السبت 19 شباط (فبراير) 2011

دروس وعبر مستفادة من الثورة المصرية المجيدة

السبت 19 شباط (فبراير) 2011 par حلمي البلبيسي

1- عوامل ثلاث ميزت موقف الرئيس المخلوع حسني مبارك منذ بدء الإنتفاضة / الثورة ،وحتى يوم تنحيه ورحيله وهــــي:-

أ – سنة الله في الطغاة ،انهم يتشبثون بالكراسي حتى النفس الأخير أو ماإستطاعوا إلى ذلك سبيلا ،فالطاغية ,وقد أخذته العزة بالأثم ،لايصدق نصيحة ناصح ،أو مشورة مشير ،حتى إذا خرجت الجماهير بالآلاف الى الشوارع تسمعه علانية مايرفض سماعه من نصاحه ومشيريه همساً ، انكر وتجبر ،وتآمر وتكبر ...

حتى إذا اصبحت حركة الجماهير في الشارع بمئات الآلاف ،كأنه تسونامي بشري ،بدأ بالمساومة وتقديم التنازلات.
إن خطابات الرئيس المخلوع حسني مبارك دليل على انه وحتى اللحظة الأخيرة ،كان يقدم تنازلاته وعروضه التصالحيه مع الشعب من اجل البقاء في السلطة ،معتقداً ان كل هذا الأذلال الذي ناله ،على مدى ثمانية عشر يوماً من الثورة الشعبية ،مقبولا ولا بأس به ان كان ثمنا لبقائه على الكرسي.

ب – العامل الثاني هو البطانة الفاسدة حول الطاغية والتي تزين له سوء عمله ،والتي أثرت على حساب معاناة والام الشعب ،فهذه المافيات دائما ما تدفع الطاغية لرفض التنحي والتنازل عن موقعه لعلمها الأكيد بأن سقوط الطاغية ،سيرفع عنهم الحماية التي كان يؤمنها لهم ،ويجعلهم في متناول القضاء العادل الذي يحاسبهم على سنوات خيانتهم للأمانه ،وعلى فسادهم السياسي والمالي والأخلاقي الذي اضعف البلاد وافقر العباد.

ج – اما العامل الثالث فهو ضغط رفاق الطاغية ،من الطغاة حوله ،الذين ينصحونه بالتشبث بالحكم وعدم الإذعان لهدير الجماهير التي تطالبه بالتنحي ،لعل بقاءه يوهن الثورة ويضعف عزيمتها ،فتفشل وتذهب ريحها ،ويكون فشلها درساً للشعوب الأخرى كي لاتحذوا حذوها ،وتستلهم من نضالاتها مايدفعها لاسقاط طواغيت اخرين ،وبذلك يحمون عروشهم ،بنماذج ثورات فاشلة.

2 – من الدروس الأخرى التي تجلت في ثورة شباب مصر ،وهي الوحدة الوطنية بأسمى واقدس صورها ،ففي الشارع المصري ملايين الشباب الثائرين على الطاغية ،يتحركون من خلفيات فكرية وعقدية مختلفة ،نحوها جانباً ،ورفعوا شعاراً واحداً وهو الأصرار على سقوط النظام ،فلا يافطات حزبية ،ولاشعارات فئوية ،وكأن هذه الملايين جنود في حزب واحد هو حزب مصر ؛ الاخوان المسلمون،والاقباط بجانب الناصريين والشيوعيين،بجوار العلمانيين ،كلهم نداء واحد ؛ الشعب يريد إسقاط النظام .

لم يتصور أحد أن يلتزم هذا الحشد العظيم من البشر ،فلا يخرج على الإجماع أحد ، لابهتاف ،اوشعار ولايافطه ... غير أن اجمل وارقى تجليات هذه الوحدة الوطنية كانت في أوقات الصلاة ،حين كان المسلمون يصطفون للصلاة ،فيحيط بهم سور بشري متشابك الايدي من اخوانهم المسيحيين ،يحمونهم في صلاتهم من هجمات البلطجية وأزلام الطاغية ...
هل كان لمئات الوعاظ والدعاة من الشيوخ والقساوسة ان يحققوا هذا الانجاز الرائع الذي تحقق في مدرسة الثورة في ميدان التحرير بدون انصهار الشباب في هذه التجربة الفريده.

لقد فعلت ثورة الشباب المصري المعجزات خلال ثمانية عشر يوماً غسلت فيها اثم ومؤامرات السلطة في بث الفرقة بين ابناء الشعب الواحد من المسلمين والمسيحيين ،والتي عملت على شق الصف وبذر الفرقة بيننهم على مدى عقود من الزمن.

3 – أكد شباب ثورة مصر بما أظهروه من استعداد للتضحية وقدرة على التنظيم ووضع الخطط وتنفيذها ،إنهم اهل للقيادة وأهل للثقة. فمن كان يتصور ان يفاجأنا هؤلاء الشباب ،وبعضهم بلا خبرات سياسية ،بهذا الإبداع في قيادة وتوزيع المهام ومتابعتها بهذا الإقتدار الذي يعجز عنه شيوخ السياسة وعتات العمل الحزبي والجماهيري .

إن التصاعد في سقف مطالبهم ،والتنوع في اشكال العمل الجماهيري في الشارع ،وتنظيم اللجان ،والقدرة على السيطرة على ملايين المشاركين في ثورة الشعب المصري اجبرت الخصوم على الأعتراف بحضارية واخلاقية والتزام هذه الثورة . ومن مظاهر ذلك سياج الحماية حول المتحف الوطني ،بعد أن علموا باستهدافه من البلطجية وازلام النظام . وأن تستمر هذه الجموع في الشارع كل هذه الفترة دون حالة سطو ،أو حرق ،أو تخريب للمصالح والمؤسسات العامة ،لهو اكبر دليل على سمو أخلاق والتزام هؤلاء الشباب. وقد دأب اعلام النظام على وتصوير هؤلاء الشباب كمجاميع تافهة وغير منتمية لهموم امتها.

هل يتصور أحد أن يجتمع مئات الألاف في ميدان التحرير لعدة أيام وفيهم الشباب والشابات فلا تحدث حالة تحرش واحدة ... الا يستحق أبناؤنا الشباب في مصر أن نرفع لهم كل آيات العرفان والإكبار لهذا الألتزام الأخلاقي والوطني العالي .
4 – دور المرأة في الثورة ،وهي الأم والأخت والزوجة والبنت .كان دورها في المشاركة في هذه الثورة اساسيا وحاسماً في إنتصارها ،وبلوغها نهاياتها السعيدة . ومشاركة المرأة لم تقتصر على الدعم والتشجيع للشباب ،فمن شهداء هذه الثورة في أيامها الأولى سالي زهران وأخواتها .... اللاتي شاركت اخوانها الشباب في ثورتهم ،كانت المرأة عاملاً فاعلاً حالها حال الشباب في كل نشاطات ومهام هذه الثورة ،سارت معهم في المظاهرات وشاركت في الأعتصامات ،وكانت عضواً فاعلاً في اللجان المختلفة التي اشرفت ونظمت حركة الشارع بإتجاه غايات الثورة المنشودة .

5 – وسائل الإتصال الحديثة :- ساعدة مجموعات التواصل الأجتماعي على الأنترنت مثل Facebook , Twetter والهاتف الجوال في تحشيد الناس حول الثورة ،وفي نقل المعلومة وتوجيه الأوامر للشباب في الشارع ،حتى أن الدولة فطنت لذلك فأغلقت الإنترنت وعطلت الأتصالات بالجوال المحمول إلا أن الشباب المتمرس في هذا المضمار لم يعجزه أن يبتدع وسائله للتغلب على هذه العقبات ،وقد كان للصور الملتقطة بكاميرات الجوال ،وعرضها من خلال القنوات الفضائية دور في تعبئة الشارع المصري الثائر .

6 – ومن دروس ثورة مصر العظيمة ،أن شبابها لم ينكروا دور الشيوخ اصحاب الخبرة والقدرة من المخلصين . إذ تبين بعد إندحار النظام وسقوط الطاغية عرفان الشباب بفضل من سبقوهم ،سنا خبرة ،ففي كل مقابلة تلفزيونية أو لقاء إعلامي ،تسمعهم يشيرون بإكبار لمن رافقهم طيلة فترة الإعتصام من شيوخ العمل السياسي المعروفين بإخلاصهم وصدق غاياتهم .

7 – النكتة في ميدان التحرير: استطاع هذا الشعب العظيم بالنكتة السياسية الهادفه ،والرسم الكاريكاتيري ،واليافطات التي تحمل عبارات فيها الموقف السياسي الراقي بصياغة فكاهيه رائعة ،الى جانب الأغينة الوطنية الخفيفة التي تحمل كذلك من الفكاهة مايسهل نقل الموقف السياسي الواضح للجماهير خفيفا سهل الهضم والاستيعاب، إلى جانب التمثليات الخفيفة التي كانت في كل زاوية من زوايا الميدان ... تعبئ وتثقف وتسهل على المعتصمين ،ظروف الإعتصام بكل مارافقه من مشقة ومعاناة.

هذه بعض الدروس التي لحظتها في ثورة مصر العظيمة ،تكاد تكون سردا وعداً لهذه الدروس ولا تعطي لها حقها في التفصيل والشرح ،فكل بند من البنود التي سبقت تحتمل أن يكتب فيها أكثر من كتاب ،ولعل التاريخ ،وفرسان هذه التجربة الإنسانية الفريدة سيقدمون دراسة أعمق وأوفى لكل الصفحات المشرقة في هذه الثورة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2165274

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2165274 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010