الخميس 10 شباط (فبراير) 2011

الخاص في الانتفاضتين

الخميس 10 شباط (فبراير) 2011 par علي جرادات

دون توقع، وتعبيراً عن مأزق سياسي اجتماعي يستحث التغيير، عكسته هبات شعبية سابقة، استخف بها الحاكم، وعجز المعارض عن قيادتها وتطويرها، انفجر المرجل الشعبي العربي في جيشان انتفاضي سلمي . بدأ هذا الانفجار عفوياً، وانتقل بطريقة خاصة، (فرضها غياب تنظيم سياسي قائد)، من العفوية إلى التنظيم . ودمج سريعاً بين “المطلبي” و”السياسي”، وامتد بسرعة البرق من تونس إلى مصر، الدولة العربية المركزية، لتصبح المنطقة العربية على مفترق طرق “زمن مكثف” . قيل قديماً إن دقيقة “الزمن المكثف” بسنة من “الزمن الرمادي” . فما بالك مع إيقاع عصر سريع عصي على التحكم . ناهيك عن ما يتراكم تحت السطح على طول وعرض الساحة العربية مِن غضب شعبي، يتوق للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية .

بعيداً عن استخدام مقاييس قديمة لوضع جديد، وخارج تفصيله على مقاس نماذج ذهنية، فإن هنالك حاجة لرؤية الخاص في الطوفان الانتفاضي . يضاف إلى العام من قوانين الثورة . هو خاص ما زال يتفاعل، ويستدعي الحوار معه، والتعلم منه، ودفعه للأمام في الوعي والممارسة . هنا لا ينفع التوقف عند مألوف الوعي عن الثورة وقوانينها العامة . إن الوقائع المتغيرة، (والانتفاضتين التونسية والمصرية كنموذج لها)، لا تنتج تغييراً في الوسائل والآليات فقط، بل تنتج تغييراً في المفاهيم أيضاً . فالشعوب عندما تباشر ثوراتها تطور وعيها، وبالتالي تنظيمها واستراتيجيتها وتكتيكاتها وأدواتها، لأن الثورة لا تكون إلا محصلة لواقع ملموس من التناقضات لها سماتها الخاصة والمحددة . وهذه حال الفعل الانتفاضي الشعبي الجاري، كفعل تَوَفّرَ لاندلاعه الشرط الموضوعي، (“الأزمة السياسية”)، وغاب عنه، (بنسبة عالية)، شرطه الذاتي، (“التنظيم السياسي القائد”) . غير أن الفعل الانتفاضي يكتشف ضرورة التنظيم السياسي، ولذلك يأخذ بتطويره بتسارع عبر الممارسة، والتفاعل الحسي مع السؤال الكبير: إلى أين سياسياً واجتماعياً وثقافياً ووطنياً، إنما بالتأكيد دون قطع كلي مع تجارب نضالية مديدة لحركة التحرر العربية، جاء الفعل الانتفاضي الشعبي التونسي والمصري، تطويراً لها، وقفزة نوعية في سياقها .

ولأن “كل نظام يعيش مأزقه حتى ينتج حفار قبره”، الحفار الذي لم يتفاداه النظام الرسمي العربي بإصلاحات استباقية جوهرية، ظنا أن احتكار السلاح والمال يمكن له أن يحتجز الفهم والسياسة والحريات . وفي ذات الوقت لم تستطع “المعارضات” العربية التعامل مع مقتضياته، بفعل “تبقرط” قياداتها وتثاقلها وقلة استعدادها، ولأن الطبيعة تكره الفراغ، فقد انفجر المرجل الشعبي العربي بصورة عفوية عارمة متواصلة، على يد “شباب” استخدم التكنولوجيا الإلكترونية الحديثة، استعاض بها عن “الحزب السياسي القائد” كأداة مألوفة للتحريض والاتصال، وفتح الأفق واسعاً أمام التطوير بالممارسة للأدوات الحزبية في التنظيم والقيادة والتوجيه وبناء البديل .

إن خاص انتفاضتي تونس ومصر، أي عفوية اندلاعهما، والغياب النسبي ل”حزب سياسي قائد”، لم يَحُل دون تطورهما وتواصلهما وخلقهما لديناميكيات خاصة بهما . تتعايش في هذه المرحلة عناصر من الحالة القديمة مع عناصر من الحالة الجديدة . ومن الطبيعي أن يسود بينهما صراع ووحدة، مما يجعل مستقبل هاتين الانتفاضتين محكوماً بنتيجة هذا الصراع، الذي لم ينته بعد، وسيتأثر بالوضع الدولي والإقليمي خارجياً، دون نسيان التمايز النسبي بين الحالتين التونسية والمصرية على هذا الصعيد .

ونظراً للدور الفعال للوسائل الإلكترونية الحديثة في انتفاضتي تونس ومصر، يمكن أن نتوقع في الوطن العربي حرباً ضروساً بين الأنظمة العربية وجماهيرها، على وسائل الاتصال الإلكترونية . تحاول الأنظمة التضييق على هذه الوسائل، بينما تحاول الشبيبة توسيعها وتعميم استخدامها، حيث إن الوسائل الإلكترونية صارت السلاح الجماهيري الفعال، وناب الحاسوب عن الحزب السياسي في مجالي التحريض والاتصال، ما يفرض على الأحزاب العربية المعارضة إيلاء وسائل الاتصال الحديثة أهمية في عملها الداخلي والخارجي، وتطوير كادراتها بما يجعلهم قادرين على التعامل مع هذه الوسائل .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165856

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165856 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010