السبت 12 شباط (فبراير) 2011

نحو محكمة التاريخ الخاصة بلبنان

السبت 12 شباط (فبراير) 2011 par د. عصام نعمان

لم يبقَ شيء من غسيل لبنان الوسخ إلاّ نشره موقع “ويكيليكس” ثم برنامج “حقيقة ليكس” على حبل الشفافية والإعلام . ما جرى كشفه وبثه ونشره حتى الآن يشكّل، أو يكاد، معظم تاريخ لبنان في تسعينات القرن الماضي والسنوات العشر الأولى من القرن الحالي . الكشوفات تشمل جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتتناول أو تكاد جميع اللاعبين من قيادات وشخصيات مدنية وعسكرية واجتماعية . قلة قليلة جداً بقيت خارج دائرة الظن والشبهة والاتهام .

الغريب والمدهش أن مصدر الكثير من الوقائع والمعلومات والشبهات والاتهامات هو “ولي الدم”، نجل الرئيس المغدور رفيق الحريري، رئيس حكومة لبنان السابق سعد الحريري . والأكثر مدعاة للاستغراب والدهشة أن الكثير مما كشفه الحريري الابن عن أبيه وعمّن تعاطى معهم هو وأبوه في لبنان وسوريا والسعودية وفرنسا وأمريكا وسائر أنحاء العالم، لم يكن مضطراً إلى كشفه لأنه لم يكن له صلة مباشرة، وحتى غير مباشرة، بجريمة اغتيال والده، مع العلم أنه لم ينكر قط ما قاله أو نُسب إليه .

لماذا قال الحريري الابن كل ما قاله أمام المحقق المكلّف من لجنة التحقيق الدولية؟

ثمة ثلاثة تفسيرات: الأول، أنه ما كان يقدّر أن وقائع استجوابه لدى المحقق ستجد يوماً طريقها إلى الكشف والنشر . والثاني، أنه رجل غير معقد وصريح وقليل الخبرة، فقال ما قاله من دون أي تقدير للعواقب . والثالث، أنه تقصّد كشف كل الوقائع والمعلومات والاتهامات الصحيحة والكاذبة التي ساقها ضد الأقربين والأبعدين عن سابق تصور وتصميم كي تكون مادةً لتحقيقات ومحاكمات لاحقة .

هذه التفسيرات واقعية والدوافع الكامنة وراءها ممكنة، لكن ما لم يجد له الكثير من الناس وأهل الرأي تفسيراً هو لماذا كشف الحريري الابن أموراً تؤذي سمعة والده المغدور وتفسح في المجال للنيل منه شخصياً؟ لماذا كشف، مثلاً، لجوء والده إلى رشوة السياسيين والصحافيين وقادة الأمن السوريين؟ ألا تساعد هذه الكشوفات خصومه على اتهامه بأنه لجأ، ربما، مع بعض مساعديه إلى رشوة بعض الشهود وتصنيعهم من أجل كيل الاتهامات ضد الضباط الأربعة الكبار الذين جرى توقيفهم نحو أربع سنوات، وضد سوريا وحزب الله بقصد “إدانتهما” من طرف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان؟

ها هو خصم الحريرية الأول في لبنان العماد ميشال عون يطلب اعتبار سعد الحريري أحد شهود الزور والتحقيق معه في ما قاله أو نُسب إليه ولم ينكره . وقد تتطور الأمور فيقوم عون وسواه ممن طاوله الحريري الابن بلسانه واتهاماته بالادعاء عليه لدى القضاء اللبناني بالذم والقدح والتشهير .

أكثر من ذلك، قد يلجأ بعض المتضررين من اتهامات الحريري إلى المحكمة الدولية ذاتها للإدعاء عليه، ولكن ليس قبل أن يتأكدوا من صدقيتها ونزاهتها بعد صدور قرارها الاتهامي المرتقب عن المدعي العام لديها دانيال بلمار في المستقبل القريب .

الأرجح أن شيئاً من هذا القبيل لن يحدث . السبب؟ لأن المحكمة الدولية أقيمت لغرض واضح وفاضح هو اتهام حزب الله وسوريا ومحاولة إدانتهما بأنهما وراء اغتيال رفيق الحريري، الأمر الذي يساعد الولايات المتحدة، ومن ورائها “إسرائيل”، على تصويرهما بأنهما جهتان إرهابيتان، فيسهل على الدولتين العدوتين لهما، النيل منهما بشكل أو بآخر بما في ذلك شن الحرب أو إشعال نيران الفتن الأهلية .

جريمة اغتيال رفيق الحريري وما سبقها ورافقها وأعقبها من جرائم وملابسات ووقائع ومؤامرات وتحقيقات مشبوهة وافتراءات مصنّعة واعتقالات ومحاكمات وأحكام ستبقى، في رأيي، ملك التاريخ حيث سيقوم مؤرخون، لبنانيون وعرب وأجانب، بدرسها وتقويمها وإطلاق الأحكام في شأنها من على قوس محكمته العليا .

غير أن تحقيقات المؤرخين القضاة سيطول زمنها، ومواعيد إطلاق الأحكام ستتأخر، لأن القضية ما زالت تتفاعل، واللاعبون في ساحاتها مازالوا ناشطين وقادرين على خلق واختلاق المزيد من الوقائع ما يبقي ملفها مفتوحاً إلى أجل بعيد .

إنها إحدى قضايا العصر الأكثر تعقيداً وغرابة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2165282

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165282 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010