الأحد 20 شباط (فبراير) 2011

عندما يجتمع الطغيان والزندقة في قائد الثورة..!

الأحد 20 شباط (فبراير) 2011 par محمد اسحق الريفي

نهاية كل ثوري أن يكون طاغية أو زنديقاً، عبارة قالها الفيلسوف ألبير كامو، والواقع يقول إن هذه العبارة هي حكمة تنطبق على معظم قادة الثورات وتصف نهايتهم المؤسفة، غير أن ما يوصف بقائد الثورة الليبية، معمر القذافي، اجتمعت فيه الصفتان معاً.

جثم القذافي على صدر الشعب الليبي منذ أكثر من أربعة عقود، وكتم أنفاس المواطنين، وحكمهم بالحديد والنار، وأطلق العنان لرعاعه الأجلاف، وهم البلطجية والمرتزقة الذين سماهم اللجان الثورية، لكي يفسدوا في ليبيا ويهلكوا الحرث والنسل، فعلقوا أحرار ليبيا على أعواد المشانق في الميادين والساحات العامة، بذريعة معارضتهم للنظام والثورة العبثية، ونهبوا الأموال وصادروا الممتلكات الخاصة، بحجة تطبيق مبادئ ثورية شيطانية، ما حول الحياة في ليبيا إلى جحيم لا تطاق، وأجبر ملايين الليبيين على الهروب من ليبيا إلى شتى البلاد، ليتجرعوا مرارة الغربة وألم العيش في المنافي. فرت العقول الليبية من جنون القذافي وإرهابه ونظامه الأخرق، فحُرمت ليبيا من هذه العقول الفذة والطاقات الهائلة والكفاءات المعطاءة، وظلت ترزح تحت نير الظلم والاستبداد والفساد والتخلف، وضاعت مقدراتها وخيراتها، وأصبحت ثرواتها دُولة بين اللصوص وأتباع القذافي ورعاعه وبطلجيته، وغرقت ليبيا في الديون.

تعرفت أثناء دراستي في جامعة أوهايو الأمريكية على العديد من الطلاب الليبيين، منهم من لم يستطع العودة إلى ليبيا بعد تخرجه خوفاً من سطوة القذافي وأجهزته الأمنية ولجانه الثورية الدموية، ومنهم من عاد فأعدم في الساحات العامة، دون ذنب، ودون محاكمة، وبفظاعة تعجز كلماتي عن وصفها، أو ألقاهم في غياهب السجون ليذوقوا شتى صنوف العذاب. ومن هؤلاء الذين أعدمتهم لجان القذافي فور عودتهم لليبيا بعد التخرج زميل لي، كان يصلي في مسجد أقامه الطلاب المسلمون في جامعة أوهايو، وهي التهمة الوحيدة التي وجهتها إليه اللجان الثورية، ولم يكن لزميلي هذا أي انتماء حزبي أو سياسي، وقد شاهدنا عملية الإعدام عبر شريط فيديو وصل إلينا بعد أسابيع قليلة من إعدامه.

طغيان القذافي ونظامه الفوضوي معروف لدى الجميع، وكذلك زندقته السياسية والدينية والفكرية، وهدمه لأركان الدولة الحديثة التي ترعى الحريات الإنسانية العامة، وتكفل الحقوق والمشاركة في السلطة والبناء والتطوير، وتقيم العدل بين الناس، وتتيح للجميع المشاركة السياسية. فقد ألغى القذافي الأحزاب السياسية، وسد كل أفاق التغيير والتجديد، وقطع الطريق على الشعب أمام الإصلاح بطرق سلمية، واضطهد الرأي العام الليبي، وتعامل مع الشعب على أنه عبيد له ولثورته المزعومة. وأجبر الشعب على الخنوع لأفكاره الشاذة، عبر حشو رؤوس المواطنين في المدارس والجامعات بتفاهة كتابه الأخضر، الذي قدسه وجعله فوق كل ثقافة أو دين أو فكر، واستخدم وسائل إعلامه لتحقيق ذلك بطريقة تشمئز منها النفوس وتدل على مدى التخلف الذي يرعاه القذافي ورعاعه البلطجية.

يزعم القذافي أنه غيّر مجرى تاريخ ليبيا عبر ثورته المزعومة، ولكنه في حقيقة الأمر أوقف تاريخ ليبيا، بل أرجعه إلى عصور الاستبداد والفساد في ظل الاستعمار (الاستحمار) الإيطالي، وأحبط هو ورعاعه إنجازات سيد الشهداء، عمر المختار، والأبطال الذين استشهدوا في ساحات الوغى وهم يخوضون معركة التحرير، فجاء القذافي ليؤخر الشعب الليبي مئة عام أو أكثر، ويحاربه في كرامته ورزقه وحريته وحقوقه، فكان أشد فتكاً به من الاستعمار. الثورة عند القذافي تعني التسلط لأكثر من أربعين عاماً على الشعب الليبي، وإذلاله، واستعباده، وقتله، وتشويه فكره، وتفريغه ثقافته، ومحاربة التدين. فإذا ما حاول الشعب الليبي التحرر من الاستبداد، أذاقه القذافي ورعاعه الموت الزؤام، وبطش به بطشاً لا مثيل على أيدي سفاحين مرتزقة، وفرق للموت مستأجرة، ولجان ثورية بلطجية. فتباَ لهذه الثورة، وسحقاً لثائر معتوه استغل الثورة المزعومة من أجل تنصيب نفسه ملكاً أزلياً على الشعب وإمام أئمتهم وملك ملوك أفريقيا، وجعل ليبيا تئن تحت وطأة الفراغ الدستوري والسياسي والفوضى والفقر والاستبداد والفساد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 56 / 2165437

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165437 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010