السبت 26 شباط (فبراير) 2011

مزاعم ما قبل السقوط

السبت 26 شباط (فبراير) 2011 par د. محمد السعيد ادريس

كشفت تجربة الثورة المصرية الوليدة وقبلها الانتفاضة الثورية التونسية عن كثير من الحقائق بعضها يخص حركة الشعب وقواه السياسية، وبعضها يخص نظم الحكم، وإذا كانت العبقرية الثورية التي أظهرتها التجربتان الثوريتان في تونس ومصر مازالت تجلياتها في تصاعد، وأن التجربة كعملية مازالت في مرحلة إنتاج الفعل الثوري وتفاعلاتها لم تتوقف بعد، وهذا معناه أن أي دراسة علمية تستهدف استخلاص الدروس وتحليل النجاحات والإخفاقات التي واجهت التجربتين ستكون متسرعة وغير دقيقة إذا أجريت الآن، لكن ما يتعلق بأداء نظم الحكم هو الذي يستدعي التفكير ويفرض التدبر نظراً لأن عوامل الإخفاق تبدو مشتركة وتكرر نفسها الآن في ليبيا وفي اليمن وربما في أي تجربة ثورية أو حتى إصلاحية في دولة عربية أخرى .

هناك الكثير من عوامل التشابه في الإخفاق الذي أظهره النظام التونسي ومن بعده النظام المصري ويتكرر الآن في ليبيا واليمن . أول هذه العوامل المسؤولة عن السقوط هو الاعتقاد الخاطئ لكل نظام عربي أنه دائماً على صواب ولا يفعل إلا كل ما هو صحيح، وأنه محصن من أي اهتزازات أو اضطرابات، وأن كل من يمكن أن يقف في وجه النظام هو إما مستأجر من الخارج أو عميل لقوى خارجية، وأنه جزء من مؤامرة خارجية تستهدف النظام .

هذه الاعتقادات الخاطئة هي التي قادت الأحداث في كل من تونس ثم مصر إلى ما وصلت إليه من مطالبة بإسقاط النظام، فأي من الحالتين التونسية والمصرية لم تكن تسعى إلى هذا الهدف، كانت الأهداف تسعى إلى التغيير ولكن التغيير من داخل النظام، ولكن نظراً لأن كلاً من هذين النظامين كان أسير قناعاته أو مزاعمه الخاطئة أولاً ولم يكن يمتلك ثانياً القدرة الكافية على التكيف مع المطالب الشعبية الجديدة، ولأنه ثالثاً، وهذا هو الأهم، لم يكن يتصور أن يخسر أياً من مكاسبه أو أن يعيش يوماً خارج السلطة في ظل أمرين أولهما الاحتكار الكامل للسلطة والثروة من ناحية، وهذه أمور يصعب التخلي عنها بصعوبة، وثانيهما حجم ونوعية الجرائم والأخطاء التي ارتكبها النظام ورجاله .

لهذه الأسباب كلها رفض النظام أن يستجيب لمطالب الإصلاح ومن بعدها لمطالب التغيير، وأغلق كل منافذ التعبير وجعل الشعب وجهاً لوجه أمام ثلاثة طواغيت لا مناص من مواجهتها، أولها طاغوت الاستبداد والقهر الذي تمارسه الأجهزة الأمنية للنظام، وثانيها طاغوت الفساد الذي نهب الثروات وأفقر الشعب وأفقده حقوقه ومكتسباته الاجتماعية، وثالثها طاغوت التضليل الذي وظف الإعلام الحكومي بكافة أنواعه للترويج لنجاحات النظام الرائعة .

من هنا ولد شعار إسقاط النظام، وعندما وجد كل من النظامين التونسي والمصري أن التحدي حقيقي وأن النظام تهتز أركانه، وأن كل التضليل قد سقط، ولم يعد للتزييف أي فرصة للنجاح بدأ يقدم التنازلات الاضطرارية ولكن بشكل محدود ومتأخر، ما جعل هذه التنازلات مرفوضة، وعندما أدرك الشعب أن الفساد الذي كان يعاني من تفشيه متركز في دائرة الزعيم نفسه، وأن الحرمان الذي يعيشه هو الوجه الآخر لنهب الرئيس أو الزعيم أو رجاله وحزبه، أصبح إسقاط النظام هو المطلب الذي لا تراجع عنه .

سقط نظام ابن علي ومن بعده نظام حسني مبارك بسبب تفاعلات كل هذه الأخطاء، وليس شرطاً حتمياً أن يسقط أي نظام عربي آخر بالصورة نفسها، لكن ما هو حقيقي في هذا كله أن الشعب في كل بلد عربي أصبح واعياً بحقوقه ومطالبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية . في مصر خرجت المظاهرات تنادي “خبز عدل حرية” ثم تبلورت الأهداف في العدل والحرية والكرامة الوطنية، وهذه أهداف يمكن أن تتحقق دون إسقاط نظم الحكم، شرط أن تكون هذه النظم أمينة مع شعوبها، وأن يعي الحاكم أنه ليس إلا أحد أبناء وطنه، وأن الشعب هو مصدر السلطات، وأن العدل هو أساس الحكم، وأن الحرية يجب أن تكون للشعب والوطن .

إن ما يحدث الآن في ليبيا من مجازر وما جاء على لسان القذافي وابنه من شأنه أن يدخل ليبيا في مخاطر هائلة . فحديث سيف الإسلام سوف يكون أول وأخطر أسباب تردي الأوضاع في ليبيا، لأنه لا يملك صفة شرعية ودستورية ليكون طرفاً في الحكم وليخاطب الشعب نيابة عن والده، وجعل الحرب الأهلية هي الخيار البديل لن يؤدي إلا إلى مزيد من إصرار الشعب الليبي على الاستمرار في مطالبه وتحويل الانتفاضة إلى ثورة، وما يحدث في ليبيا يمكن أن يمتد إلى دول عربية أخرى .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2165305

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165305 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010