السبت 26 شباط (فبراير) 2011

هل تستحق الأمة مثل هؤلاء الحكام؟!

السبت 26 شباط (فبراير) 2011 par نوال السباعي

مهما كانت النتائج التي ستتمخض عنها هذه الثورة الليبية، فإن تصرفات النظام الليبي في مواجهة ثورة شعبه، لم تخرج في خطها العام عن خطة “الانسحاب الحربية”، والتي نفذتها بدرجات متفاوتة كل من السلطات التونسية ثم المصرية بحق الشعبين التونسي والمصري، لكن عناصر التنظيم والوعي والتحضر السياسي والمفاجأة بالنسبة للشعب التونسي، ودعم الإعلامين العربي والغربي والهندسة التعبوية والمراهنة على الملايين بالنسبة للشعب المصري، لعبت دورا مفصليا في نجاح الثورتين في مواجهة أنظمة تتعامل مع الشعوب وكأنها مجموعات من القطعان في أرض يعتبرونها ملكا شخصيا لهم ولعائلاتهم، وكأننا نعيش في أوربة القرون الوسطى المغرقة في التخلف والسقوط والإجرام! إن لم يفعل هؤلاء “الزعماء” شيئا إلا الإعلان عن كلماتهم المرتقبة، وترك الشارع ينتظرهم حتى ساعات متأخرة من الليل، ليطلعوا علينا بالعجائب المخزية الخسيسة، لكفاهم! فهم إن وعدوا أخلفوا، وإن خاصموا فجروا، وإن حدثوا كذبوا!!، لكن المشهد الليبي ترك للأمة هذا الحدث الفريد من تاريخ “الجملوكيات” – كما سماها المفكر السوري خالص جلبي-، والذي يتمثل في خروج ابن “الزعيم”– كموسولينيٍ مجنونٍ مُصغر-، يتهدد ويتوعد برعونة، وصفاقة، وليتحدث عبر ثلاث فضائيات عربية – على الأقل- رافعا سبابته تلك بالويل والثبور لمن لا يريد الانصياع لرأيه والقبول بالـ..“.الإصلاحات”، والتي منها “الجلوس للتفكير في دستور للبلد”!، الذي ما فتيء يُحكم منذ أربعين عاما دون دستور، ولا دولة، ولا جيش، ولا بنى تحتية، ولا أمن، ولا نظام، ولا إنسانية، والذي تمّت عملية توزيع ثرواته وسلطاته على أبناء الزعيم وأفراد أسرته!، حالة عربية تسود أرجاء المنطقة، التي أصبحت مقاطعات مشاعة لهذه الأسر، يذبحون أبناءها ويستبيحون ثرواتها!

بأي صفة كان ابن مخترع “الجماهيرية الشعبية” يتحدث إلى الأمة؟!، - فما يجري في ليبيا لا يجب ولا يمكن أن يخص الشعب الليبي وحده؟!-، بأي صفة كان يوجه ذلك الحديث الطفولي الموبوء؟ هل هو وزير في “الدولة”؟ أم نائب لصانع ثورة الفاتح الذي يرفض الاحتكام لإرادة شعبه الذي طالما طبّل وزمر باسمه؟، ما هي صفة هذا “المختل الصغير” – حسب وصف جميع وسائل الإعلام العالمية -؟!، أم أن حكم الجملوكيات، بات من “الوضاعة” بمكان تضطر الأمة معه إلى احتمال كل هذا الحجم من الخيانة والإسفاف، جاثية أمام شاشات التلفزة بانتظار حديث مجنون إثر مجنون، تمكنوا من أعناقنا بفعل مورثات تمنحهم في جمهوريات الخوف والفظائع، حق الاستخفاف بالدم والمستقبل. هددنا –وأبوه من بعده- بالاستعمار، وكأن الأمة لا تعلم أنها مستعمرة بشكل مباشر وغير مباشر!، تحدث عن التقسيم والتفتيت، وكأنهما لم يكونا واقعاً أوقفته وغيرت قباحته ألسنة النار التي التهمت جسد البوعزيزي؟، وتحدث عن البترول!! ملعون البترول، ملعون أبو البترول، الذي يهددوننا بحرقه، ولم نرّ منه إلا الذل والعار والاحتلال والهيمنة!، أما عائداته فهي الذاهبة ومباشرة ودون قيد أو مساءلة إلى جيوب الحكام، الذين يقررون عندما يشاؤون أن يهبونا أرزاقنا منه، فتاتا، بعدما بدد كثير منهم ثروات الأمة على حماقاتهم وفجورهم! هل تستحق هذه الأمة مثل هؤلاء الحكام؟!، الذين يعجز المرء في مثل هذه الأيام عن استيعاب حقيقتهم المؤلمة التي بدأت تنكشف للعالم، كما يعجز عن فهم الآلية التي جعلتنا نستكين لحكمهم نصف قرن من الزمان؟!، صمتاً وقهراً وخوفاً، دخلنا سراديب العفن الاجتماعي، وانشغلنا بصغار الطغاة والمستبدين ممن ملؤوا بيوتنا ونوادينا، فاستأسدت علينا الغيلان، حتى هيأ الله جيلا رفض أن يرث الهوان، وبذل الروح رخيصة، لتوهب الحياة لأمته. شكرا لآلام البوعزيزي وخالد سعيد وكل ليبي شهيد، خرجت علينا الجامعة العربية أخيرا بقرار مشرف نوعا ما، أدانت به هذا الذي يجري في ليبيا، شكرا لجيل شجاع أبي، يستحق منّا الاعتذار، أن أورثناه هذه التركة الفظيعة، من حكام لا نختلف كثيرا عنهم، وإلا لما كان حقا علينا أن نعيش في أكنافهم أربعين عاما نبحث عن مخرج!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 51 / 2165236

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165236 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010