الاثنين 7 شباط (فبراير) 2011

الحكمة المزعومة!

الاثنين 7 شباط (فبراير) 2011 par علي الظفيري

أكثر ما يبعث على الاستياء في متابعة الثورة المصرية مؤخرا هو لجنة الحكماء المزعومة، هذه اللجنة التي منحت نفسها موقع الحكمة دون أن يمنحها أحد ذلك، في استخفاف مقزز بثورة الشباب المصري في ميدان التحرير طوال الأسبوعين الماضيين، فالحكمة يقابلها الدهماء والجهلة والبسطاء والغوغاء، وهي إذ تنسب لنفسها الحكمة فإنها تصف ما يجري هناك بشكل غير مباشر بما ليس له علاقة بالحكمة، وهذا ما يدفع للتشكيك في موقفها ومطالبها والأسباب التي تدفعها لذلك الفعل، بل إن ما يمكن وصفه بخيانة الهبّة الشعبية ومحاولة إجهاضها أو الركوب على مطالبها قد يصح في هذه الحالة، وفي موقفها اللافت والغريب والمستهجن من الشباب المصري الثائر منذ أيام.

لقد بلغت الثورة المصرية مدى لا يمكن معه العودة إلى الوراء أبدا، هذا عمل لا يتكرر في تاريخ الأمم إلا نادرا، وبالتالي لا تكون الحالة قابلة للتفويت أو الاستغلال أو العبث، لا يمكن بعد هذه الانتفاضة الشعبية الكبيرة الحديث عن التكتيك أو التسويات والمقاربات الضعيفة، وهو ما تقوم به تحديدا لجنة الحكماء المزعومة والقيّمون على حكمتها المنشودة، وليس من منطق التشكيك بولاءات أعضائها أو انتماءاتهم المعروفة للنظام المصري في السابق، ولا انطلاقا من مبدأ الظن بأهداف غير مقبولة جماهيريا تحكم عمل لجنة الحكمة المزعومة، بل قياسا على الوقائع التي تدعو لرفض هذه اللجنة وعدم القبول بما جاء في بيانها.

لقد اختارت اللجنة أن تعين نفسها ممثلا لما يجري في الميدان، ولم يمنحها أحد الحق في ذلك، فلم يقل لنا أعضاء اللجنة إن أحدا من المتظاهرين قد خوّلهم الحديث أو أعطاهم حق التمثيل، انبروا هم لهذا الموقف ظنا بحاجة المشهد لذلك الفعل، وهذا غير صحيح من عدة نواحٍ، أولها وأهمها أن المطالب بالنسبة للمتظاهرين واضحة ومحددة ولا حاجة لتقديم مبادرات بهذا الشأن، هناك مطلب رئيسي برحيل رأس النظام المصري حسني مبارك يتبعه إجراءات تغيير جذرية في طبيعة النظام الحاكم، فما الحاجة لحديث عن تخويل الرئيس سلطاته لنائبه الذي عينه من رحم النظام وفي لحظة ضغط جماهيرية كبيرة!، وما الدواعي لتقديم مبادرات من طرف الجماهير، فيما الجميع يترقب المبادرة من النظام نفسه! ولماذا تسعى لجنة الحكمة المزعومة لحفظ ماء وجه الرئيس وتأمين مخرج كريم له لا يريده ولا نظامه المحيط به، وأي أثر نفسي سلبي على الشباب المتظاهر جراء هذه المبادرات الهشة وغير الموفقة وغير المتفق عليها؟ لقد ضرب النظام عرض الطاولة بهذه المبادرة، وهو يستثمرها بشكل ممتاز في محاولته لكسب الوقت وإماطة المتظاهرين عن ميدان التحرير حتى يتسنى له الانقلاب مجددا على كل هذه الثورة ووأدها كما لو لم تكن.

لقد تقلد بعض هؤلاء الحكماء مناصب عليا في عهد النظام الحالي، وبعضهم عاش طويلا متوائماً معه مساكناً له، فقامت ثورة شعبية استثنائية في وجه هذا النظام تطالب بإزالته وخلق نظام جديد ديمقراطي تعددي في مصر، فيأتي هؤلاء المتشبعون حكمة وهزيمة وواقعية ليقفزوا على هبة الجماهير ويعملون على تفكيك كتلتهم المتماسكة، هذا هو مكمن الحكمة لدى فئة من النخب المثقفة العربية لا تعي ولا تريد أن تعي ما تشاهده على الأرض جيدا، ولا تريد أن تفهمه أيضا!

ويبدو أن مطلب الجماهير العريضة بأن تُفهم ليس مقتصراً على رموز النظام القمعي البائس، بل ينسحب هذا المطلب على هؤلاء المُحبِطين والمحبَطين من المثقفين الذين أكل عليهم الدهر وشرب، وما علينا سوى تركيز النظر على ميدان التحرير الذي بات قريبا من قطف ثمار ثورته المجيدة، بتنحي الحكماء والعسكريين وضباط المخابرات، بعد أن يتنحى سيدهم!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 42 / 2165768

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165768 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010