الاثنين 7 شباط (فبراير) 2011

“ثورة” مصرية تنهي نمط القنوط

الاثنين 7 شباط (فبراير) 2011 par عبدالوهاب بدرخان

إلى حد فاق كل تصور، شدنا الحدث المصري وأدهشنا، ولا يزال، وبمقدار ما كان الحدث التونسي رائدا وملهما، بمقدار ما تحول ميدان التحرير في القاهرة مصهرا للمثابرة، والدفع الذاتي والقوة المسالمة، حتى الصين حتى روسيا، استشعرتا الخطر الذي قد يكون كامنا الآن في مجتمعيهما، لكنه مرشح لأن يتفجر في أي لحظة، ثمة أساطير وخرافات كثيرة سقطت في برهة من الزمن، بعدما كانت ساهمت في صنع “استراتيجيات” دولية وإقليمية يتبين الآن أنها بنيت على عمليات تضخيم، بل ربما على أوهام.

من الخارج، ورغم الجهد الكبير الذي بذلته الفضائيات بقيت الصورة متأثرة بالتبسيط، وتهيمن عليها العموميات، أما الحقيقة فكمنت دائما داخل الحشد، وظلت تضع على الأرض، لم يستطع أحدنا أن يستكنه اصالة المواقف، لأنها للمرة الاولى تتبلور بأنماط غير مسبوقة من النقاش والشفافية.

طالما اننا لم نكن إزاء حركة سياسية معروفة يمكن التكهن بردود افعالها وحدود طموحاتها، فكلما بان الأمر معقدا جاء الرد من الشارع واضحا وبسيطا لا لبس فيه، وكلما بان الامر مغريا بالتراجع والمساومة جاء الرد حازما،ـ وكلما بان الأمر موحيا بأن الحشد قارب التشرذم والتفرق لا يلبث أن يفاجئ نفسه والجميع بالدعوة الى تظاهرات مليونية وبأن هذه الدعوة تلبى.

الشيء الوحيد الذي كرر فيه التاريخ نفسه كان أن مصر إذا تحرك عمقها فلن يهدأ إلا إذا أدرك الهدف، وإذا خرجت إلى الشارع فلن تعود منه إلا إذا نالت مطلبها، هذا واقع وحقيقة وتاريخ، لكن مراصد الاستشراف في الداخل كما في الخارج أخفقت في استشعاره وتوقعه، بدت لها الاحتجاجات وعمليات القمع، الممعنة في الشراسة والبلطجة وكأنها مجرد نمط لا رجاء فيه، حتى انه مل من تكرار نفسه، حتى انه غرق في قنوط يصعب علاجه، لم ينتبه أحد، لا النظام ولا حزبه ولا الاحزاب الأخرى المعارضة، الى العاصفة التي كانت تتجمع لتهب دفعة واحدة وكان أروع ما فيها ان احدا لا يعرف حتى الآن من صنعها، وكل ما عرف هو أن شيئا ما حصل يوم 25 يناير وبدا فجأة كأن مصر كلها ضربت ذاك اليوم موعدا لنفسها.

بعد أكثر من أسبوع عندما حست الحاجة الى الحوار، كان المشهد مذهلا، بل كان ما سمعناه اكثر اذهالا، احزاب معارضة تقليدية تتزاحم للدخول في حوار مع السلطة لكنها خائفة ومترددة مثلها مثل السلطة، الخوف من الاتفاق على تسوية لا يمكن بيعها للشارع، طالما ان هذه الاحزاب ليست هي من يحركه والتردد تجنبا للانكشاف امام الشارع، أما الاكثر اذهالا فهو ان السلطة والاحزاب لا تعرف قيادة لهذه الثورة يمكن ان تدعى الى حوار، هل هي الثورة الأولى في التاريخ تشتعل ولا قائد أو قادة لها؟ هل هذا هو نمط الثورات الجديد في مسار العولمة؟ الأكيد أن المساندة الوحيدة، الصلبة والحقيقية التي نالتها جاءت من الخارج، بمعزل عن الأسباب والدوافع، فكل الرسائل والتحذيرات والنصائح كانت تدور حول معنى واحد، لا للقمع.. علما بأن اصحاب هذه النصائح من أمريكيين وأوروبيين راكموا تراثا كثيفا من المديح للنظامين المصري والتونسي لانهما اتقنا الشدة في القمع حتى اصبح الوظيفة الوحيدة التلقائية لجهاز الأمن.
كان القمع مقبولا، بل مطلوبا ومرحبا به لأن النظام وأصدقاءه الخارجيين تصوروا ان ثمة لعبة واحدة في مصر، اسمها “الإرهاب” أو “التطرف” أو “الإسلاميون”، وأخيرا “الاخوان المسلمون”.

لم يقل النظام أنه في حملته ضد هؤلاء سحق في طريقه الآخرين، جميع الآخرين، أما الأصدقاء الخارجيون فلم يهتموا لـ“الأضرار الجانبية” معتبرين أنها لابد منها إذا كان الهدف الرئيسي يتحقق، وفي أي حال هذا ما أقدموا عليه هم أيضا في العراق، وقبله في أفغانستان، وفي باكستان، لكن لهذا السبب تحديدا، لم تنجح الدعوات الأمريكية الملحة الى الاصلاح والديمقراطية وها قد جاءت الآن هذه الثورة بلا قيادة من خارج السياسة التقليدية، من خارج التيار الاسلامي، ولم تطالب بالاصلاح فقط، بل استوعبت الجميع عندما ابرزت مطلبا واحدا: إسقاط النظام.

وسواء سقط هذا النظام بالطريقة التي تريدها جماعة الثورة، أو بأي طريقة قريبة إليها فإن سقوطه الفعلي حصل وانجز عندما انكسرت حواجز الخوف والصمت التي أقامها على مر السنين، غدا هناك كم هائل من الدروس التي يتوجب استيعابها في غضون لحظة زمنية خاطفة، إذا أراد النظام أن يبقى ليشرف على التغيير، بل غدا هناك كم هائل من الاستحقاقات المطلوبة، وهي بديهية وطبيعية لكنه كان يطمسها ويتجاهلها، فإذا به مجبر الآن على تلبيتها والوفاء بها، كما لو انه لم يعد هو نفسه، كما لو أنه استفاق فجأة من سبات عميق ليجد أنه ازاء وضع مشفر ولا يعرف كوداته.
الدخول في الإصلاح يفترض احتمالين كلاهما صعب: إما أنه عالم مجهول سيؤدي التصرف إلى كل من معالمه والتعامل معه الى صراعات لا حصر لها، واما انه واضح لكن النظام كان يتفاداه رافضا كل ما يجد من هيمنته وتسلطه، لن يكون عسيرا ان تزال التشوهات المفتعلة التي تعرض لها الدستور وبعض القوانين، خصوصا تلك المتعلقة بالحريات ومباشرة الحقوق السياسية، بل لن يكون عسيرا تفعيل القوانين الجديدة، لكن المعضلة الاصعب هي الاعتراف بوجوب ترسيم الحدود بين السلطة والمجتمع، بين النظام والحزب الحاكم الذي ينبغي ألا يعود حاكما كما هو الآن وكذلك بين السلطات، أي أن مصر باتت مدعوة، منذ 25 يناير، إلى التخلص من ثقافة متكاملة نشأت غداة سقوط الملكية ورفعت شعارات لم تتمكن من تحقيقها وهي الآن متجهة إلى نمط لابد من بنائه، انطلاقا من نقطة الصفر، إذا كانت الديمقراطية هي الطموح.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165557

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

33 من الزوار الآن

2165557 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 34


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010