الخميس 17 شباط (فبراير) 2011

مصر والنموذج التركي

الخميس 17 شباط (فبراير) 2011 par د. محمد نور الدين

استمرت تركيا منذ إعلان الجمهورية عام 1923 وإلى وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 خارج هويتها، فلم تعطها العلمانية (على الطريقة التركية)، ولا الديمقراطية التعددية عام ،1946 دوراً يليق بموقعها ومكانتها وقدراتها وتاريخها .

استمرت تركيا على امتداد كل تلك العقود والسنين غريبة بين أهلها ومنطقتها، اعترفت بأكبر كيان استعماري واستيطاني وإجرامي عرفه التاريخ، أي “إسرائيل” في عام 1949 لتكون أول دولة مسلمة تفعل هذه الفعلة، وانضمت إلى حلف شمال الأطلسي لتكون أداة ومطية للمشروعات الغربية الموجهة ضد حركات التحرر العربية والإنسانية، فاكتسبت جوارها المباشر عدواً لها . وفي الداخل لم يحسن النظام العسكري في تعامله ضد المدنيين واليساريين وضد الإسلاميين وضد الأكراد، سوى مواجهة مشكلات مصطنعة وعلى رأسها منع المحجبات من دخول الجامعات .

عندما جاء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة كان يواجه تركة ثقيلة جداً وكانت مهمته صعبة جداً .

لكن انفتاح الحزب، وما يمثل من تيارات داخلية منحته الدعم في الانتخابات المتعددة التي خاضها في السنوات الأخيرة، على قيم المجتمع وثقافته وتراثه وبالتالي هويته، هو الذي وفّر لتركيا هذا الدور الكبير الذي استعادته منذ أن فقدته في نهاية العهد العثماني، وعادت لتمارس ما يليق بها من بلد كبير ويختزن طاقات ضخمة، ويمكن له أن يكون موجّها ولاعباً أساسياً في المعادلات الإقليمية بل حتى الدولية .

هوية تركيا كبلد مسلم وشرق أوسطي لم تستعد إلا من خلال البوابة الفلسطينية وقرة عينها القدس . لم تستعد تركيا دورها وحضورها إلا من خلال إيلاء العمق التاريخي والجغرافي أولوية على “الأعماق” الأخرى . وباستعادة هذه الهوية كان لتركيا أن تصطدم حتماً بالسياسات “الإسرائيلية” وصولاً إلى تقديم شهداء في أسطول الحرية على يد العصابات العسكرية “الإسرائيلية” في نهاية مايو/ أيار 2010 .

إذا سحبنا هذا المشهد على مصر خلال حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك على امتداد ثلاثين سنة، أمكن فهم أسباب تراجع حضور مصر ودورها ومكانتها، وهي البلد المحاذي للكيان الصهيوني الذي سقط له مئات آلاف الشهداء .

جمعت مصر بين الاستبداد السياسي في نظام الحكم والفساد وسطوة حيتان المال والأعمال في الحياة الاقتصادية، وبين التخلي عن هويتها التاريخية والقومية من خلال التحالف مع “إسرائيل” إلى حد محاصرة أهل غزة وتجويعهم .

في نظرة إلى تجمعات الثورة الشعبية في ميدان التحرير وسائر المدن المصرية، ارتفعت شعارات قوية لجهة إسقاط النظام وإحلال الديمقراطية وما شابه من شعارات جميلة تمس أسس النظام السياسي والاقتصادي .

لكن الشعارات القومية كانت محدودة وخجولة، وربما يسرع البعض ليقول إن المرحلة الانتقالية لا تتحمل حمل كل الشعارات الثقيلة دفعة واحدة . لا نعارض هذا التفسير .

ما انطبق على تركيا ينطبق الآن على مصر، تحديث النظام السياسي أكثر من ضروري لاحترام الشعب بمسلميه وأقباطه كمواطنين وليس كقطعان دينية أو مذهبية . واعتماد المحاسبة في أساس الحكم مطلوب أيضاً لمنع الاحتكارات وإنهاء نظام الأغنياء والفقراء، لكن أيضاً، إن عودة تركيا إلى هويتها في الداخل والخارج هو الذي منحها الاحترام والمكانة الجديدة القوية .

واستعادة مصر لهويتها القومية بما هي مقارعة العدوان والاحتلال والهيمنة “الإسرائيلية”، ولسيادتها بما هي إلغاء القيود على جيشها وأسلحتها في جزيرة سيناء وفقاً لمعاهدة كامب ديفيد، هي المعيار والشرط الضروري لتعود مصر إلى مكانتها ودورها في محيطها الإقليمي والساحة الدولية . ومن دون استعادة مصر هويتها العربية والتحررية لا معنى لأي تغيير ديمقراطي .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2178939

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2178939 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40