.

وممارسة الندية في السياسة الخارجية، ورفض الارتهان الأجنبي، والدفاع عن حقوق وكرامة الأمة العربية التي تستهتر بها وتستبيحها قوى إقليمية وأجنبية، لا تبحث إلا عن مصالحها. كلمتان مدهشتان في قدرتهما على التعبير عن مشاعر وآمال المواطنين العرب، الذين طال اغترابهم، وطال انتظارهم لما يقدمه لهم حاكم لم يعد يسمع أنين الجوعى، وعذابات الفقراء والمهمشين، ولم يعد يشعر بالإحباط واليأس الذي يسكن قلوب الملايين من الشباب المتطلعين إلى بناء مستقبلهم.

الرئيس الأميركي أوباما يريد أن يصادر كل هذه الحقائق التي تضرب في عمق المجتمعات العربية، وأن يقدم نفسه باعتباره بطل التغيير، الباحث عن حرية الشعوب وكرامتها، حتى لو استدعاه ذلك لتقديم حلفائه المقربين والمخلصين قرابين رخيصة، في سبيل قيم ينادي بها وبعمل كل شيء بالضد منها.

يوم الجمعة قبل الماضي أي في الثامن عشر من هذا الشهر، تعرضت إدارة أوباما لامتحان عسير، يتصل بالمصداقية، أمام الشعوب العربية التي يخاطبها كل يوم تقريباً، حيث لم يعد بمقدوره أن يزور أو يجعل طبيعته، وطبيعة حكمه وبلاده فما كان عليه سوى أن يصدر أوامره للسفيرة سوزان رايس، قبل دقائق من التصويت في مجلس الأمن الدولي، لكي تستخدم حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار عربي لإدانة الاستيطان الإسرائيلي باعتباره عملاً غير شرعي وغير قانوني.

كان أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون قد بذلا جهداً عبر اتصالات هاتفية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لسحب مشروع القرار، ولم يوفر التحقيق ذلك، ما لديهما من أوراق الضغط والتهديد، بما في ذلك وقف المساعدات المالية للسلطة، ووقف الاعتراف بعباس والتعامل معه.

في مكالمته الهاتفية مع عباس تحدث أوباما عن خشيته من الطعن في مصداقيته، وما يتوقعه من خسارة، في حال أصر الرئيس الفلسطيني على طرح المشروع على مجلس الأمن، ولأن أوباما لا خيار أمامه سوى الانسجام مع نفسه وحقيقة مواقفه ومواقف وسياسات بلاده التي تماشي إسرائيل وتدعمها حقاً وباطلاً، لكن عباس هو الآخر وجد نفسه أمام خيار إجباري.

كان على عباس، وهو ما فعل، أن يختار بين أن يسقط على يد شعبه في حال استجاب للطلب الأميركي وأن أن تنتهي حياته السياسية على يد الأميركي أو الإسرائيلي في حال أصر على طرح مشروع القرار على مجلس الأمن، وقد اختار نفسه وشعبه، فكان كلاً من عباس وأوباما قد انحاز إلى وطنيته وشتان بين هذه وتلك.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165832

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165832 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010