الخميس 10 شباط (فبراير) 2011

اعتذار كبير من الجيل الصغير

الخميس 10 شباط (فبراير) 2011 par سعد محيو

حين سُئِل كاتب هذه السطور في مقابلة صحافية مؤخراً عما إذا كان ثمة مقال أو موقف ندم عليهما، جاء الجواب سريعاً: أجل: الموقف من الجيل الجديد .

فهذا الجيل يستأهل منا بالفعل طلب المعذرة، وحتى الغفران . إذ إن الصورة التي كنا نرسمها له، وبثقة تامة، هو أنه جيل “سطحي”، واستهلاكي، ولاقارئ، وغارق حتى أذنيه في الثقافة الشعبية التسليعية الأمريكية . وبالطبع، هذا التعريف كان يشمل ضمناً اعتزازاً بالجيل القديم الذي شارك في أحداث 1968 العالمية، وفي الثورات الثقافية والتحررية والعالمثالثية، والتي كان طموحها لا يقل عن بناء عالم جديد، وتاريخ جديد، وإنسان جديد .

بيد أن مايجري الآن في تونس ومصر واليمن والأردن وبقية أنحاء الوطن العربي، قلب هذه الصورة رأساً على عقب . إذ تبيّن أن شبان الجينز، والفيس بوك، والتويترز، ومقاهي الإنترنت، يكتنزون زخماً ثورياً ضخماً لا سابق له ويفوق بكثير كل الأجيال السباقة، بما في ذلك حتى جيل الستينات الذي كان الأشهر في التاريخ الحديث .

لكن، من أين أتى جيل أولادنا بهذه الطاقة، على الرغم من الاتهامات لهم ب”ضحالة الثقافة” واللاتسييس واللاأدلجة؟

يجب أن نمعن التفكير من الآن في هذا السؤال، إذا ما أردنا أن نفهم ما جرى حتى الآن، وما سيجري حتماً من “عاصفة كاملة” آتية لا ريب فيها .

هنا قد نتعثّر بالعديد من الاجتهادات، التي يتمحور معظمها حول الدور الثوري للتكنولوجيا الحديثة في قلب البُنى الاجتماعية والفكرية:

الشباب ترابطوا في إطار شبكة أثيرية لا تستطيع الأنظمة المستندة إلى التراتب الهرمي لا تفكيكها ولا مواجهتها . وهذا ما هزّ أركان هذه الأخيرة بعنف، لأنه غيّر معنى السلطة وكيفية ممارستها .

تقاطع المصالح بين الفتية المثقفة التي لا مستقبل اقتصادياً لها مع مطالب عمال وفقراء المدن (كما حدث في كومونة باريس الثورية في القرن 19)، وتوفّر تكنولوجيا الإعلام الاجتماعي لكسر هيمنة الحكومات على الفكر والمعلومات، سهّل كثيراً هذا التقاطع .

نجاح الشباب في التعويض عن صعوبة تشكيل التحالفات السياسية الاجتماعية العمودية بسرعة نشر الأفكار الأفقية التي كانت تتحوّل سريعاً إلى برنامج عمل تنفيذي، وهذا من خلال طرح مطالب محدودة ومحددة (الخبز والحرية) لا شعارات إيديولوجية فضفاضة .

وأخيراً، وهنا الأهم، نجاح الشباب في كسر حاجز الخوف، واستعدادهم الكبير للتضحية بالذات حرقاً، وبرصاص السلطة، وتحت قوائم الخيول والجمال، وعجلات السيارات المدرّعة للشرطة .

بالطبع، يمكن أيضاً إيراد تفسيرات موضوعية عدة لطالما حذّرت منها تقارير التنمية البشرية الدولية، وفي طليعتها الانفجار الديموغرافي الكبير في معظم أجزاء الوطن العربي، وهو العامل الذي لعب على مدار التاريخ دور الحاضنة الرئيس للثورات أو الاضطرابات الاجتماعية العنيفة .

حصة الشباب من هذا الانفجار كانت كاسحة: 60 في المئة من إجمالي السكان الذين شملهم في كل الدول العربية، تراوحت أعمارهم بين الثالثة عشرة والتاسعة والعشرين من العمر، و80 في المئة من هذه ال60 في المئة إما عاطلون عن العمل، أو غير راضين عن وظائفهم، أو عاملون وغير راضين عن أنظمتهم السلطوية .

بيد أن كل هذه التحليلات والتفسيرات، على ضرورتها وأهميتها، لا تُسقط ضرورة أن يحصل أولادنا في الجيل الجديد على ما يستحقونه منا: الاعتراف بإنجازاتهم التاريخية الكبيرة، والاعتذار . الاعتذار الكبير حقاً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165918

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165918 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010